الطريق الأقصر لمواجهة «الاغتيال الاقتصادي» تصعيد المقاومة السورية ضدّ الاحتلال الأميركي
} حسن حردان
بات واضحاً انّ استمرار تفاقم معاناة سورية وشعبها، اقتصادياً ومعيشياً، إنما سببه الحرب الناعمة الأميركية التي قرّرت واشنطن اتباعها لمواصلة حربها الإرهابية العسكرية ضدّ سورية بطرق جديدة، بهدف إخضاعها للهيمنة الأميركية بواسطة سلاح الحصار الاقتصادي والعقوبات، الذي يُسمّى بـ «الاغتيال الاقتصادي» وهو سلاح لا يكلف أميركا لا مالاً ولا دماء، وهدفه إجبار خصمها على الخضوع لإملاءاتها وشروطها التي تستهدف إجبار القيادة السورية على الاستسلام والخضوع لهيمنة أميركا، أو مواجهة الموت البطيء بواسطة سلاح «الحصار الاقتصادي»… فسلاح الاغتيال الاقتصادي، يستهدف فرض هيمنة أميركا على الدول، عبر ثلاثة طرق، هي: إيجاد حكومات عميلة تابعة اقتصادياً وسياسياً، وإغراق الدول بالديون عبر البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، وسيطرة الشركات الأميركية على ثروات الدول وبناء المشاريع الاقتصادية فيها.. ولأنّ الدولة السورية رفضت التبعية لأميركا، ولم تقبل الوقوع في شرك الاستدانة من البنك الدولي أو صندوق النقد، ولم تسمح للشركات الأميركية في السيطرة على الاقتصاد السوري واستغلال ثروات سورية، واعتمدت سياسة التنمية الاقتصادية المستقلة، التي حصّنت استقلال سورية اقتصادياً وسياسياً، وشكلت سنداً وظهيراً قوياً للمقاومة العربية ضدّ الاحتلال الصهيوني وقاومت الهيمنة الغربية، لجأت الولايات المتحدة إلى شنّ الحرب الإرهابية الكونية عليها بهدف تدميرها والسيطرة عليها وإخضاعها، غير انّ فشل هذه الحرب في تحقيق ذلك ونجاح سورية، دولة وجيشاً وشعباً، في الصمود في مواجهة هذه الحرب، وإحباط أهدافها بدعم من حلفائها في محور المقاومة، وروسيا الاتحادية، دفع أميركا إلى إشهار سلاح فرض الحصار الاقتصادي عبر قانون قيصر، وهو الاسم الفعلي لسلاح الاغتيال الاقتصادي الذي أماط اللثام عنه «القاتل الاقتصادي» جون بيركنز الذي تولى دور استدراج دول العالم الثالث أو النامي إلى فخ الاستدانة وفوائد الدين، بعد فشل حرب أميركا في فيتنام، وقطع النفط عن الدول الغربية خلال حرب تشرين 1973…
ولهذا فإنّ كلّ ما تعانيه سورية وشعبها هذه الأيام إنما هو بفعل هذا الحصار الإجرامي الأميركي المفروض تحت اسم «قانون قيصر»، الذي يرهب الدول والشركات والفاعليات ورجال الأعمال ويمنعهم من إقامة ايّ علاقات اقتصادية أو الاستثمار في سورية، فيما تتولى قوات الاحتلال الأميركي في شرق الفرات السيطرة على آبار النفط والغاز وسرقة هذه الثروات السورية وحرمان الدولة السورية منها، الأمر الذي يحول دون تمكن الحكومة السورية من معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها الشعب السوري، وإعادة اعمار ما دمّرته الحرب الإرهابية لتأمين عودة النازحين إلى مدنهم وبلداتهم التي دمّرت، سواء كانوا مهجرين في الداخل السوري، أو في دول جوار سورية.
ولهذا أصبح واضحاً انّ خروج سورية من معاناتها بات مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بتحقيق أمرين:
الأمر الأول، إنهاء وجود قوات الاحتلال الأميركي وتحرير أرض وثروات سورية من نفط وغاز وغيرها، من النهب الأميركي… وبالتالي استعادة الدولة سيادتها على أرضها في شرق الفرات والتي تحتوي أيضاً على أهمّ غلال البلاد الزراعية من قطن وقمح…
الأمر الثاني، كسر الحصار الاقتصادي المفروض على سورية، عبر تطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول التي تواجه الهيمنة الأميركية، وبالتالي التوجه شرقاً لتكون سورية جزءاً من مشروع طريق الحرير الذي تنهض به الصين، والانضمام الى منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي، وكذلك مجموعة دول البريكس الناهضة اقتصادياً على الصعيد العالمي..
انّ من يراقب ويتابع ما يجري في سورية من اشتداد للمعاناة الاقتصادية والمعيشية، وانسداد أفق الرهان على تبدّل في السياسة التركية بما يقود إلى قبول أنقرة إلى وضع جدول لانسحاب القوات التركية من سورية ووقف دعم وحماية الجماعات الإرهابية في إدلب، كمقدمة لعودة تطبيع العلاقات بين البلدين، وإنهاء الحالة الانفصالية في شمال شرق سورية، واستطراداً تعرية قوات الاحتلال الأميركي من ايّ مرتكزات محلية، وإجبارها على الرحيل عن الأرض السورية.. انّ من يتابع كلّ هذا الوضع، يدرك جيداً بأنه لم يعد أمام سورية، دولة وجيشاً وشعباً، سوى اللجوء إلى خيار تصعيد المقاومة الشعبية المسلحة ضدّ قوات الاحتلال الأميركي لجعل أميركا تدفع ثمن احتلالها دماء من جنودها ومالاً من خزينتها، بحيث يتحوّل احتلالها إلى كلفة وعبء يثقل كاهلها، ويجعلها أمام خيار من اثنين، أما التورّط في حرب استنزاف مكلفة، أو الانسحاب من سورية تجنباً للغرق في رمال سورية المتحركة، وتحت ضغط داخلي أميركي في الكونغرس وفي أوساط الشعب الأميركي للمطالبة بالانسحاب من سورية…
انّ سورية عاجلاً أم آجلاً لن يكون أمامها سوى اللجوء إلى تصعيد المقاومة الشعبية المسلحة طريقها الأقصر والأقلّ كلفة للتحرر من الاحتلال الأميركي، وإنهاء ما تبقى من جماعات إرهابية، وحالة انفصالية، وبالتالي إجبار تركيا على العودة إلى حدودها واحترام سيادة واستقلال سورية بعد سقوط ذرائع ومبرّرات استمرار احتلالها لأجزاء من الأرض السورية.. على انّ المناخ الشعبي في شرق الفرات الرافض للاحتلال الأميركي يوفر التربة الخصبة لتصعيد المقاومة المسلحة.