نقاش ساخن في الكلام البارد للسفيرة الفرنسية
ناصر قنديل
– للذين لم يتح لهم الاطلاع على ما قالته السفيرة الفرنسية آن غريو في احتفال قصر الصنوبر في ذكرى انتصار الثورة الفرنسية، نستعيد أبرز ما فيه، حيث قالت للبنانيين، أين كنتم اليوم لو أنّ فرنسا لم تحتضن، مع شركائها، قواكم الأمنية؟ لو أنّ قوات اليونيفيل، التي تضمّ 700 عسكري فرنسي لم تكن تؤمّن الاستقرار في جنوب لبنان؟ وأين كنتم اليوم لو أنّ فرنسا لم تحشد جهود المجتمع الدولي ثلاث مرّات متتالية لتجنّبكم انهياراً عنيفاً تحت وطأة الإفلاس المالي وتدهور الليرة والانفجار في مرفأ بيروت؟ وأين كنتم اليوم لو أنّ فرنسا لمّ تهبّ على وجه السرعة لدعم مدارسكم كَي لا تغلق أبوابها، لا سيمّا المدارس الخاصّة، والمسيحيّة منها بشكل خاص، التي تستقبل حوالي ثلثي التلاميذ اللبنانيين؟ أين كنتم اليوم لو لم تساهم فرنسا في تمويل عمل المستوصفات والمستشفيات وبرامج الأمن الغذائي كي يستمرّ اللبنانيّون الذين يعانون من الأزمة بالحصول على رعاية صحّيّة ذات جودة وتغذية صحيحة؟ أين كنتم اليوم لو أنّ الشركات الفرنسية قلّصت أعمالها وتخلّت عن فِرَق العمل المحليّة فيها؟ لو أنّ بعض الشركات الفرنسية العالمية لم تراهن على لبنان لكي يكون لكم على الأقلّ مرفأ يستأنف نشاطه وإمكانيّة الحصول يوماً على موارد غازيةّ؟
– اللبناني الذي لا تشعره هذه الكلمات بالإهانة عليه أن يعيد تفحص وطنيته، وأن يتساءل عن معنى الهوية الوطنية بين مفرداته، فلو كان ما تزعمه السفيرة الفرنسية من إنجازات فرنسيّة أبقت لبنان واللبنانيين على قيد الحياة، لكان الكلام مهيناً ومذلاً، تقول الشعوب التي يقال لها، خذوا عطاءاتكم وارحلوا، فإن الكرامة الوطنية أغلى.
– أما إذا عدنا للمزاعم التي تضمنتها كلمة السفيرة غريو، فإن الوقائع تقول، إنه بفضل رعايتكم للسياسات المالية ومع كل حكومات الغرب والمؤسسات المالية الدولية، طوال ثلاثين عاماً، لما وقع علينا الانهيار، فقد قدّمتم الديون وأنتم تعلمون أنها تسترهن بلدنا، وتضعه تحت عبء لا يحتمله اقتصاده، وتدركون أن فائدة الديون تستهلك كل قدرة على الصمود والاستمرار، وبقيتم تقدمون الديون وخطط الاستدانة لمؤسسات تعلمون أنها لا تنفقه وفق خطط جدوى اقتصادية ومالية، ولا تملك قدرة وقابلية سداده، حتى وقع الانهيار على رؤوسنا.
– ثم تعالوا ننظر في مفردات الكلام، اليونيفيل لحفظ أمن الكيان والاستقرار في جبهة الجنوب لمصالح دولية عليا لا تنسجم مع خطر اشتعال حرب، بمقدار ما هي مصلحة لبنانية. أما احتضان مؤسساتنا الأمنية فإن حجم المساهمات التي تقدّمونها أنتم وشركاؤكم، هي أقل بكثير ما يتوجب عليكم لقاء ما تضمنه من منع الهجرة والنزوح للاجئين والنازحين نحو بلادكم أنتم وشركاؤكم، أما حفظها لأمن لبنان واللبنانيين فهو من نسيج وطنيتها والتزامها بمصلحة بدلها وشعبها، والشعب اللبناني هو الذي يحتضنها ولولاه لما كان هناك أمن ومؤسسات أمنية.
– أما عن انفجار مرفأ بيروت، فيسألكم اللبنانيون عن هوية من جاء بالنترات وأين استخدمت، وكيف تم تهريبها الى سورية، وكيف استفادت منها الجماعات الإرهابية التي قدّمتم لها الرعاية عبر ما اعترفت به تقاريركم عن معمل “لافارج” واستخدام التمويل لصالح الجماعات الإرهابية، وماذا عن ما أصبتم آذاننا به من الصمم بالتحدث عن دور اليونيفيل في البحر، غداة صدور القرار 1701، وفي قرار التكليف منع دخول النيترات الى مرفأ بيروت باعتبارها مواد شديدة الخطورة، فكيف عبرت ولم يتم إيقافها، وماذا كان موقفكم وما هو اليوم حتى تملكون جرأة الحديث عن انفجار مرفأ بيروت والغموض في هوية من جاء بالنترات وكيفية عبورها الى المرفأ تحت عيون اليونيفيل.
– الانهيار المالي يحتاج أن تفيدونا ما فعلتم أنتم وما أسميتموه بالمجتمع الدولي لمنع الإفلاس المالي، الذي كان معكم يطبل ويزمر لعبقرية حاكم مصرف لبنان الذي لم يتبقّ وسام ودرع الا منحتموه له، وليس لكم كحكومة الفضل اليوم في ملاحقته من القضاء الفرنسي وأكثر من قضاء أوروبي، بل لعل هذه الملاحقات إدانة لتبني حكوماتكم لسياساته التي خربت الاقتصاد وأدّت بنا إلى حافة الهاوية، إن لم يكن إليها، والنية معلومة هي ابتزاز وطنيتنا في إطار حلم استعادة زمن الوصاية والانتداب، بعدما خسرتم كل مستعمراتكم، وبات لبنان آخر الأحلام.
– في البرامج الصحيّة والغذائية والتعليمية، نترك لثلثي اللبنانيين الذين قلتم إنهم يستفيدون من تقديماتكم التي منعت خط الفقر من اجتياحهم.
– أما عن الشركات الفرنسية، فنحن نسأل، أليست مصالح هذه الشركات هي الأولوية التي تحرّك سياستكم، وقد صار لبنان ملاذاً أخيراً للحفاظ على أدوار بارزة لها، من مرفأ بيروت الى دور شركة توتال في قطاع النفط والغاز، وإن أردنا التحدث بلغة المصالح، فالحد الأدنى أن أحداً لا يمنّن أحداً في تقاطع المصالح، علماً ان لبنان قد يجد الكثير غير الشركات الفرنسية، ويصعب ان تجد فرنسا بديلاً متوفراً عن لبنان.
– سعادة السفيرة، أو حضرة المفوض السامي، دققتم الباب فاستحققتم الجواب.