أولى

الأميركي عالق بين مصالحه والقلق على الكيان

– منذ اصطدام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالعجز عن خوض الحروب كترجمة لسياسة التصعيد التي انتهجها في مواجهة إيران وسورية وقوى المقاومة، والقناعة في المؤسسات الأميركية التي تصنع القرار الاستراتيجي بأن المصلحة الأميركية تتمثل بالانخراط بتسويات تضمن تفادي المواجهات. وقد جاء سقوط طائرة التجسس الأميركية العملاقة بصاروخ إيراني والقرار الأميركي بعدم الرد، ومثله الهجوم على مجمع أرامكو والقرار الأميركي بتفادي الموجهة، بدأ تراجع موجة الاستعداد الخليجي لتلبية طلبات التصعيد مع إيران والتطبيع مع كيان الاحتلال والانخراط النشط في صفقة القرن ومشروع حلف ثلاثي أميركي خليجي مع كيان الاحتلال بوجه ايران وقوى المقاومة.
– جاءت حرب أوكرانيا والمواجهة مع الصين، سبباً لتعزيز خيار الانصراف الأميركي عن التفكير بالمواجهة في المنطقة، وأثبتت تطورات الملف النووي الايراني أن لا طريق لخاتمة للنزاع حوله الا بالعودة الى الاتفاق أو نوع من الاتفاق مع إيران، كما قالت التطورات في سورية أن هوامش المناورة تضيق في الرهان على إسقاط الدولة السورية أو تقسيمها، وكل التأخير في التسويات لا يغيّر من حقيقة أنها طريق إلزامي مهما تأخر، وفيه انسحاب القوات الأميركية واستعادة الدولة السورية وحدتها وسيادتها، دون الحصول على أي تنازلات فشلت محاولات انتزاعها في ذروة الحرب، وأن التأخير الأميركي للتسويات ممكن، لكنه لن يضمن انضباط الدول العربية بسقفه ولا بعودة تركيا الى خيار الحرب.
– تقاطعت هذه الحسابات الأميركية نحو الانكفاء عن خيار المواجهة، مع الوقائع التي ترتبط بضعف كيان الاحتلال وعجزه عن خوض الحروب، والمكانة الخاصة للبحر الأبيض المتوسط في سوق الطاقة بعد توقف سلاسل الإمداد الروسية لأوروبا واعتمادها الحصري على النفط والغاز عبر المتوسط، وجاء ترسيم الحدود البحرية للبنان ترجمة لهذا التقاطع في العجز عن الحروب لكل من أميركا وكيان الاحتلال.
– جاءت المواجهات في فلسطين وقدمت مشهداً مرعباً للأميركيين عن فرضية انزلاق المنطقة إلى حرب تهدّد مصير الكيان وجودياً، ويملك فيها محور المقاومة تفوقاً استراتيجياً، وجاء الاندفاع الخليجي نحو سورية بقيادة السعودية. تزامن كل ذلك مع مشهد انقسام داخلي غير مسبوق في الكيان، وبدأت إعادة النظر الأميركية بمبدأ التهدئة، خشية أن تتحول التنازلات التي توفر التهدئة الى رأس مال لمحور المقاومة يتم توظيفه في أي مواجهة مقبلة مع كيان الاحتلال تسرّع بانهياره.
– ضغط الاميركيون لفرملة الاندفاعة السعودية والخليجية نحو سورية، وقاموا بتفعيل عناصر التصعيد والتخريب في سورية ولبنان، ووضعوا أيديهم على الفراغ الرئاسي في لبنان لمنع وصول رئيس مطمئن للمقاومة، وقاموا برعاية إطلاق موجة إرهابية جديدة في سورية، لكنهم بالتوازي ذهبوا إلى اتفاق مع إيران لم يجدوا بداً من السير فيه، لإطلاق متبادل للمعتقلين وتحرير مبالغ ايرانية ضخمة مجمّدة بفعل العقوبات.
– الأميركي عالق بين خيارين صعبين، السير بالمصلحة الأميركية التي تقوده نحو التهدئة والتسويات، وبالمقابل القلق من انعكاس هذه التسويات مزيداً من الخطر على كيان الاحتلال. وهذا النوع من السياسات يعني فقدان الاستراتيجية، والتعامل بالمياومة مع منطقة شديدة الحساسية والأهمية، يمكن لحدث مفاجئ فيها أن يفرض إيقاعه ويضع السياسات المرتبكة أمام خيارات صعبة.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى