المواجهة الرئاسية… وسقوط الرهان الطائفي
} نمر أبي ديب
رسمت النتائج الرئاسية في جلسة 14 حزيران ملامح المرحلة المقبلة وأيضاً أفق الجلسة أو الجلسات اللاحقة انطلاقاً من حقائق سياسية وأخرى عددية تتعلق بالبعد الوطني للمرشح الرئاسي، وأيضاً بالغطاء المسيحي الذي شكَّل من وجهة نظر القوى المسيحية الرافضة لـ خيار سليمان فرنجية، عصب التقاطع الرئاسي وجوهر الرهان الاستراتيجي، الذي رفعت من خلاله القوى المسيحية المتمثلة اليوم بتقاطع القوات اللبنانية، الكتائب، والتيار الوطني الحر راية المواجهة الرئاسية مع «خيار فرنجية» على قاعدة «حصر التمثيل» وإفراغ ترشيح فرنجية من «البيئة المسيحية الحاضنة»، في مراحل الترجمة الفعلية لتحوّلات المنطقة، وأيضاً لمجمل الانتصارات السياسية وحتى العسكرية التي حققتها القوى الداعمة والمؤيدة على الساحة اللبنانية «لخيار وترشيح سليمان فرنجية» ما يشكل على مستوى الاصطفاف الرئاسي رهاناً مزدوج المعايير قائماً على مبدأ «ترك الانطباع» الجيد لدى مجمل الدول المتابعة للشأن اللبناني وتحديداً «الأزمة الرئاسية» وتكوين صورة افتراضية تقضي بإسقاط خيار فرنجية وترك المرشح جهاد أزعور معلقاً ما بين التفاوض الغير مضمون النتائج الإيجابية في المراحل المقبلة والتسوية الرئاسية الغير قابلة لمنطق التخلي عن خيار فرنجية أو هزيمة الفريق المنتصر على الساحة الإقليمية، ما يؤكد على الفارق الاستراتيجي ما بين «استنفار رئاسي» تعلنه القوى السياسية الرافضة لخيار «فرنجية» بهدف انتخاب رئيس للجمهورية، وبين استنفار «ترك الانطباع الجيد» على الساحتين الإقليمية والدولية، لإحداث متغيّرات بنيوية في جوهر وأساس الموقف الرئاسي التابع للدول المعنية في الملف ونخصّ بالذكر المملكة العربية السعودية وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية.
مع ما تقدَّم يجدر التساؤل عن ماهية التأثير الخارجي، ودوره الفاعل والمؤثر في حسم الملف الرئاسي، يجدر التساؤل عن فاعلية الدول الكبرى في مراحل الصياغة المزدوجة الدولية والإقليمية لخارطة «الشرق الأوسط الجديد»، وأيضاً عن امتلاك الولايات المتحدة الأميركية إمكانية العودة في «السياسة اللبنانية والرئاسة»، إلى ما قبل «اتفاقية 17 أيار»، إلى ما يمكن اعتباره استنساخاً سياسياً للظروف المساعدة وحتى المساهمة في وصول مرشح أميركا إلى سدة الرئاسة الأولى.
لا شك أنّ التجارب اللبنانية مع التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية والملف الرئاسي تحديداً كبيرة جداً وغنية بالمحطات الفاصلة والمواقف الاستثنائية، انطلاقاً على سبيل المثال السياسي لا الحصر من معادلة (مورفي ـ الأسد: مخايل الضاهر أو الفوضى) مروراً بجبهات رفض داخلية وخارجية لخيار «ميشال عون الرئاسي» وصولاً لتقاطعات اليوم، البعيدة في السياسة عن استراتيجيات وطنية ملزمة، والقريبة في السلوك من شخصنة الأزمة التي لا تتعدّى في إطار الرفض الرئاسي حدود المصالح الحزبية عند البعض، وعدم التصالح مع «فكرة المقاومة» عند البعض الآخر، وفق الخطاب السياسي المعلن لمجمل القوى الرافضة اليوم خيار فرنجية.
في النتائج الأولية للأرقام الرئاسية المسجلة والمعلنة في جلسة 14 حزيران مقاربات سياسية واستنتاجات توحي في مجملها بأنّ التسوية الرئاسية في بعدها اللبناني والوطني مقفلة إلى أجل مسمّى مداه الأقصى الانتخابات النيابية المقبلة، إذا تعذَّرت فرص التوافق الداخلي على خيار فرنجية الرئاسي أو الاحتكام إلى انتخابات نيابية مبكرة، في حين أكَّدت مصادر رئاسية على معطى إيجابي يمكن أن يتبلور ضمن فترة زمنية أقصاها شهر ويمكن من خلاله تسجيل أكثر من خرق جدي فاعل وإيجابي في جدار الأزمة المستمرة.
هنا تجدر الإشارة إلى التسوية الخارجية، إلى معادلات لم تنضج ظروفها الدولية بعد، ولبنان اليوم عالق ما بين رهانات الوقت الضائع، والعجز الرئاسي الذي ظهرت به قوى التقاطع السياسي على رفض فرنجية، في مراحل انتصار المقاومة ووضع قطار المنطقة على سكة الشرق الأوسط الجديد.
ما يجري اليوم على الساحة اللبنانية «استكمال رئاسي» للصراع التقليدي على هوية لبنان، ودوره الاستراتيجي في محور المقاومة.
ما يجري اليوم يندرج ضمن إطار اصطفافات الضرورة لقوى سقطت في رهاناتها السياسية وحساباتها الرئاسية مع شعار وحدة التغييريين، ورهان محاصرة فرنجية.
قد تكون الجلسة الرئاسية المنعقدة بتاريخ 14 حزيران 2023 بروفا رئاسية في الدرجة الأولى، وأيضاً محطة استكشافية لمجمل القوى الخارجية المتابعة والمواكبة للأزمة الرئاسية التي بلغت بمفاعيلها الطائفية وتوازناتها العددية مرحلة سقوط الادّعاء القائم على فرضية عدم استيفاء فرنجية شروط «السلامة المسيحية» في ترشيحه الرئاسي، وأيضاً في «اختصار الطائفة»، ما قد يسمح بانتظام سياسي جديد يلحظ على المستوى الرئاسي مبدأ «التوافق» الذي أكَّدت عليه مجمل تطورات المنطقة، وسياسات الانفتاح العربي والإقليمي.