الوجه الحقيقيّ لـ«المعارضة» السورية
فيصل عبد الساتر
لا شك في أنّ الحوادث المتتالية في سورية بدأت تكشف عن الوجه الحقيقي لما كان يخطط لها مذ بدأت الأزمة، والتدخل «الإسرائيلي» السافر في المرحلة الأخيرة يعبّر بشكل واضح عن المشروع الحقيقي الذي كانت تعدّ له هذه الجماعات المسلحة التي كانت تتستر باسم المطالب الإصلاحية والديمقراطية وضرورة التغيير، ليتكشّف أن المشروع أكبر بكثير من ذلك، من خلال رصدنا ما يحصل الآن في منطقة القنيطرة والمنطقة الجنوبية من سورية، من درعا وصولاً إلى مشارف الجولان المحتلّ، عبر القوس الممتدّ إلى بعض المناطق المحاذية للأراضي اللبنانية المحتلة من العدو «الإسرائيلي».
هذا التطوّر الجيوسياسي الخطير جداً في أبعاد الأزمة السورية حصل بعد الفشل الذريع لما كانت المجموعات المسلحة تحاول الإعداد له وتنفيذه عبر مخطط، وهو الوصول إلى مياه البحر المتوسط وتحديداً إلى مرفأي اللاذقية وطرطوس، ويعبّر عن حلقة من حلقات الحرب المفتوحة على سورية التي ربما بدأت بالفعل في ميناء سيباستوبول في أوكرانيا وصولاً إلى ميناء اللاذقية، ما يعني أنّ الحلقة المترابطة على المستوى الجيوسياسي بين ما يحدث في أوكرانيا وما يحدث في سورية، وبات الأمر أكثر من واضح لدى المراقبين والمتابعين، فهي حرب المياه أو الحرب على المرافئ.
المُراد من وضع اليد على المرافئ في البحر الأسود، خاصة في شبه جزيرة القرم، عبر خلق تداعيات دراماتيكية من قبل حلف الناتو ومعه الدولة الأوكرانية التي تحاول أن تكون رأس حربة ضدّ روسيا والانقضاض على البحر المتوسط، من خلال التواطؤ التركي الذي حرّك فعلاً جميع المجموعات الإرهابية لمحاولة الوصول إلى ميناء اللاذقية، يعني أنّ هذه الحرب كادت تتحوّل إلى حرب السيطرة على المنافذ البحرية من باب المندب إلى مضيق هرمز إلى ميناء سيفاستوبول وصولاً إلى ميناء اللاذقية، لكنها منيت بفشل ذريع بضربة قاضية من الجيش السوري… والتجمع في كسب سيكون مصيره أمّا الموت أو الاستسلام.
باتت «إسرائيل» «الوكيل الشرعي والوحيد» الذي يتحرك بملء إرادته عبر دعم المجموعات المسلحة السورية، بعدما أعدّ العدة المطلوبة على المستوى اللوجستي والبشري وعلى مستوى الأرضية السياسية التي تؤمّن له الدخول عبر تصريحات ما يُسمّى بـ»قيادات المعارضة السورية»، ويمكننا أن نستشهد هنا بما قاله رئيس أركان ما يُسمّى بـ»الجيش الحر» عبد الإله النعيمي، والمعارض كمال اللبواني الذي عبّر أكثر من مرة عن حبه لـ«إسرائيل»، والنقيب الفار من الجيش السوري المدعو شريف الصقوري الذي عكف أيضاً على إطلاق تصريحات تشيد بـ»إسرائيل»، ويمكن أن نسترجع أيضاً بعض التصريحات مثل تصريح بسمة القضماني التي كانت عضواً في مجلس اسطنبول، وهؤلاء جميعاً كانوا يفكرون في مختلف المراحل التي مرّت على سورية بأنّ «إسرائيل» هي الساعد الأساسي لهم.
اليوم أزيلت التحفظات والشكوك كلّها عن علاقة هؤلاء بالعدو «الإسرائيلي»، وبات الشعب السوري على معرفة تامة بذلك، وبما كانوا يطمحون إليه من إقامة اتحاد مع العدو «الإسرائيلي» على المستوى الجيوسياسي، ولاحقاً على المستوى السياسي، وهذا ما بدأت تشي به التطورات الميدانية في الجولان والقنيطرة وصولاً إلى بيت جن والمناطق المحاذية لبلدة شبعا. فهل الهدف أن تتحول شبعا إلى عرسال ثانية عبر تدفق المزيد من السوريين الذين قد يجدون في الأراضي اللبنانية ملاذاً حيوياً يستطيعون التحرّك من خلاله؟
مثل هذا التطور يدخل «إسرائيل» في حرب مكشوفة سواء من الجهة اللبنانية أو من الجهة السورية، فهل المشروع قابل للنجاح في الأيام المقبلة؟ وهل سنشهد تطوّرات أشبه بما شهدناه في القلمون؟ وهل ستقوم القوات السورية بخطوة إنقاذ تلك المنطقة من «الديفرسوار» الخطير الذي هدفه أيضاً التواصل مع الجبهة الأردنية ليتشكل بذلك هلال التفافي لمحاصرة سورية من الجهة الجنوبية الغربية والجنوبية الأردنية؟
سؤال كبير ربما لا نملك إجابة عنه في اللحظة الراهنة، لكننا نحذر بعض المجازفين، سواء الذين ما زالوا يراهنون في الداخل اللبناني على تطورات ما في المشهد السوري وعلى حركة معينة في شبعا، أو بعض المعارضين السوريين الذين كشفوا عن وجوههم الحقيقية وافتضحت مساندة العدو «الإسرائيلي» واحتضانه لهم.
ننتظر وأعيننا شاخصة إلى أوكرانيا، خاصة على وقع المواجهات اليومية في شرق أوكرانيا، هل ستخطو روسيا خطوة عسكرية في اتجاه حسم الوضع المتأزم هناك؟ أم أنّ للأميركيين فرصة أخرى في إيجاد مغامرة أخرى؟ وهنا يطرح سؤال آخر: لِمَ الانسحاب الأميركي المباشر من الموضوع السوري وإيكال الأمر إلى روبنشتاين وتسليم أمور روسيا وأوكرانيا إلى جون كيري؟
هذا السؤال سنجيب عنه في الأيام المقبلة، لكن يسعنا القول على الأقل إنّ أميركا لم تعد قادرة على فعل شيء في سورية، ولذلك تتوجه إلى روسيا، لعلّ وعسى…