الكحالة والمتربصون على الكوع
ناصر قنديل
بعدما باتت تفاصيل ما جرى واضحة ولا تحتمل اجتهاداً أو تأويلاً وانتظار تحقيق، فنحن ببساطة أمام مشهد قوامه حادث عادي هو انقلاب شاحنة للمقاومة، تحمل أسلحة وذخائر على طريق دولي، بقيت لساعتين تنتظر اكتمال التحضيرات اللوجستية لنقلها بمعرفة ومعونة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، حتى قامت مجموعة تمّت تعبئتها وتحريضها لمهاجمة الشاحنة ومرافقتها تحت شعار، نريد الكشف عن طبيعة الحمولة. وبدأت هذه المجموعة بضرب الحجارة على المرافقة ثم أطلق بعضها الرصاص، فسقط الشهيد أحمد قصاص، وتم الرد على مصدر إطلاق النار فسقط أحد أبناء الكحالة الذين حملوا السلاح وأطلقوا النار باتجاه الشهيد.
كل الصراخ وكل الشدّ والقدّ، لن يحول ما جرى إلى اشتباك أو حادث أو التباس، وهو أشدّ وضوحاً من حادثة الطيونة، حيث كان دخول جزء من التظاهرة الى الأحياء الداخلية لـ عين الرمانة خطأ سهّل فرصة التصادم. هنا نحن أمام عدوان واضح خارج أي منطق قانوني، والشاحنة ومرافقتها مسؤولية الدولة وجيشها ومؤسساتها، والطريق الدولية خارج نطاق صلاحية البلديات وليس الأهالي فقط، هناك من حرّض ونظم مواجهة للاعتداء بالنار وإسقاط دماء وشعاره نريد أن نعرف حمولة الشاحنة ونكشف عنها أمام الكاميرات، وأن يجعل افتعال المشكلة محطة في سياق تصعيد عام على المقاومة وسلاحها، ومن يتابع الموقف سوف يسهل عليه اكتشاف أن القوى السياسية ذات النفوذ في الكحالة، كانت تتدرّج، من موقف كتائبي تصادمي يقود التحريض لا يحتاج الى أدلة وبراهين، وهو صاحب شعار نريد أن نعرف الحمولة، وقد ردّد الشعار النائب نديم الجميل مرارا، والأمين العام للحزب وصولاً الى رئيس الحزب، ثم موقف قواتي يشارك بالخط العام، على قاعدة العداء للمقاومة، واعتبار ما يجري فرصة لتسجيل الموقف ورفع الصوت واستثمار المناسبة وعدم تركها للكتائب، إلى موقفين في التيار الوطني الحر، نواب وناشطون من خارج الكحالة ينخرطون في المزايدة الشعبوية طائفياً ويخشون أن يسحب البساط من تحت أقدامهم لأنهم تخلّوا عن مواكبة الموقف، كما بدا موقف النائب سيزار أبي خليل، وناشطون مثل ناجي حايك يجدون أنفسهم مع هذا الخطاب الكتائبي القواتي أكثر مما يجدون أنفسهم مع خطاب التيار كما عبّر عنه الرئيس ميشال عون بالعودة الى إعلاء شأن التهدئة والتحذير من خطر الوقوع في فخ الفتنة. أما الموقف الثاني في التيار فقد عبر عنه بعض كوادر التيار من البلدة الذين عبروا عن صوت العقل، وكانوا يستحقون من قيادة التيار تنويهاً واتخاذهم مصدراً للموقف بدلاً من مسايرة مواقف بعض النواب، قبل أن يحسم الرئيس عون الموقف.
اليوم نحن نطوي صفحة مؤلمة، وقد خسرنا دماً غالياً، فهل هناك كشف حساب لدى الذين طلبوا من شباب الكحالة أن يتحرّكوا وقاموا بتحريضهم ووعدهم بالهواء المباشر من القنوات التلفزيونية، وانضمام سفراء الدول الغربية إلى الاعتصام المفتوح الذي قاموا بدعوتهم إلى تنظيمه بقطع الطريق ولو أدّى الأمر الى التصادم مع الجيش اللبناني؟ وهل يتساءلون عن الحصيلة التي جلبوها لهؤلاء الذين صدقوهم؟ وهل أوفوا بالتعهدات التي قطعوها لبعض السفارات بكشف حمولة الشاحنة، وفتح معركة شعبية على الطريق الدولية ضد سلاح المقاومة؟ ونحن سمعناهم يتحدثون عن الدستور والقانون، ولذلك نقول لهم حسناً انتم نواب في البرلمان فترجموا موقفكم من سلاح المقاومة، وهو شرعي وفق البيان الوزاري لآخر حكومة، وأجيبوا عن الأسئلة التالية، أولاً: هل الأولوية اليوم هي انتخاب رئيس للجمهورية أم فتح ملف سلاح المقاومة، فإذا كان رئيس الجمهورية اسحبوا موضوع سلاح المقاومة من التداول لحين انتخاب الرئيس، وإذا كان السلاح هو الأولوية، فهل بديلكم هو الجيش والدولة أم الميليشيا والكانتون، واذا كان الجيش والدولة فاسحبوا الموضوع من التداول ومن الشارع وعودوا إلى المؤسسات، فالبعد الأمني يترك للجيش ومراقبة أدائه تتم عبر اللجان النيابية ووزارة الدفاع، والشقّ السياسي عبر المجلس النيابي، فقدموا عريضة موقعة ممن يوافقونكم الرأي على الأولوية وسوف نعلم عدد من يوقعونها وهل يمثلون أغلبية نيابية أم لا، وسلفا نقول إن العدد أقل من ربع أعضاء المجلس النيابي، أما اذا كان بديلكم كما تقول الوقائع هو الميليشيا والكانتون، فلا نطلب منكم سوى ان تمتلكوا شجاعة القول، بدلاً من شعار الأمور ما بقا تمشي هيك، بأن مشروعكم هو إنشاء كانتون بدل الدولة وميليشيا بدل الجيش، واسألوا الناس إن كانت تريد ذلك وتوافق على ذلك، ونقول الناس، وليس العشرات الذين وقفوا في الشارع، بل الآلاف الذين بقوا في البيوت.
المتربُصون على الكوع ينسون أن زمن بوسطة عين الرمانة قد ولى وأن البلد بات عصياً على الحرب الأهلية.