سعادة الحاكم وسيم منصوري
ناصر قنديل
– يثير كلام بعض النواب في الشأن المالي الضحك من حجم الجهل الذي ينطوي عليه، تحت شعار أنهم حماة حمى الدفاع عن أموال المودعين، وما يرتبط بها من حديث عن الاحتياط الإلزامي لمصرف لبنان، الذي يمثل بعض ما تبقى من أموال المودعين، باعتبار أن ثمة بعضاً آخر أهم وأكبر لا تزال المصارف تعيش على تداوله، فلا يعرفون الفرق بين الاحتياط الإلزامي لدى مصرف لبنان، واحتياطات مصرف لبنان من العملات الأجنبية، لأن الاحتياطي الإلزامي أمانة لا يحق لمصرف لبنان التصرف بها، بينما احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية فهو أموال يملكها المصرف ويبيع ويشتري بواسطتها متدخلاً في سوق الصرف، ويتوجب عليه سداد نسبة من ما يحققه من أرباح بنتيجتها لحساب وزارة المالية، وأن ما يجري من مناقشة بين الحاكم الجديد لمصرف لبنان والحكومة، يتصل باستدانة مؤقتة ومشروطة بسلة التزامات قانونية حكومية، تسدد قيمتها إما مباشرة من الحكومة خلال مهلة زمنية، أو يجري سدادها من الحقوق التي تتوجب لوزارة المال جراء عمليات مصرف لبنان.
– هؤلاء النواب المصابون بالجهل ومدّعو الحرص على أموال المودعين، لم تسمع أصواتهم عندما تصرف الحاكم السابق بأموال المودعين، ولا عندما أهان مجلس النواب رافضاً المثول أمام نوابه، ولا رأوا ما يستدعي الدعوة لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية تملك صلاحية الادعاء على الحاكم لتصرّفه من خارج القانون بأموال اللبنانيين، ويريدون التنمر على الحاكم الجديد، لأنه رفض إقراض الدولة دون قانون والتزامات، متذرّعين بأن قانون النقد والتسليف ينص صراحة على عدم جواز قيام الحكومة بالاستدانة من مصرف لبنان، وعدم جواز قيام مصرف لبنان بالتوازي بإقراض الدولة، وهم يبدو أنهم يقعون بالجهل مرة أخرى، ويبدو السماع الذي يسمّى بالتعبير الأدق النميمة، وسيلتهم الوحيدة للثقافة، وما يسمعونه ممن يسمون خبراء ومحللين هو مصدر معارفهم الوحيد، ولأجل تعميم المعرفة نضع نص المادة 91 من قانون النقد والتسليف حرفيا، علهم يقرأون ويفهمون، ويستفيد القراء عموماً.
– تقول المادة 91 من قانون النقد والتسليف ما نصّه:
“ الا انه, في ظروف استثنائية الخطورة أو في حالات الضرورة القصوى, إذا ما ارتأت الحكومة الاستقراض من المصرف المركزي. تحيط حاكم المصرف علماً بذلك.
يدرس المصرف مع الحكومة إمكانية استبدال مساعدته بوسائل أخرى, كإصدار قرض داخلي أو عقد قرض خارجي او إجراء توفيرات في بعض بنود النفقات الأخرى او إيجاد موارد ضرائب جديدة الخ…
وفقط في الحالة التي يثبت فيها أنه لا يوجد أي حل آخر, وإذا ما أصرّت الحكومة, مع ذلك, على طلبها, يمكن المصرف المركزي أن يمنح القرض المطلوب.
حينئذ يقترح المصرف على الحكومة, ان لزم الأمر, التدابير التي من شأنها الحدّ مما قد يكون لقرضه من عواقب اقتصادية سيئة وخاصة الحدّ من تأثيره, في الوضع الذي أعطي فيه, على قوة النقد الشرائية الداخلية والخارجية”.
– ما فعله الحاكم الجديد الدكتور وسيم منصوري هو التطبيق الحرفي لنص المادة 91، حيث لا جدال في أن الظروف استثنائية وخطيرة، ولا أن الحالة تصنف من حالات الضرورة القصوى، حيث الأمر يتصل كما يوضح مشروع القانون الذي أعدته الحكومة لطلب جواز الاستقراض، بتأمين رواتب الموظفين وحاجات القوى الأمنية وشراء أدوية الأمراض المزمنة، ولا جدال أيضاً في انسداد طرق تأمين بدائل من تخفيض النفقات الأخرى او القروض الداخلية أو الخارجية، وهنا يقترح مصرف لبنان كما تقول المادة 91، التدابير التي يشترط على الحكومة اتخاذها لضمان سداد القرض وعدم التأثير على سوق القطع، واللافت طبعاً أن هؤلاء النواب وسواهم يعلمون أن الحاكم السابق كان يقوم بالإقراض دون قيد أو شرط، ودون نص قانوني، بما ينسجم مع مسؤولياته ونصوص مواد قانون النقد والتسليف.
– الجوقة التي تزرع الشكوك حول مستقبل سعر الصرف من موقع ولائها للحاكم السابق مفتاح الدولة العميقة وممول الثورة العميقة، وممول إعلامييها وتلفزيوناتها وعدداً من نواب التغيير، مضروبة على رأسها لأن السوق غير متجاوب مع نعيق البوم، لأن التدفقات المالية تفوق حاجات السوق، بما في ذلك طلبات المضاربين، وصباح اليوم سوف يظهر أن استقرار سعر الصرف خلال شهور لم يكن من صناعة عبقرية مفترضة يدعيها رياض سلامة ويطبل لها المريدون ويزمرون، بل هو نتاج التأقلم اللبناني الذي تسبب بالغيظ لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لأنه سمح بالتفاوض اللبناني من موقع قوة لا ضعف، وهذا التأقلم يرتكز كما ارتكز عام 1993 الى تدفقات التحويلات مع زيادة الهجرة النوعية بفعل تدني القدرة الشرائية للعملة الوطنية، فزادت من 6 مليارات قبل عامين الى أكثر من 8 مليارات هذا العام، وبالتوازي تخفيض الاستهلاك وتحسن حال الصناعة وزيادة التصدير وانخفاض أكلاف السياحة وبالتالي زيادة عائداتها، التي زادت السنة حتى تاريخه من 4 مليارات العام الماضي الى 8 مليارات هذا العام، وقد تصل نهاية العام الى أكثر من 10 مليارات دولار.
– يجب أن يدرك الحاكم الجديد أنه بقدر ما يحترم مسؤولياته القانونية والوطنية، ويحسن إدارة هذا التحول المالي الإيجابي كي يجعله مصدر خير عام، لا عائدات توزع على النافذين والمحسوبيات عبر الاستفادة من سعر الدولار المدعوم عبر منصة صيرفة وتهريب الفائض مجدداً إلى الخارج، فإنه سوف يجد الدعم والتأييد والإسناد من حيث ينتظر ولا ينتظر.