للذين يسألون أين محور المقاومة وأين وحدة الساحات والجبهات؟
ناصر قنديل
– هناك بعض الطيبين والمتحمّسين الذين يفهمون على طريقتهم مفهوم وجود محور المقاومة، ومن خلاله مفهوم وحدة الساحات والجبهات، وخلاصة هذا الفهم أنه بمجرد أن يبدأ العدوان على ساحة يجب أن تدخل سائر الساحات والجبهات، وكأن الساحة المعنية بالاستهداف مجرد ضحيّة تتلقى الضربات ويتفرّج عليها الآخرون بتخاذل ما لم يبدأوا بإطلاق النار، لكن هؤلاء لا يمثلون سوى نسبة بسيطة بالمقارنة مع الجوقة المنظمة التي تعزف لحن التشكيك المستمرّ بجدية ومصداقية محور المقاومة ومعادلة وحدة الساحات. والمقصود هنا وحدة الضفة وغزة والقدس والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، ومن خلالها وحدة الجبهات، والمقصود جبهات جوار فلسطين وخصوصاً لبنان ثم سورية وصولاً الى اليمن والعراق وإيران، ولكن بسبب وجود فئة أصحاب النيات الحسنة نحن معنيون بالشرح والإيضاح.
– الأمر الأكيد هو أنه منذ سنتين، أي تحديداً منذ معركة سيف القدس، تمت ترجمة عملية قبل ظهور شعار وحدة الساحات ومن بعده وحدة الجبهات، وكانت معادلتها ظاهرة فهي لا تحتاج الى إثبات، بأن غزة عبر مقاومتها حددت ساعة صفر وشنت حرباً لنصرة القدس، وخاضت غمار مواجهة امتدت لأيام فرضت خلالها معادلتها بوقف الاعتداءات على الأقصى والقدس. ولأن هذا لا يحتاج إلى إثبات، لأنه تم وانتهى، ومثله قبل شهور عندما كان المسجد الأقصى عرضة للاقتحامات ودخلت غزة على الخط، ومن بعدها دخلت صواريخ جبهة لبنان وجبهة سورية التحذيرية، وكانت النتيجة إعلان حكومة بنيامين نتنياهو حظر دخول المسجد الأقصى على المستوطنين في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، ولأن الوقوع أكبر دليل على الإمكان، لم يعد للسؤال عن فرضية وحدة الساحات ووحدة الجبهات من مبرر، بل يصير السؤال ما هي معادلة المقاومة في غزة وفي محور المقاومة لتفعيل مفهوم وحدة الساحات أو مفهوم وحدة الجبهات؟
– خلال معركة ثأر الأحرار التي نشبت إثر اغتيال قادة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، قدمت قوى المقاومة في فلسطين والمنطقة نموذجاً عملياً أيضاً عن كيفية تفعيل وحدة حركتها، وقال هذا النموذج أنه حتى في غزة، طالما أن حركة الجهاد تستطيع وحدها أن تقوم بأعباء المواجهة، تبقى حركة حماس خارج الشراكة العملياتية في الاشتباك، والاكتفاء بالدعم السياسي واللوجستي والمعلوماتي عند الضرورة، لكن عندما تصل الأمور الى حد أن الجهاد وحدها لم تعد كافية للقيام بما يستدعي الاشتباك، فإن حماس لن تتأخر بالدخول، وهذا يعني أن قرار الدخول متخذ، لكن التوقيت مبرمج على إيقاع حاجة الجهاد كجهة مستهدفة، طالما أن بقاء حماس خارج الاشتباك يمنح حماس وحكومتها في غزة هامشاً يتيح التحييد النسبي للقطاعات السكنية والخدمية في غزة. ثم خلال يومين خرج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يعلن أن المقاومة في لبنان تراقب ما يجري وتدعم بكل ما يلزم، وأنه إذا استدعت الضرورة منها أن تقوم بخطوة او بخطوات فهي لن تتردد. وهذا يعني أن قرار المقاومة في لبنان بالتدخل متخذ، لكن التوقيت مبرمج على حدود قدرة غزة مجتمعة على حمل أعباء المواجهة، أي الجهاد وحماس عندما تستنفد الجهاد وحدها القدرة وتدخل حماس، لكن ما هي حكمة هذه المعادلة؟
– عملياً يعرف قادة جيش الاحتلال والقيادة السياسية لكيان الاحتلال، ومن خلفهما الأميركي، أن لقوى المقاومة ومحورها من المصداقية ما يجعل هذه الإعلانات شراكة عملية في أي حرب يخوضها جزء من المقاومة وفرع المحور. وبالتالي يجب وضع هذه التداعيات في حساب العمليات وسقوفها، فإذا لم يكن الاحتلال جاهزاً لحرب شاملة فإن عليه التفكير ملياً قبل التورط بتوسيع نطاق المواجهة، والمسارعة للخروج من الاشتباك قبل أن تتعقد الأمور وتخرج عن السيطرة. وهذا هو مفهوم الردع الذي يحرص عليه محور المقاومة في سياق خطته لبناء القدرات اللازمة للتفوّق الاستراتيجي الذي يتيح المبادرة للمواجهة، وليس فقط الردّ على العدوان، ومن باب الإنصاف فإن ركيزة هذه المعادلة قد صاغها الرئيس بشار الأسد أثناء حرب تموز 2006، عندما أبلغ قيادة المقاومة أن الجيش السوري في حال جهوزية لدخول الحرب وأن القرار اتخذ، لكن توقيت ترجمة القرار يعود لقيادة المقاومة، فما دامت قادرة على تحمل تبعات الحرب والفوز بنتائجها، يبقى الأفضل عدم وضع سقف للحرب تفرضه المعادلات التي سوف تنشأ عن دخول دولة مثل سورية فيها، وأنه إذا كان الخيار بين نصر تصنعه المقاومة وحدها ونصر تصنعه هي وسورية فإن الأولوية لنصرها المنفرد، لأنه أعظم وأكبر ومعادلاته أشدّ أهمية، أما عندما يصير الخيار بين عجز المقاومة عن تحمّل شروط ومقتضيات مواصلة الحرب ودخول سورية على خط الحرب، ولو لصنع تسوية إذا لم يكن النصر ممكناً، فإن لا تردد في تحمل المسؤولية ودخول الحرب.
– عملياً منذ ذلك التاريخ ومحور المقاومة يبني قوته ويراكم مصادرها، استعداداً لمواجهة شاملة مع الكيان، وقد جاءت الحرب على سورية لمنعه من مواصلة هذا البناء، وقد خاض هذه الحرب وانتصر فيها ليواصل المهمة الأصلية، الاستعداد للمواجهة الشاملة مع الكيان، وقد ثبت لديه أن الحرب على سورية كانت لتأخير استعداده لعقد أو أكثر إن فشلت في تدمير سورية وتقطيع أوصال المحور وخلق ظروف مواجهات مع أطرافه فيها احتمالات لإلحاق الهزيمة بهذه الأطراف كل على حدة. وقد نجح المحور بتجاوز هذا الامتحان بنجاح واستعاد عافيته وعاد الى مراكمة أسباب القوة، وحقق في هذا السياق الكثير منذ عام 2017 مع تحرير حلب واسترداد زمام المبادرة في سورية، وأهم ما فعله باعتراف الكيان والأميركي من ورائه، كان ولادة المحور على يد القائد الشهيد قاسم سليماني، وأدخل الصواريخ الدقيقة وسلاح الطائرات المسيّرة الى كل جبهات المحور وساحاته، حتى باتت الدعوة إلى تفادي المخاطرة بالتورط في الحرب الشاملة التي تخرج عن السيطرة مفردة تتكرّر في كل التقييمات الاستراتيجية التي تصدر في تل أبيب وواشنطن.
– معادلة قوى المقاومة والمحور لوحدة الساحات ووحدة الجبهات، هي منح كل ساحة وكل جبهة الفرصة لإنتاج معادلة ردعها الخاصة دون تدخل ساحات أخرى واستطراداً جبهات أخرى، لكن من الممنوع أن تسقط ساحة او جبهة أو تلحق بها هزيمة، وعندما تصل المواجهة في أي ساحة الى لحظة حرجة على الساحات التدخل وتغيير قواعد الاشتباك، ومثلها عندما تصل جبهة معينة الى لحظة حرجة، فإن الجبهات الأخرى يجب أن تكون جاهزة للتدخل تباعاً وحسب المقتضى، لكن ما مضى من تجارب الساحات والجبهات يقول على الأقل، أن جبهة لبنان قد امتلكت معادلة ردعها الخاصة وحدها، وفي فلسطين نجحت غزة في فعل الشيء نفسه، ثم نجحت الجهاد وحدها في غزة في فعل ذلك، والآن كانت فرصة جنين لتفعل ذلك وقد نجحت، وفشل الاحتلال تماماً كما فشل في حرب تموز وفي سيف القدس وفي ثأر الأحرار، وقد بدأ بسحب قواته مرغماً، وهو لم يتوغل في أكثر من ثلث المخيم، وقالت له عملية تل أبيب بأن الآتي أعظم، وإن مفاجآت مقاومة جنين لم تظهر كلها بعد، وإن المضي قدماً في المواجهة سيفتح عليه فرضيات أشد خطراً من الانسحاب، فبدأ يتحدث عن تحقيق الأهداف كما فعل مراراً وتكراراً بعد كل فشل، من حرب تموز إلى سيف القدس إلى ثأر الأحرار.
– معادلة جديدة ترسمها المقاومة، ومن جنين وحدها هذه المرة سوف تفتح الأفق لمرحلة جديدة في الضفة الغربية، وسوف يكون بعدها مخيم جنين أقرب إلى حال غزة قبل إعلان انسحاب الاحتلال منها، وهذه قيمة معادلة الردع التي تفرضها وحدة الساحات ووحدة الجبهات، بصفتها خط دفاع لا خط هجوم، فتنشأ في ظلالها تبعاً معادلات ردع لكل ساحة وكل جبهة، وتتفاقم بفضلها أزمة الكيان أكثر وأكثر.