بكين تتوثّب لمواجهة التصعيد الأميركي وتعلن طهران حليفاً استراتيجياً
} محمد صادق الحسيني
نشرت وكالة «رويترز» خبراً تضمّن تغييراً مفاجئاً لوزير الخارجية الصيني.
أهمّ ما جاء في الخبر:
1 ـ إنّ الإعلان يأتي عقب غياب الوزير: كين غانغ /Qin Gang /، البالغ من العمر 57 سنة، وهو الذي تمّ تعيينه وزيراً للخارجية في شهر 12/2022.
2 ـ يعتبر كين غانغ، الوزير السابق، من المقرّبين للرئيس الصيني. وقد كان مديراً للبروتوكول في الرئاسة ومنسقاً لاتصالات وعلاقات الرئيس الخارجية.
3 ـ كان قد غاب عن المشهد منذ 25/6/2023، دون الإعلان عن أي أسباب لغيابه، باستثناء بيان الخارجية الصينية، جاء فيه أنّ كين غانغ غائب عن العمل لأسباب صحية.
4 ـ تمّ اليوم تعيين/ تثبيت/ الديبلوماسي المخضرم وانغ يي / Wang Yi / 69 سنة، وزيراً للخارجية، وهو المنصب الذي تولاه منذ سنة 2013 حتى شهر 12/2022، عندما وصلت العلاقات الصينية الأميركية الى أدنى مستوى لها.
5 ـ إنّ وانغ يي قد شغل منصب كين غانغ (وزارة الخارجية) أثناء غيابه، وقد ظهر في اجتماع مستشاري الأمن القومي لدول مجموعة بريكس في جنوب أفريقيا هذا الأسبوع.
6 ـ لم تعلن الجهات الرسمية الصينية أيّ معلومات حول هذا التغيير، كما أنّ وزارة الخارجية رفضت الإجابة على أسئلة بهذا الشأن.
إنّ قراءتنا للموضوع انّ كين غانغ، الذي أبعد عن الخارجية، لم يكن قد تمّ تعيينه رسمياً وزيراً للخارجية، وإنما تمّ تكليفه بإدارة ملف العلاقات الصينية الأميركية، بسبب التدهور المتسارع الذي شهدته تلك العلاقات.
وقد تمّ تكليفه بإدارة هذا الملف، حسب تقديرنا، لقربه الشديد الى الرئيس الصيني شين بينغ، الأمر الذي جعل القيادة الصينية أكثر مرونة في التعامل مع التوتر الشديد في علاقات واشنطن مع بكين.
أما إعادة الوزير القديم، وانغ يي، الى الخارجية فتعود الى توصّل القيادة الصينية لقناعة راسخة، بعد زيارة هنري كيسنجر الى بكين، وانّ الولايات المتحدة ستستمر في التصعيد تجاه بكين، وان لا مجال لتحسين هذه العلاقات، الأمر الذي يستدعي:
ـ العودة الى خبرة الوزير وانغ يي في إدارة الصراع مع الولايات المتحدة.
ـ وربما إعطاء أفضلية لتمتين العلاقة مع كلّ من روسيا وإيران، خلال الفترة المقبلة، بدليل المناورات الجوية والبحرية التي أجرتها الصين وروسيا في بحر الصين الجنوبي الأسبوع الماضي، وكذلك التصريح/ الحديث المتداول/ حول وصف الصين لإيران بأنها حليف استراتيجي للصين.
ـ كما لا بدّ من أخذ زيارة وزير الدفاع الروسي، الجنرال سيرغي شويغو، على رأس وفد عسكري روسي كبير، إلى كوريا الشمالية، وهي الزيارة التي تتمّ في وقت تزيد فيه بيونغ يانغ بإطلاق الصواريخ الباليستية المختلفة الأحجام والمديات في كلّ الاتجاهات، الأمر الذي يشكل ضغطاً كبيراً وتهديداً مباشراً لحلفاء واشنطن وقواعدها العسكرية في اليابان وكوريا الجنوبية والفيلبين وغرب المحيط الهادئ (جزيرة غوام).
ـ بمعنى أنّ الاستراتيجية الصينية، تجاه واشنطن، تستهدف تشديد الضغط على الطرف الأميركي واستغلال غرقه في أوحال أوكرانيا وعجزه عن التحرك الصدامي باتجاه الصين (عسكرياً) ما يمنح الصين مزيداً من الوقت الذي تحتاجه بكين لتعزيز قدراتها الاقتصادية والعسكرية في مواجهة الهيمنة الأميركية.
من هنا وجبت العودة إلى خبرات الوزير وانغ يي، في إدارة الصراع مع الولايات المتحدة، مع احتمال أن تنحو السياسة الصينية، تجاه أزمة أوكرانيا، منحًى أكثر قرباً من موسكو. وما التلويح بورقة العلاقات الاستراتيجية الهامة، مع إيران إلا ورقة إضافية في الأوراق التي تملكها الصين، في مواجهتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية.
خاصة أنّ العلاقة الإيرانية الأميركية غير مرشحة للتحسّن، بمعنى احتمال تغيّر تموضع إيران الدولي، وهذا أولاً.
أما من الناحية الثانية فإنّ إيران تعتبر قوة عسكرية ذات أهمية استراتيجية، بالنسبة للصين، وذلك لوجود حشود عسكرية أميركية، جويةً وبريةً، في منطقة الجزيرة العربية، والتي تمثل احتياطاً عملياتياً، قريباً من مسرح العمليات في جنوب شرق آسيا، عند حصول ايّ مواجهة عسكرية صينية أميركية مستقبلاً. الأمر الذي يستدعي ضرورة ضرب هذه الحشود الأميركية (قواعدها العسكرية في الجزيرة العربية، إضافة الى قاعدتها في جزيرة دييغو غارسيا / Diego Garcia الواقعة في المحيط الهندي، على بعد ألف وستمئة كيلو متر جنوب غرب سيريلانكا، او ألفين وخمسمئة كيلومتر شرق جزيرة مدغشقر. (شرق أفريقيا).
إذن لا أحد لديه القدرات العسكرية والدوافع السياسية والاستراتيجية والأخلاقية، لتدمير قدرات الولايات المتحدة، في قطاع الاحتياط العملياتي المنتشر في غرب آسيا، أكثر من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي سيكون بمقدورها قطع حبل الوريد، عن القوات الأميركية المنخرطة في حرب عسكرية مع القوات المسلحة الصينية، في بحار الصين واليابان والفيلبين وغرب المحيط الهادئ.
من هنا تنبع الأهمية الاستراتيجية للجمهوريه الإسلامية في إيران. ايّ انّ موقع إيران الجيواستراتيجي وقدراتها العسكرية المتطورة جداً هي عوامل تجعل من هذا البلد قيمة استراتيجية كبرى، على صعيد الصراع الدولي الشامل، وليس فقط في موازين القوى الإقليمية، سواءً في محيطها العربي غرباً أو في محيطها الآسيوي شرقاً (جمهوريات وسط آسيا السوفياتية السابقة).
ولا يُنبئُك مثل خبير.
بعدنا طيبين قولوا الله…