لا انتخابات قبل 25 أيار… والشغور آتٍ

هتاف دهام

النصاب الثالث لم يتأمّن. المشهد سيتكرّر أسبوعياً، إلى حين التوافق على الوفاقيّ المنتظر. المرحلة طويلة ولا توحي المؤشرات إنجازاً قريباً للاستحقاق الرئاسي.

ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الورقة المحروقة داخل 14 آذار، مستمرّ لتغطية مرحلة الانتظار في موقفها، وإلى أن تنضج الطبخة الرئاسية إقليمياً ومحلياً. ذلك كله يوفر الذريعة لفريق 8 آذار لتغطية مقاطعته الجلسات الانتخابية في انتظار ولادة المرشح الوفاقي.

بات مؤكداً أنّ المرشح الوفاقي الوحيد لدى فريق 8 آذار هو رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، الذي لم يعلن ترشحه رسمياً حتى الآن. لكن الواضح أنّ التفاهم على ترشيح الجنرال لن يكون متيسّراً، لحسابات داخلية لبنانية، فهو يحتاج إلى أن يكون ثمرة تفاهم إقليمي وأميركي إيراني مرتبط بالملف النووي، وإيراني سعودي مرتبط بالملفات الشائكة على مستوى المنطقة وأبرزها الساحة العراقية، وهذا يفسّر عدم قدرة تيار المستقبل على حسم موقفه قبولاً أو رفضاً للجنرال، ويفسّر أيضاً حال الانتظار لدى الفريق المؤيّد للعماد عون.

إذن، الجلسات لن يُكتب لها الانعقاد قبل 25 أيار، ما يعني أنّ الأمور ستمتد لأشهر من دون أن يحدّد أيّ من الفريقين مواقيت لذلك، فإرسال المملكة العربية السعودية السفير علي عواض عسيري مجدداً إلى بيروت، والحديث عن السياح الخليجيين، مؤشرات تدلّ على موقف سعودي معتدل، إلا أنّ هذا الموقف المعتدل لا يعني حتى الساعة الموافقة على العماد عون، بل العمل على مرشح توافقي.

لم يحضر فريق 8 آذار إلى المجلس أمس إلا قلة من نوابه. يغلق هذا الفريق الأبواب أمام استقبال أي مرشح غير الجنرال عون، ما دام الأخير مرشح، ويقول لا يكفي أن يعلن تيار المستقبل رفضه للجنرال لكي يتمّ الانتقال إلى خيارات أخرى، فالجنرال ماضٍ في ترشحه الضمني حتى لو أبلغه «المستقبل» عدم الموافقة عليه، فالفراغ لدى الجنرال أفضل من رئيس لا يتمتع بمواصفات الرئيس القوي. لكن السؤال: هل يمضي جنرال الرابية في موقفه حتى لو فتح الأسئلة على طبيعة النظام السياسي في ظلّ ما يُحكى عن المؤتمر التأسيسي؟ فوزير التربية الياس بوصعب صرح من المجلس النيابي أمس: «إذا لم يُنتخب رئيس للجمهورية في المهلة الدستورية فهذا معناه أنّ الطائف كان فيه عيب، لا سيما أننا لم نتمكّن من انتخاب رئيس بعد خروج سورية من لبنان». في انتظار اتضاح صورة المشهد الإقليمي، فإنّ سيناريو الجلسات المقبلة «سيبقى هيك malheureusement» كما يقول نائب رئيس حزب القوات جورج عدوان. لا يأبه نواب القوات لما يشكله جعجع من استفزاز لفئة عريضة من اللبنانيين، يصرّون على التأكيد أنّ جعجع لا يزال مرشح 14 آذار، ويشيدون في الوقت نفسه ونواب التيار الأزرق بالزيارات التي بدأ بها رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل على الكتل السياسية وبدأها من معراب الثلاثاء الفائت، فالرابية أمس، أثناء موعد انعقاد الجلسة.

فشل يوم السابع من أيار 2014 أن يكون يوماً مجيداً للبنانيين. بلغ عدد النواب الذين حضروا إلى المجلس 73 ، لم يدخل منهم إلى القاعة العامة إلا 67 نائباً هم 50 نائباً من قوى 14 آذار و17 نائباً من نواب جبهة النضال الوطني والمستقلين، وكتلة التحرير والتنمية التي تتمايز عن فريق 8 آذار بالشكل، لكن في الجوهر لا يستطيع الرئيس نبيه بري الانفصال عن فريقه.

غاب نواب كتلة الوفاء للمقاومة تماماً على المجلس النيابي، وفيما بقي بعضهم في مكاتبه، لم يأتِ البعض الآخر أصلاً إلى المجلس. الحال كانت كذلك لدى نواب تكتل التغيير والإصلاح، ففيما صعد النائب آلان عون إلى لوبي المجلس وقاعة الصحافيين، صرّح النواب نبيل نقولا وعباس هاشم وزياد أسود من ساحة النجمة عند مدخل المجلس مكرّرين الكلام نفسه حول أن البلد لا يقوم إلا على الوفاق والتوافق، وأن النصاب يتأمّن عندما تصبح الانتخابات جدية.

لم يقتصر الأمر على نواب 8 اذار، إذ غاب من جبهة النضال الوطني النائبان إيلي عون وأكرم شهيب، فيما غاب من الوسطيين النواب ميشال المر ونايلة التويني ومحمد الصفدي، وغاب من قوى 14 آذار الى جانب رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري، والنواب عقاب صقر وفريد مكاري وميشال فرعون بداعي السفر.

حضرت النائب ستريدا جعجع أمس بعدما غابت عن الجلسة السابقة بداعي السفر. خرجت من القاعة العامة بعدما رفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الجلسة إلى 15 أيار، التقاط الصور مع الإعلاميات والإعلاميين، وبدت كأنها المرشح لرئاسة الجمهورية. جعجع التي أتت في اليوم الأول من جلسات الانتخاب باللون الأحمر، حضرت أمس مرتدية الأسود والأحمر ما استدعى تعليقاً ساخراً من بعض النواب: قريباً يأتي اليوم الذي تجيء فيه ستريدا مرتدية الأسود حداداً على سقوط ترشيح زوجها.

لقد شكل تاريخ 15 أيار تساؤلاً لدى بعض النواب لجهة أنّ الأيام العشرة الأخيرة من المهلة الدستورية، يعتبر فيها المجلس ملتئماً حكماً وسيحضرون يومياً إلى ساحة النجمة. إلا أنّ هذا التساؤل ليس في محله، فالمادة 73 من الدستور اللبناني تنص على أنّ قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقلّ أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس. وعليه فإنّ أمام الدعوات المتواصلة التي يصدرها بري للجلسات لا يمكن للمجلس أن يلتئم حكماً.

في غضون ذلك، دعا عضو كتلة القوات النائب إيلي كيروز رئيس المجلس النيابي إلى «مراجعة الموقف الذي اتخذه الرئيس صبري حماده في الانتخابات الرئاسية عام 1970»، موضحاً «أنه أمام تهديد المعارضة بمقاطعة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، أعلن حماده أنه سيدعو الى جلسة ويعتبر أنّ النصاب مُؤمّن بمجرّد حضور الأكثرية المطلقة من النواب، على ألا يعتبر فائزاً إلا من ينال الأكثرية المطلقة في دورة الاقتراع الثانية». لم ينته كيروز من تصريحه، حتى أعلن النائب قاسم هاشم أنّ زمن حمادة قد ولى، فالظروف تبدلت، والنصاب تكرّس على أساس الثلثين، مشيراً إلى أنّ الانتخابات الرئاسية في 1976 و1982 و 1989 وما تلاها قامت على حضور الثلثين، ومن يروج عكس ذلك يهدف إلى انتخابات مفصلة على قياس فريقه، معتبراً «أنّ هذه الآراء القانونية التي يستندون إليها مدفوعة الثمن ولا قيمة لها».

فيما كان الحضور النيابي والصحافي باهتاً، على عكس الجلسة الأولى، كانت زحمة اللقاءات في مكتب رئيس المجلس النيابي الذي أشار قبل أيام إلى أنه سيتعامل على نحو غير كلاسيكي مع الملف الرئاسي، فبدأ لقاءاته مع رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، ثم مع نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل، ثم التقى بري رئيس الحكومة تمام سلام في حضور وزير الداخلية نهاد المشنوق، وانضم إلى الاجتماع الرئيسان فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي. واجتمع بري أيضاً إلى وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب في حضور وزير المال علي حسن خليل.

ولمّا كانت مهلة التشريع تنتهي في 15 أيار دعا رئيس المجلس الى جلسة تشريعية الأربعاء المقبل لمناقشة مشروع سلسلة الرتب والرواتب. وأكدت مصادر نيابية في 8 آذار لـ«البناء» أنّ السلسلة ستشهد مناقشة حامية، خاصة أنّ فريق 8 آذار يتجه إلى رفضها، رغم أن الأمور تتجه إلى التصويت عليها وإقرارها مثلما وردت من اللجنة الفرعية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى