الأردن بين فكي الكماشة… الإرهاب و«إسرائيل»!
سومر منير صالح
المتتبّع للسياسة الأردنية لا يستطيع للوهلة الأولى أن يفهم «سياسياً واستراتيجياً» كيف يمكن لدولة أن تحاصر نفسها وتتحوّل إلى دولة شبه حبيسة من خلال عداء جيرانها، فعداء الأردن للحكومتين السورية والعراقية، وتصريحات مسؤوليها ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حوّل الأردن إلى دولة شبه حبيسة بالمعنى الجيو ـ سياسي والجيو ـ اقتصادي، فسورية هي الشريان الاقتصادي الأهمّ للمملكة الأردنية، والأردن عمل على تنصيب نفسه الحصن الأول لحماية ممالك الخليج من وهمٍ ابتدعه ملكها وأوهم حكام النفط به، في مقابل حوافز اقتصادية تنقذ المملكة من مأزقها الاقتصادي، وبالتالي تحصّن شرعية الملك الآخذة في التهالك داخلياً، إلا أنّ الملك بذلك أوقع بنفسه إلى حافة التهلكة وربما الانهيار…
لمن يتذكر، ألم يصرّح الملك الأردني عبد الله الثاني أثناء زيارته للولايات المتحدة في أوائل شهر كانون الأول عام 2004، إبان الغزو الأميركي للعراق، عن تخوّفه من وصول حكومة عراقية حليفة لإيران في بغداد تتعاون مع طهران ودمشق لإنشاء هلال سياسيّ مزعوم يمتدّ إلى لبنان ويخلّ بالتوازن القائم مع السعودية وحلفائها؟ ورأى في بروز هذا الهلال في المنطقة ما يدعو إلى التفكير الجدّي في مستقبل استقرار المنطقة، ويمكن أن يحمل تغيراتٍ واضحةٍ في خريطة المصالح السّياسية والاقتصادية لبعض دول المنطقة، وعلى إثرها قامت المملكة السعودية بتوتير «الشرق الأوسط» برمّته ابتداءً من لبنان في العام 2005، وتأزيم العلاقات العربية ـ العربية اثر اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري على وقع هذا الهاجس الأردني المزعوم، والذي كان حاضراً في عدوان تموز 2006 على لبنان، والذي جهدت أجهزة إعلام المملكة على تحميل المقاومة اللبنانية سبب العدوان وفي أحلامها هزيمة رجال الله في المقاومة اللبنانية الذين حققوا النصر رغم كلّ ذلك.
ومع اندلاع الأحداث في سورية في العام 2011، كان الأردن سبّاقاً إلى دعم الميليشيات الإرهابية في محاولة لإسقاط الدولة السورية، ولاحقاً دعم الميليشيات الإرهابية لإسقاط حكومة العراق في العام 2014، ولذات الأسباب كان سبّاقاً إلى اللحاق «بعاصفة الحزم» لغزو اليمن الجريح… طبعاً بمساعدة جهاتٍ استخبارية عربية… تنفيذاً لأجندات وهواجس «المملكة»… وهو ما بدا جلياً في حوران سورية وموصل العراق وعدد من المحافظات العراقية، ولكن هذه التنظيمات الإرهابيّة لديها للأسف من المرونة ما يجعلها أداةً إلى «حين» في أيدي الاستخبارت الأردنية والسّعودية تنفذ أجنداتها في محاربة محور المقاومة… في محاولة كسب المال والمقاتلين والبيئات الحاضنة شعبياً على خلفية التعبئة المذهبية لقنوات إعلامية محسوبة على هذه الدول… إلا أنّ الحقيقة هي في مكانٍ آخر… فقد ينقلب السحر على السّاحر… فالسلفيّة الأردنيّة هي البيئة الحاضنة لـ«جبهة النصرة» الإرهابية، ومنتسبوها يقاتلون بالآلاف في سورية والعراق، ومن بينهم عددٌ كبيرٌ من القيادات «التكفيرية»، وانتصارات الجيش السوري والعراقي تهزم الإرهاب، والنتيجة الطبيعية ارتداد الإرهاب إلى مصدّريه، وبرغم الحذر الأردني من هكذا سيناريو والتهديدات على الطريقة الهوليودية الأميركية بالردّ الحاسم إذا ما فكرت «داعش» بغزوة «دار الملك»، إلا أنّ البيئة التي أنجبت هؤلاء الإرهابيين وبدعم استخباري أردني، ذاتها ستنجب أعداداً أخرى في الداخل الأردني فضلاً عن عودة فلول الإرهاب المهزوم من سورية والعراق، فالملك يعوّل على فصائل وصفها في طلته الهوليودية على قناة «فوكس نيوز» الأميركية بأنها «معتدلة» درّبها جيشه وسلّحها جهاز استخباراته ليحمي مملكته، إلا أنه على ما يبدو لم يتعلّم الدرس جيداً في سورية، فهؤلاء الإرهابيون يتلوّنون بما يتناسب مع مصالحهم ،لا دين لهم ولا مبدأ إلا نزواتهم وتعطشهم لسفك الدم، فينامون على «بيعة» ويستيقظون على أخرى، وهو حال فصائله الإرهابية التي تتلقى ضربات الموت الأخير في حوران على يد الجيش العربي السوري، وسينتهي بها المطاف إلى إعلان مبايعتها لتنظيم «داعش» الإرهابي، بذلك حوّل الأردن نفسه إلى مشروع «وطن بديل» مزدوج، وطن بديل للإرهاب الوهابي السلفيّ الذي جهدت أجهزة استخبارات الملك على تقويته ودعمه خارجياً، فالنتيجة البديهية لانحسار الإرهاب عن سورية والعراق هي تمدّده في الأردن، وهو أحد القواعد التي انطلق منها وتمدّد في سورية والعراق وربما مصر، فعين «داعش» على المملكة، والمخطط كبير، فالدخول «الداعشيّ» على الأردن سيعطي «الإسرائيليين» فرصةً كبيرةً لتدمير صيغة الدولة الأردنية الحالية، وتحويلها إلى الدولة البديلة «الوطن البديل»، وهو سيناريو تتمناه «إسرائيل» وتعمل على تنفيذه من خلال دعم الميليشيات الإرهابية في الجنوب السوري تمهيداً لانتقالها إلى الداخل الأردني بعد فشلها وانتهاء دورها الوظيفي في الجنوب السوري بفعل انتصارات الجيش العربي السوري،.
هذا الدخول الإرهابي إلى المملكة سيكون بدعم «إسرائيلي» أميركي، فإسقاط الملك الأردني أو إسقاط الصيغة الراهنة للحكم في المملكة بفعل الإرهاب القادم من الخارج سيكون أقلّ تكلفة من إسقاطه أميركياً لصالح إلغاء الكيان السياسي الأردني «الهاشمي» واستبداله بكيان سياسيّ أردني فلسطيني ينهي قضية العرب المركزية ويعجّل في إعلان «إسرائيل» لنفسها «دولة يهودية»، وقد نفهم من خلال هذا التحليل أسباب إصرار داعمي ومموّلي الإرهاب في سورية في إطار دور الإرهاب الوظيفي الذي ذكرته، على دخول مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين فتهجيرهم من سورية مع استحالة عودتهم إلى أرضهم الفلسطينية في ظلّ الظروف الراهنة سيجعل من الأردن وطناً جديداً لهم، فالوجود الفلسطيني في سورية هو ضمانة فشل مشروع الوطن البديل لأنّ «حق العودة» في مأمن على الأرض السورية، وهو أحد ثوابت القضية الفلسطينية، وهو ما يحاول داعمو الإرهاب نسفه انطلاقاً من مخيم اليرموك، وللتأكيد على النوايا «الإسرائيلية «كان رئيس وزراء العدو قد مهّد له نتنياهو مؤخراً من خلال الحديث عن تحصين الحدود وتأمين سلامة التجمعات السكنية «الإسرائيلية»… وإذا كان الملك الأردني يتوهّم أنّ ممالك الخليج ستهبّ لنجدته فـ»عاصفة الحزم» الأميركية ـ «الإسرائيلية» ستسبقهم واضعةً نصب أعينها ضرب أدواتها الإرهابية لأنها اقتربت من «إسرائيل» وتمهيداً لتوظيفها في مكان آخر، والإجهاز على هذا الكيان السياسي المأزوم بفعل عمالة نظامه التاريخية ومتاجرته بمستقبل شعبه، وبسكوتٍ خليجي حينها، وإلا فالسيناريو «الداعشي» ذاته سيظهر في ممالكهم الهشة، بالنتيجة أراد الملك الأردني هلالاً «سلفياً»، يضمن معه استقرار ومصالح ومتانة عروش النفط، في إطار سعيه إلى إيجاد دور ما للمملكة، يموّه معه دوره التآمري في فلسطين المحتلة، وهنا تجوز لنا مقارنة دور الملك في سورية بالدور الذي لعبه رئيس العراق الأسبق صدام حسين في حربه الظالمة ضدّ إيران، فكلاهما ينفذان المشيئة الأميركية، فأي مصير سياسيّ ينتظر الملك… إنّها المكيدة الأميركية مجدداً…
باحث بدرجة الدكتوراه في الدّراسات السّياسية