من حق لبنان أن يحتفل

– إذا تحرّرت القيادات السياسية من العصبية والفئوية، وتحرّر مناصروها من التبعية العمياء لما يقوله قادتها، أي إذا تصرّفوا جميعاً كمواطنين لبنانيين طبيعيين، يصبح بإمكانهم أن ينظروا لتدشين أعمال الحفر والتنقيب عن النفط والغاز، بحضور رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة ووزير الأشغال ووزير الطاقة، بمعزل عن الأسماء، كمناسبة وطنية جامعة لكل اللبنانيين الذين تمثّلوا بأعلى مناصب الدولة المعنية رئاسات ووزارات، رغم مرارة غياب وجود رئيس الجمهورية بسبب الفراغ الناجم عن العجز عن انتخاب رئيس جديد. وهذا لا ينتقص من أدوار كل الآخرين الذين ساهموا في صناعة هذا الإنجاز الوطني، علماً أنه لا يمكن إنكار مساهمة الذين شاركوا كل حسب موقعه وتاريخ علاقته بالملف. وفي مقدمة هؤلاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولولا الوحدة التي تحققت حول مطالب لبنان وأسلوب إدارته للتفاوض لما كان هذا الإنجاز.
– الذي جرى في ملف النفط والغاز تاريخي بالنسبة للبنان، ليس فقط لما يفتحه من أبواب للأمل والتفاؤل بتدفق موارد، أقلّ ما يمكن أن تؤمنه بأسوأ التوقعات، هو كميات الغاز اللازمة لتشغيل معامل كهرباء تكفي لبنان لتأمين الكهرباء على مدار الـ 24 ساعة، وتأمين كميات من النفط الخام تكفي بعد تكريرها في المصافي اللبنانية بعد تأهيلها لتغطية حاجات السوق اللبنانية واستهلاكها للمشتقات. وهذا بذاته كافٍ للقول إن الثروة النفطية للبنان تمثل نقطة تحوّل في انتقاله من الانهيار إلى النهوض، فعندما تتوفر الكهرباء بأسعار اقتصادية وتتوفر المشتقات النفطية وبأسعار اقتصادية، تتحرّك شرايين الاقتصاد، صناعة وسياحة وزراعة وخدمات، وتزداد الصادرات ويتحسّن وضع ميزان المدفوعات بمجرد وقف النزيف الناجم عن أكلاف شراء الوقود لإنتاج الكهرباء سواء لكهرباء لبنان أو للمولدات الخاصة، وشراء المشتقات النفطية للأسواق.
– بالقياس لكيفية نجاح لبنان ببسط سيادته على هذه الثروات، والدور المحوري الذي لا يمكن لأحد إنكاره، للمقاومة في فرض توازن رعب وصلت فيه المنطقة إلى حافة الحرب، فإن لبنان لم يحقق هذا الإنجاز بالصدفة، ولا هو حصل على هدية، بل من حق لبنان أن يتصرّف كمنتصر في حرب خاضها، من خلال مقاومته وانتزع بنتيجتها ثرواته السليبة والمهددة. وبفضل هذه المقاومة تستمر معادلة الرعب التي توفر الحماية لأعمال التنقيب ولاحقاً لأعمال الاستخراج، وبقياس الأهمية والكيفية، أهمية هذه الثروات وكيفية تحريرها، فمن حق اللبنانيين أن يحتفلوا وهم يرفعون رؤوسهم، ولا يعايرون بعضهم بعضاً، بحدود مشاركة كل منهم في تحقيق الإنجاز، حتى لا تموت القيمة المعنوية لما تحقق.

التعليق السياسي