نظرة على السباق الرئاسي المحتمل لمرشحي الحزب الجمهوري
استمرّ تفاعل الاتفاق النووي التمهيدي يتصدّر اهتمامات مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام والمراقبين، إضافة إلى إعلان السيناتور راند بول، المثير للجدل، نيته الترشح للانتخابات الرئاسية عن الحزب الجمهوري.
بدأ اصطفاف المرشحين مبكراً في السباق الرئاسي، والمبارزة بينهم في مجال السياسة الخارجية، واضعين نصب أعينهم الاتفاق النووي، دون ان يشذّوا عن موقف الحزب الجمهوري الرسمي المعارض للاتفاق.
سيستعرض قسم التحليل حلبة السباق الرئاسي والمرشحين الجدد عن الحزب الجمهوري، اذ يتصدّر حاكم ولاية ويسكونسن سكوت ووكر المشهد الانتخابي وتميّزه عن باقي منافسيه. أيضاً دخول المرشح عن تيار «حركة صون الحريات»، راند بول، لقي صدىً وتأييداً في معهد كاتو للأبحاث، معتبراً أنّ القاعدة الانتخابية العريضة تجنح إلى تأييد ذلك التيار بعد سلسلة إخفاقات كبيرة تلقتها من التيارات السياسية الرئيسة. يشار أيضاً إلى تنامي اهتمام الشعب الأميركي بانحسار هامش الحريات الشخصية في أعقاب الكشف عن عمليات التجسّس الداخلي الذي تقوم به «وكالة الأمن القومي»، منذ عام 2013، وتقويضها لمبادئ مقدّسة تجسّدت في اعلان «الحق في الحياة غير القابل للتصرّف، والتمتع بالحرية، والسعي وراء السعادة.
المغرب العربي ساحة صراع
سلّط مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأنظار على تجدّد اهتمام القوى الإقليمية في منطقة المغرب العربي، لا سيما الإمارت وقطر وتركيا… بعد عقود من التهميش. واوضح «أنّ تلك الحكومات ترمي إلى إعادة صياغة التحالفات الإقليمية بغية حماية مصالحها المحلية وضمان سيطرتها على مراكز القوة في بلادها». كما أنّ تلك الدول «تلوح بعلاقات شراكة اقتصادية وديبلوماسية وعسكرية لتوسيع مناطق نفوذها، تجسيداً لقناعاتها بأنّ الولايات المتحدة أضحت إما غير مبالية أو مشغولة بتحقيق أهداف أخرى».
مصر
اعتبر معهد كارنيغي أنّ مؤتمر شرم الشيخ للاستثمار الاقتصادي في مصر «لا يُقاس بحجم الاستثمارات الأجنبية الموعودة»، بل في «بلورة القيادة السياسية وفريقها الاقتصادي أولويات السياسة العامة في مصر… وإيجاد حلّ للأوضاع الضاغطة على فرص النمو والتشغيل وتحقيق النمو والقدرة على استيعاب شرائح اكبر من المجتمع المصري». وزعم المعهد انّ «السنوات الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك كانت إيجابية لمعدلات النمو أو التشغيل أو جذب الاستثمارات الاجنبية…» وأوضح أنّ «النموذج الاقتصادي المصري الذي تمّ تصميمه والعمل به مع مطلع الألفية الجديدة بمساعدة البنك الدولى وصندوق النقد والمؤسسات المالية العالمية يعاني من مشكلات هيكلية تمسّ وظيفته الاجتماعية وتؤثر بالسلب على الاستقرار السياسي». واعتبر انّ المخرج يكمن في استعادة الدولة «لدورها في إعادة توزيع الدخل والثروة بما يخدم الأهداف الاقتصادية المتعلقة بزيادة الإنتاجية والناتج… وتسوية ملف الضرائب الذى يمسّ القدرة المالية للدولة على توفير الخدمات العامة ذات العائد الاقتصادي والاجتماعي كالرعاية الصحية والتعليم والتدريب.
ليبيا
أعادت مؤسسة هاريتاج تقييمها «للتدخل العسكري الأميركي في ليبيا… الذي أسفر عن تفكّكها الى سلسلة من الصراعات الإقليمية»، لا سيما أنّ الإطاحة بالعقيد القذافي أدّت «الى انتشار ترسانة الأسلحة الليبية في كافة أنحاء شمال أفريقيا وزعزع استقرار منطقة الساحل الكبرى». وحملت إدارة الرئيس أوباما مسؤولية إقلاعها عن تحمّل مسؤولياتها «وفشلها في تطبيق استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار اليوم الذي يلي التحرير… مما أسفر عن تحويل ليبيا إلى ملاذ للإرهابيين». بل أدّت سياسة البيت الأبيض الى «تراجع النفوذ الأميركي، وتعريض المصالح الأمنية للولايات المتحدة الى مخاطر أكبر… وينبغي عليها استيعاب الدرس لأهمية توفر خطة واضحة المعالم ليس في مستوى الانتصار في الحرب، بل لكيفية الظفر بالسلام أيضاً.
تونس
أعرب معهد كارنيغي عن خشيته من التجربة الديمقراطية الهشة بعد الانتخابات الأخيرة، مناشداً «القيادة التونسية التحرّك المتوازن بين البعد الأمني ومأزق الحفاظ على الحريات… إذ شكل الهجوم على متحف باردو ضربة قاسية لدولة تعتمد بشكل كبير على النشاط السياحي». وحذر من انّ التلكؤ في إصلاح قطاع القوى الأمنية «يشكل عقبة أمام بسط الديمقراطية والتنمية المستدامة». وحث المعهد الولايات المتحدة على دعم الحكومة التونسية «في تصدّيها للإرهاب، والتيقّن من انّ قادة البلاد لن يضحّوا بالحريات المدنية خلال سعيهم لبسط الأمن.
إيران
اعتبر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية انّ الاتفاق النووي التمهيدي حقق نتائج ملموسة في الشق التقني، معرباً عن اعتقاده بأنّ «قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم قد تقلّصت وانحصرت على منشأة نطنز… وموافقته على تطبيق أحدث أجهزة الرصد المتوفرة كما تنصّ عليه الاتفاقية الدولية للحدّ من الاسلحة النووية». مشيراً إلى أنّ «الإنجاز الأوضح يكمن في تقليص المخاطر الناجمة عن جهود إيران المتعلقة باستخدام البلوتونيوم… وتعهّدها بعدم إعادة استخدام أو إنشاء مفاعلات جديدة للمياه الثقيلة على امتداد 15 عاماً». وذكر المركز المتشككين في الجانب الأميركي بأنّ تلك الفترة الزمنية «تخفض بشكل ملحوظ فرص قيام إيران بالالتفاف على نصوص المعاهدة الدولية والخاصة بالمضيّ في طريق تخصيب اليورانيوم لإنتاج قنبلة نووية».
تركيا
رحب معهد واشنطن بمبادرة الرئيس الأميركي لإجرائه مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي، 27 آذار، كدليل على «تحسّن العلاقات الأميركية التركية… على الرغم من الخلافات السياسية بينهما». وأضاف «انّ المكالمة أشاعت ارتياحاً لا سيما لتوقيتها عقب موافقة تركيا مضاعفة جهود تعاونها ضدّ داعش… خاصة في مجال تبادل المعلومات الاستخبارية، وللأنباء التي تفيد بمراجعة أنقرة سياساتها «وتقبّلها لامكانية إغلاق حدودها مع المعبرين البريّين مع سورية». واستطرد بالقول إنه على ضوء توفر مؤشرات ملموسة من تركيا «للحدّ من نفوذ داعش… فإنّ البيت الأبيض يراهن على استمرار التعاون الاستخباري مع تركيا في ما يخصّ تقاطر المقاتلين الأجانب».
حسم التيار الأشدّ تطرفا في الحزب الجمهوري خياراته وأعلن اثنين من رموزه ترشحهم عن قائمة الحزب الجمهوري، تيد كروز وماركو روبيو، وكلاهما من أصول كوبية الأول أعلن رسمياً والثاني من المقرّر أن يعلن ترشحه مطلع الأسبوع المقبل. أيضا انضمّ السيناتور راند بول إلى السباق، والذي يصنّف كأحد المشاكسين في قيادات الحزب المتطرفة. آخرون سيعلنون تباعاً عن ترشحهم رسمياً للانتخابات الرئاسية.
في طرف الحزب الديمقراطي، لا تزال وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، تتصدّر قائمة المرشحين بفارق كبير. من بين الذين أعربوا عن نيتهم دخول السباق حاكم ولاية ماريلاند السابق، مارتن اومالي، الذي يتمتع بدعم القاعدة الانتخابية لنظافة يده، ويتحيّن الفرص لتراجع كلينتون استناداً إلى مؤشرات هجوم الخصوم القاسي عليها لإزاحتها من السباق.
سيتمّ تسليط الضوء في هذه المرحلة على مرشحي الحزب الجمهوري على ان نتناول مرشحي الحزب الديمقراطي بتغطية منفصلة تباعاً.
عدد المرشحين المحتملين عن الحزب الجمهوري وصل تعداده الى 10 مرشحين، بينهم امرأة واحدة وآخر من أصول هندية آسيوية .
تصدّر جيب بوش، نجل الرئيس الأسبق جورج بوش الأب، القائمة وكان أول من أعلن عن ترشحه رسمياً مستنداً الى حائط دعم قوي، سياسياً ومالياً، مصدره نفوذ آل بوش لدى شركات النفط الكبرى وكبار شركات واستثمارات القطاع المصرفي. أيضاً، لديه سجل شخصي معتبر أثناء توليه منصب حاكم ولاية فلوريدا لولايتين متتاليتين. تردّد اسمه في الانتخابات الرئاسية لعام 2000 كمرشح مفضل قويّ عن الحزب، واستبقه شقيقه الأكبر، جورج بوش، ليقطع الطريق عليه لكن إلى حين.
سياسات المرشح جيب بوش لا تلقى إجماعاً بين التيار الأشدّ محافظة وتطرفاً في الحزب الجمهوري، خاصة في ما يتعلق برؤيته لمسائل شائكة، أبرزها تلك المتعلقة برفض الحزب استيعاب المهاجرين «غير القانونيين» ودمجهم في المجتمع. ايضاً يعاني بوش من رفض المجتمع الأميركي بشكل عام مسألة «السلالات الحاكمة»، وقاعدة الحزب الجمهوري جزء من هذا التوجه. ما يضاعف من معدّلات توجّس القاعدة الانتخابية أن يسفر السباق الرئاسي عن منافسة نهائية بين جيب بوش وهيلاري كلينتون، الأمر الذي سيضع بوش في مرتبة أدنى من خصمه.
في مجال السياسة الخارجية، يفتقر جيب بوش إلى الخبرة والحنكة المطلوبتين، ويميل الى تأييد سياسات شقيقه الكارثية، في نظر الجزء الأكبر من القاعدة الانتخابية. واتساقاً مع كافة المرشحين، يميل بوش الى تأييد اتخاذ إجراءات عسكرية اكثر صرامة ضدّ داعش، مستدركاً انّ ذلك «لا يعني بالضرورة إرسال قوات أميركية برية». في ما يتعلق بالاتفاق التمهيدي مع إيران، لم يبتعد جيب بوش عن زملائه في الحزب بمهاجمة «اتفاق الإطار»، واعتباره يشكل «تهديدا خطيراً لأمن إسرائيل».
بيد انه مدّ غصن الزيتون إلى الإدارة الأميركية في ظلّ تنامي موجة تأييد المفاوضات قائلاً: «يُحسب للرئيس أوباما نجاحه في استقطاب أطراف أخرى إلى جانبه وتشديده القيود المفروضة على إيران». موضحاً أنه «ليس من أنصار أوباما، لكن عندما يقدم على فعل إيجابي ينبغي علينا الإقرار بذلك».
المرشح الثاني هو حاكم ولاية ويسكونسن، سكوت ووكر والذي سطع نجمه بين القاعدة المحافظة عقب فوزه بالتصدّي للنقابات العمالية في ولايته والظفر بالانتخابات لولاية ثالثة. تعثر ووكر مراراً في مواقفه السياسية والتي تهمّ تيار المحافظين في الحزب الجمهوري، وذهب بعيداً في استرضائه حتى انه عقد مقارنة بين داعش وبين موجات المتظاهرين في ولايته ويسكونسن واصطفّ الى جانب شركات النفط بقوة، وأقدم على فصل أحد موظفيه لشكوى قدمها يتحفّظ فيها على مصادر تسييل وقود الاثينول، لا سيما ولاية ايوا، الغنية بمنتج الذرة المستخدمة في التسييل.
اشتهر سكوت ووكر بتأرجح مواقفه حول مسألة مركزية لقاعدة الحزب الجمهوري، المناهضة لمنح المهاجرين «غير الشرعيين» بطاقة جواز للإقامة الشرعية. واتخذ موقفاً يؤيد فيه بلورة خطة لاستيعابهم وإدماجهم تدريجياً في المجتمع، وسرعان ما انقلب على موقفه السابق طمعاً في نيل دعم التيار المحافظ في الحزب.
من الخطأ استبعاد ووكر من المشهد السياسي برمّته، اذ ينتظره مستقبل سياسي مؤثر، يعتبره البعض أحد القلائل الذين باستطاعتهم تجسير الهوة القائمة بين تياري الحزب الجمهوري فضلاً عن بلورته بنجاح لآلية حديثة لجمع التبرّعات تفوّق فيها على أقرانه الآخرين. خبرته كحاكم ولاية «ناجح» تعزز من حظوظه ليتبوأ مهام رئاسية بخلاف المنافسين الآخرين أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب. تجدر الإشارة الى انه يتصدّر ولاية تعتبر موالية بغالبيتها للحزب الديمقراطي، وبإمكانه تسخير موقعه المحوري لجذب تيار الأغلبية إلى جانبه.
في مجال السياسة الخارجية يفتقر ووكر إلى التجربة، مما حفزه لتبني مواقف متطرفة في هذا المجال وانجراره غير المحسوب إلى مغامرة معسكر الحرب بين قيادات حزبه، إذ نقل عنه حماسته «واستعداده لانخراط قوات برية في سورية لمقاتلة داعش» ولم يسجل له أو عليه موقف محدّد بشأن المفاوضات النووية مع إيران. وفي مسألة الحقوق المدنية وسلطة الدولة الفيدرالية في التجسّس ومراقبة مواطنيها، أحجم ووكر عن إعلان موقف محدّد مكتفياً بالقول: «بكل أمانة لا أدري إنْ كان في إمكانكم تصنيفي في أيّ من المعسكرين».
اتساقاً مع صقور الحرب في حزبه، أعلن ووكر أنه في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية سيقدم على وقف العمل بالاتفاق النووي مع إيران في اليوم الأول لرئاسته.
مرشح آخر مثير للجدل هو حاكم ولاية نيو جيرسي، كريس كريستي، الذي تبوّأ مركز الصدارة بين المرشحين في بداية الأمر، قبل ان تلاحقه فضائح الفساد والرشوة. وتخلّف كريستي عن استغلال بروز شعبيته في انتخابات عام 2012، مما وفر ذخيرة لهجوم خصومه عليه. نال كريستي تأييد القاعدة الانتخابية لتشبّثه بعقيدة المحافظين، ويسعى جاهداً إلى الخروج من تلك العباءة المتحجّرة ليخاطب قاعدة انتخابية أوسع. بيد انّ تقلّبه، كمعظم السياسيين الرسميين، حاصره لا سيما في مناهضته لاقتناء السلاح الفردي، الأمر الذي تدعمه الاغلبية الساحقة من قاعدة الحزب الجمهوري.
تصدّر السيناتور المتشدّد تيد كروز، والمنتمي إلى أقلية من ذوي الأصول الكوبية، مشهد الترشح للانتخابات الرئاسية، ليقينه انّ سجله المتطرّف داخل أروقة مجلس النواب وتصريحاته المتشدّدة المثيرة للجدل ستسعفه حتماً، بل استطاع جمع نحو 30 مليون دولار تبرعات لحملته الانتخابية في غضون أسبوعين من إعلانه الرسمي. يزهو كروز بأنه لا ينتمي إلى تيار «المؤسسة الحالكمة» في الحزب الجمهوري، واصطفّت إلى جانبه شخصيات معروفة بهامشيتها وتطرّفها مثل المرشحة لمنصب نائب الرئيس سابقاً سارة بيلين. من غير المرجح ان يشذّ كروز عن قناعاته المتطرفة في حملته الانتخابية.
يمتلك كروز خلفية قانونية وشغل منصب نائب المدّعي العام في وزارة العدل الأميركية، الى جانب مناصب أخرى، إبان عهد الرئيس جورج بوش الابن. يعوّل كروز وأمثاله على استقطاب الجالية اللاتينية التي يفتقدها الحزب الجمهوري، ونال تأييد عدد لا بأس به من أعضائها في ولاية تكساس.
ينبغي عدم الاستهانة بقدرات كروز الفكرية، وهو خريج كلية الحقوق في جامعة هارفارد العريقة، ونال مرتبة الشرف منها. وصف أستاذ القانون في جامعة هارفارد، آلان ديرشوويتز، كروز بانه «عبقري خارج القيد».
مواقف كروز السياسية يسيرة التنبّؤ بها… فهو يعارض التدخل الخارجي بغرض بناء هياكل الدولة التي وصفها بمغامرات «مثالية لتحقيق الديمقراطية عبر العالم»، يؤيد بشدّة ملاحقة القوات المسلحة «للفتك باعدائنا»، وطالب باتخاذ إجراءات أشدّ قسوة في محاربة «داعش»، واستدراكه لعدم تأييد إرسال قوات برية اميركية عارض التدخل العسكري الأميركي في سورية، وتخلف عن تأييد العدوان الغربي على ليبيا. أما في الشق الفلسطيني فيحسب كروز على أشدّ مناصري «إسرائيل» في الكونغرس وكان أحد الروّاد لاستصدار قرار ينزل عقوبات اضافية بإيران مطالباً الرئيس المقبل بالتخلي عن ايّ اتفاق يتمّ التوقيع عليه في الملف النووي.
لم يتزحزح كروز قيد أنملة عن معارضته للاتفاق النووي، وحذر صنّاع القرار بقوله: «كفى… الصفقة التي تعقدها إدارة الرئيس أوباما هي سيئة وتزداد سوءاً. مراكمة إيران لبرنامجها النووي يهدّد بشدّة أمن الولايات المتحدة وحلفائها».
في موازاة المرشح كروز، تقدّم السيناتور ماركو روبيو، وهو أيضاً من ذوي الأصول الكوبية، إلى الترشح ويعتبره البعض أفضل حظاً من كروز نظراً إلى قربه من مركز صنع القرار في مؤسسة الكونغرس تحت سيطرة الحزب الجمهوري. تعثر روبيو مبكراً في موقفه السابق المؤيد لاستقطاب ودمج المهاجرين «غير الشرعيين»، مما قد يترك تداعيات على مستقبله السياسي، لا سيما في التيار الرئيس للحزب الجمهوري.
على الرغم من انّ الحكم على حظوظ ايّ مرشح سابق لأوانه، إلا أنّ روبيو لم يحقق نسبة تفوق 5 من التأييد في الجولة الأولى. من أقوى ميزات روبيو القادم من الأروقة الأكاديمية انه ملم بالسياسة الخارجية وفاز بعضوية لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ويعدّ من ذوي الخبرة في مسائل تخصّ الشرق الاوسط وروسيا وكوبا. موطن ضعفه الأبرز يكمن في تواضع تجربته، إذ انه دخل مجلس الشيوخ لاول مرة في انتخابات عام 2010 بيد انّ السيناتور أوباما عانى من ذات الداء آنذاك وفاز بالمنصب الرئاسي.
من المقرّر أن يعلن روبيو ترشيح نفسه رسمياً مطلع الاسبوع المقبل، وركيزته انه يعدّ من صقور الحزب الجمهوري المميّزين بين أقرانه الآخرين. هو جاهز لدعم ايّ تدخل عسكري، من ليبيا الى سورية والعراق، ومن أنصار «تسليح وتدريب المعارضين السوريين». في ما يتعلق بالمفاوضات النووية، انتقد روبيو سياسة الرئيس أوباما «الفاشلة ديبلوماسياً» للحدّ من البرنامج النووي الإيراني.
مايك هاكابي، مرشح يعود للمرة الثانية، المرة الأولى عام 2008، مستنداً الى تجربته كحاكم سابق لولاية اركنساس، دائم الحضور على البرامج الدينية، يحظى بتأييد لا بأس به نظراً «لدماثته واستقامته»، ولتطرفه في تأييد القضايا الاجتماعية الهامة للمحافظين في الحزب الجمهوري والتي كلفته خسارته الترشح السابق أمام خصمه جون ماكين.
برز كأحد أهم منتقدي سياسة الرئيس أوباما التفاوضية مع إيران، وكذلك انتقاده لوزير الخارجية جون كيري، لاعتقاده انّ إيران «وبشكل يومي مستمرّ تقوّض أمن حلفائنا وتهدّد مصالحنا الحيوية وترتكب جرائم قتل ضدّ المدنيين الابرياء عبر العالم».
انضمّ السيناتور راند بول الى جوقة المرشحين قبل أيام معدودة، وكان البعض يحتار في تصنيفه السياسي، خاصة أنه يمثل تيار «أنصار الحريات» في الحزب الجمهوري، بعد تسلّمه راية التيار من أبيه، ويتخذ مواقف تصطدم أحيانا مع المؤسسة الحزبية. قاعدة تأييده واضحة وانْ لم تكن عريضة في أوساط الحزب الجمهوري.
أحد مبادئ التيار هو معارضة التدخل الخارجي ومناهضة ميزانيات «الدعم الأجنبي» والحرص على «تأييد إسرائيل ودعمها». حظي بول بعضوية لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، 4 كانون الثاني 2013، وفي الثامن من ذات الشهر شدّ رحاله لزيارة «اسرائيل» والظهور أمام حائط المبكى.
يتهم بول وتياره بسياسة «الانعزال» عن العالم وفي ما يتعلق بالمفاوضات النووية، أعرب المرشح بول عن شكوكه في الاتفاق المزمع إبرامه، بيد انه رفض معارضته واتهم أقرانه في الحزب الجمهوري بانهم «يدقون طبول الحرب» في التهويل من الخطر الإيراني. بول لا يعارض التدخل العسكري الأميركي من ناحية المبدأ، ويرفض الانجرار الى قرار الحرب «انْ لم تتوفر خطة لتحقيق النصر… ينبغي على أميركا شنّ حرب أينما استحقت العواقب عن قصد أو دونه التضحية بشنّها».
اكد بول في خطابه السياسي انّ «سياسة الحرب على الإرهاب لم تنقض بعد»، معلناً تأييده تخصيص مبلغ 160 مليار دولار إضافي لميزانية الدفاع التي لم تطلبها البنتاغون.
يلقى بول تأييداً بين صفوف الشباب من ذوي الخبرة السياسية المحدودة، وترحيباً في صفوف بعض الأقليات التي برع في انتقاد السياسات الإقصائية الرسمية ضدّها. مأزقه يتمحور حول خلو قاعدة الحزب الجمهوري من حضور معتبر للفئتين المشار اليهما. بيد انّ تلك الخاصية قد تحيله الى المرتبة الأولى لاختيار مرشح نائب الرئيس لاحقاً.
تجمع معظم آراء المراقبين والمحللين السياسيين على ضعف حظوظ بول الفوز بترشيح حزبه، لا سيما لخبرته المتواضعة في مجال السياسة الخارجية التي يعوّل عليها الحزب أهمية عالية.
الامرأة الوحيدة التي أعلنت عن نيتها دخول السباق الرئاسي، كارلي فيورينا، المدير السابق لشركة هيوليت باكارد العملاقة، ويشهد لها بمواهبها وانضباطها وثروتها الخاصة. المؤشرات المتوفرة لا تدلّ على استمرارها في السباق الرئاسي طويلاً، لكنها قد تصبح أحد اكفأ المرشحين لمنصب نائب الرئيس، ومواجهة هيلاري كلينتون بفعالية وحسن السيرة.
اتساقاً مع موقف مصالح الشركات الكبرى التي يمثلها الحزب الجحمهوري، أعربت فيورينا عن تحفظها على الاتفاق النووي كونه «يهدّد أمن الولايات المتحدة»، كما قالت، واتهمت إيران بأنّ لديها خطة طويلة الأمد، وبمعرفة المسؤولين الأميركيين، لإنتاج سلاح نووي وزعزعة استقرار المنطقة. وذكرت أنصارها بأن الرئيس الإيراني حسن روحاني لم يسبق له أن وافق بالكامل على منح مفتشي الأمم المتحدة صلاحية تدقيق غير مقيّدة لمنشآت إيران النووية.
انضمّ أيضاً للسباق الرئاسي الطبيب الجراح بن كارسون، حديث العهد بالسياسة، وما لبث ان ارتكب عدداً من زلات اللسان تتعلق بقضايا «بديهية»، لا سيما في نشوء الدعوة الإسلامية وعدم معرفته بعضوية دول بحر البلطيق في حلف «الناتو»، مثلبه الأساسي بالنسبة للحزب الجمهوري انه لا يؤيد سياسة اقتناء السلاح الفردي، التي تعتبر بديهية بالنسبة إلى الحزب. وعليه، من غير المتوقع ان يبقى كارسون طويلاً في السباق الانتخابي.
في مستهلّ تصريحاته حول السياسة الخارجية، مال كارسون إلى تأييد موقف صقور الحزب، خاصة لعدم معارضته إرسال قوات اميركية لمحاربة «داعش» فضلاً عن تهديد إيران باستخدام القوة العسكرية «لإزالتها عن الكرة الارضية انْ توصلت إلى إنتاج سلاح نووي».
حاكم ولاية لويزيانا، بوبي جندال، ذو أصول من شبه القارة الهندية، أعرب عن نيته دخول السباق الانتخابي مستنداً الى «إرثه» في تطوير ميزانية ولايته، لا سيما أنّ كلّ مرشح طامع في المنصب يرى انّ عليه لزاماً لتمييز سجله وخبرته عن الآخرين، لا سيما في حال تحقيق بعض الإنجازات. الأمر الذي سيعزز مكانة جيندال في حال اتخذ قرار الترشح، والمشهود له بمواقفه السياسية المحافظة. جيندال ايضاً سينضمّ لاحقاً إلى قائمة المرشحين لمنصب نائب الرئيس أسوة بتجربة عام 2008 حين تردّد اسمه لذلك المنصب.
جيندال كان من أشدّ المؤيدين لخطاب بعض أعضاء الكونغرس الموجه إلى القيادة الإيرانية مؤكداً دعمه لجهود «توضيح المسألة لإيران بأنها تخوض جولة مفاوضات مع رئيس نجمه في افول»، بطة عرجاء لن يحترمها الرئيس المقبل على فرضية انّ مرشح الحزب الجمهوري هو الفائز.
حاكم ولاية تكساس لنحو 14 عاماً، ريك بيري، أعرب عن نيته الترشح رغم هزالة أدائه في انتخابات عام 2012 الرئاسية. وعمل بقوة على تطبيق نصائح معاونيه بإعادة إنتاج نفسه كشخصية «محببة، تراعي مشاعر الآخرين، تتخذ مواقف معتدلة لتنفيذ ما يبنغي القيام به». من سوء حظ بيري انّ النصيحة عينها تبناها جيب بوش في سعيه هو الآخر لإعادة إنتاج نفسه كمرشح قابل للفوز.
يواجه بيري عقبات قانونية أمام مدعي عام الولاية المنتمي للحزب الديمقراطي، والذي يقاضي بيري لإساءة استخدامه صلاحيات النقض الفيتو. بصرف النظر عن فصل القضاء في تلك المسألة، ستشكل عقبة أمامه في نظر القاعدة الانتخابية.
بيري أيضاً لم يخرج عن خطاب حزبه الجمهوري في معارضة سياسة الرئيس أوباما واتهامه بتقديم تنازلات كبيرة لإيران طمعاً منه في التوصل لتوقيع اتفاق معها. ونقل عنه قوله انّ «الأميركيين وحلفاءنا محقون في حذرهم من الاتفاق النووي مع إيران المليء بثغرات التنازلات التي قدّمتها ادارة الرئيس اوباما». كما يُعدّ بيري من مؤيدي تدريب وتسليح المعارضة السورية «باسلحة فتاكة».
آفاق المستقبل
السباق لا يزال في بداياته، ومن المرجح دخول مرشحين آخرين على الخط. اما إنْ انعقد مؤتمر الحزب الجمهوري في الظروف السائدة سيفوز سكوت ووكر بترشيح حزبه لمنصب الرئاسة الأميركية.
في ما يخص جيب بوش، وبالرغم من سيطرة عائلته ونفوذها الواسع، الا انه لا يزال يقارع تداعيات الشهرة العائلية الى جانب الدفاع عن مواقف سابقة له لم تلقَ استحساناً في اوساط القاعدة الانتخابية. بل تتزايد الأصوات المناهضة لإعطاء آل بوش فرصة ثالثة في البيت الأبيض.
تيد كروز هو المرشح المفضل والأقوى لتيار حزب الشاي، شديد التطرف، وسيستغلّ منافسوه تواضع خبرته السياسية في الكونغرس للنيل منه. بيد انّ كروز يمتلك قدرة بلاغية وحوارية كبيرة الى جانب ذكائه العالي وفطنته السياسية، وسيمارسها إلى أقصى الحدود في المساجلات الانتخابية ضدّ منافسيه.
في حال قرر جيب بوش لاحقاً الانسحاب من السباق الرئاسي، وهي فرضية غير مستبعدة، سيستفيد تيد كروز أكبر استفادة من الانسحاب، لا سيما في الحملات المالية. يشار إلى انّ كروز كان احد اعضاء طاقم الاستشارة القانونية لجورج بوش الابن، عام 2000، امتلك خبرة بلورة الاستراتيجية الانتخابية والمرافعة القضائية أمام المحكمة العليا في قضية البت في إعادة حساب الأصوات بين المرشحين جورج بوش الابن وآل غور في ولاية فلوريدا. لتيد كروز الفضل في ترشيح جون روبرتس لرئاسة المحكمة العليا.
المرشح بول راند سيبقى على عهده وسمعته بالمشاكسة، ويستمرّ في السباق الرئاسي الى نهايته، على الرغم من إدراكه تواضع حظوظه بالفوز.
المرشح الأقوى في المحصلة الحالية يبقى سكوت ووكر، حاكم ولاية ويسكونسن، الا انّه ارتكب زلات سياسية قاتلة. ووكر مشهود له بالصلابة والثبات أمام الصعاب، ويحظى باحترام كلا التيارين في الحزب، المحافظ والمعتدل وفق تصنيفات الحزب الجمهوري . بقائه في السباق الرئاسي سيعزز من استمالة ولايته بأغلبيتها لصالح الحزب الجمهوري.
أعضاء مجلس الشيوخ المنتهية ولايتهم
من أبرز الخارجين من السلك التشريعي زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، هاري ريد، الذي أعلن عدم رغبته في تجديد ترشيحه عن تمثيل ولاية نيفادا نظراُ لاعتبارات صحية، كما أفاد. إلا أنّ التدقيق في السجل الانتخابي يشير الى عاملين آخرين شكلا عامل الحسم لدى ريد: الأول، إحساس ريد بصعوبة استرداد الحزب الديمقراطي أغلبية التمثيل في مجلس الشيوخ والثاني عدم استبعاده هزيمته أمام مرشح عن الحزب الجمهوري تمثيل ولايته في المجلس.
في المقابل، جون ماكين أعلن عن نيته الترشح لمقعد تمثيل ولايته اريزونا في مجلس الشيوخ، على الرغم من تجذر رفض قاعدة الحزب الانتخابية في ولايته، وترقب عدد من أعضاء الحزب الترشح لذات المنصب وتحدّي جون ماكين، برز اثنان منهم أعضاء في مجلس النواب حالياً.
يشار الى انّ عدد من قادة الحزب الجمهوري، لا سيما أصحاب التمويل، أبلغ جون ماكين رغبته بسحب ترشيحه وتذكيره بانفراط عقد التأييد له في صفوف القاعدة الانتخابية. بل انّ بعض أنصاره القدامى أفصح عن نيته بعدم تأييد ترشيح ماكين.
أوضح أعضاء في اللجنة المركزية للحزب الجمهوري لولاية اريزونا عن ضآلة التأييد في دوائرهم الانتخابية لماكين. بعض الذين غادروا مركب ماكين كانوا على صلة وثيقة به ومنحوه تأييدهم لمدة زمنية طويلة، منهم مندوبون عن الولاية لدى المؤتمر السنوي للحزب عام 2008.
بعض من تبقى من أصدقاء مخلصين لماكين وصفوا السيناتور بأنه أضحى غير مبالٍ بالانتقاد، ومن غير المرجح إنصاته إلى نصائح مستشاريه وأعوانه الذين يحثونه على التقاعد من العمل السياسي مع انتهاء الدورة الحالية العام المقبل.
وعليه، ليس مستبعداً ان تلحق بماكين هزيمة قاسية داخل حزبه الجمهوري إنْ استمرّ في مقارعة رياح التغيير.