الاتفاق العراقي ـ الإيراني واستقلالية القرار السياسي
} محمد حسن الساعدي
من غير الواضح لحدّ الآن إذا كان الأميركان، سيعتبرون الصفقة التي أبرمها العراق مع الجمهورية الإسلامية، انتهاكاً وخروجاً على العقوبات المفروضة على طهران، وإنْ كانت ستحاول منع هذا الاتفاق…
كما يجب ملاحظة أنّ العراق كما يبدو اتخذ موقفه رسمياً في هذا الاتفاق، دون الرجوع إلى واشنطن، ما يعدّ محاولة نحو استقلالية القرار، وخروجاً على الإرادة الأميركية، التي تحاول إركاع الشعوب وإخضاعها.
الاتفاق ينص على إرسال العراق 250 ألف برميل يومياً إلى إيران، مقابل تزويد الأخير للعراق بالغاز الطبيعي الإيراني، والذي يعتمد عليه بحوالي 40% من إنتاج الكهرباء.. وجاء هذا الاتفاق بعد تراكم الديون المترتبة على العراق لإيران، والتي بلغت نحو 11 مليار دولار مودعة في البنك التجارة العراقي، ومنعته واشنطن من إرسالها إلى طهران لقاء، تزويد العراق للغاز الطبيعي.
العراق من جهته يؤكد على أن لا حاجة للحصول على موافقة الولايات المتحدة، لأنّ الاتفاق ليس مالياً، لذلك لجأ لأسلوب المقايضة، والتي هي شكل من أشكال الدفع، ولا تخضع للعقوبات الأميركية المفروضة على طهران، على الأقلّ شكلياً.
من جانب آخر يستخدم الأميركان، سيطرتهم الفعلية على الأموال العراقية، ويمنعون بغداد من تسديد ديونها لإيران بالدولار، وبهذا الإجراء فيمكن لطهران أن تزوّد العراق بالغاز الطبيعي لقاء نفطه الخام.
إدارة بايدن تسعى إلى الحصول على مزيد من التفاصيل حول هذا الاتفاق، وكيفية إجراء المقايضة للنفط مقابل الغاز من الناحية العملية، وما إذا كان هذا الاتفاق يؤثر على العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، في حين تأخر تسديد الديون العراقية لإيران، سبّب نقصاً في الكهرباء المنتجة من المحطات الكهربائية، لتوقف تزويدها بالغاز الطبيعي، لتراكم الديون ووصولها حدوداً مؤثرة في الوضع المالي للاقتصاد الإيراني…
الاتفاق يرمي إلى طمأنة الرأي العام الإيراني، بشأن حصول طهران على مستحقاتها من صادرات الغاز، بانتظار الوصول إلى حلّ عملي تتمكن عبره من استلام أموالها، أو سداد المستحقات المرتبة عليها جراء استيراد الدواء والسلع الأساسية، وأن سبب قبولها بمقايضة غازها بالنفط، هو حرصها على مساعدة الحكومة العراقية، على توفير خدمة الكهرباء لشعبها في هذا الصيف الحار الجاف، وأنّ الاتفاق يمثل الحلّ الأمثل عملياً، في ظلّ عدم موافقة واشنطن على تحويل المبالغ لإيران.
يعتقد كما يرى كثير من المراقبين للمشهد السياسي العام في المنطقة، أنّ من الاجدر على الحكومتين ترسيخ هذا الاتفاق، من خلال مدّ أنبوب نفطي يربط الدولتين الجارتين، وبأمد طويل لمنع أيّ تلكؤ في استيراد الغاز الطبيعي الإيراني، وقطع الطريق أمام أيّ محاولة للتأثير، على العلاقات الاقتصادية التي تربط الجارين…
رغم أنّ الموضوع كله قد يبدو حلاً لمشكلة ما، لكن السعي الجاد نحو استقلال القرار العراقي، بعيداً عن الضغوط الأميركية التي تحاول جعله تابعاً لها، يجب ان يستمر بثبات وبقوة.. ولكن بهدوء ودون استفزاز لا نفع منه.