إعلام وإعلاميون أقوى من الفتنة…
} خضر رسلان
إثارة الفتن والتصويب على جهات محدّدة بهدف تضليل الرأي العام أولاً ومن ثم العمل على جرّه بطريقة غرائزية خدمة لأجندة مرسومة سلفاً من خلال تصريحات وتقارير وأفلام ملفّقة ومزوّرة لا تقف عند حدود بلد معيّن. فالعالم بأسره مرتبط بمنظومة علاقات ومصالح يؤثر بعضها في البعض الآخر يلعب فيها بعض الإعلام دوراً أساسياً في إطار هدف تعمية الرأي العام في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتاريخية.
الكثير من وسائل الإعلام ومن الإعلاميين والعديد من الكتبة ممن امتهنوا صناعة المحتوى استطاعوا قلب الحقائق خدمة لأهداف قد تمّ تجنيدهم لأجلها ضاربين عرض الحائط بكلّ المعايير المهنية والموضوعية التي هي أساس الهوية للعاملين في الصحافة والإعلام. ومن اليسير على كلّ مراقب ومتابع ان يلحظ الفروقات الواضحة بين الصحافي والإعلامي والمؤسسة الإعلامية التـي تراعي في أدائها المعايير المهنية والموضوعية، وتأخذ في عين الاعتبار خطورة ما يُكتب او يُذاع او يُبث عبر الأثير، والأثر الذي يترتب عنه سواء أكان إيجاباً أم سلباً على المستوى الوطني وخصوصاً في بلد مثل لبنان حيث الطوائف العديدة والأحزاب الكثيرة والمناطقية والعشائرية، وبين تلك المؤسسات الإعلامية الهزيلة المرتهنة للمال او المأسورة لأحقاد دفينة تبث سموماً وغايتها التأثير فـي المتلقي وأخذه وفق أهواء مشغّليها، ولو على حساب الحقيقة!
السؤال الذي يطرح نفسه وفي ظلّ سيطرة رأس المال المدعوم أميركياً على معظم الوسائل الإعلامية مضافاً اليها الكمّ الهائل من الإعلامييين والصحافيين والمحللين السياسيين الذين يلعبون أدواراً خطيرة وينفخون في أبواق الفتنة في الكثير من الاستحقاقات والأحداث! هل المطلوب تكوين مجموعة ولو كانت هائلة لترفع الصوت ضدّ الفتنة؟ أم المطلوب تشكيل نواة صلبة تضمّ إليها كلّ الإعلام ومؤسساته والناطقين باسمه لكي يكون المسعى والهدف الرقيّ في الإعلام المقاوم ليصبح اقوى من الفتنة؟
الوقوف ضدّ إعلام الفتنة والحديث عن قانون الإعلام وعن المهنية والشفافية واستنكار ما يرتكبه المخالفون وتكرار القول إنّ فعلهم مناقض للمواثيق والنظم الإعلامية لن يكون رادعاً او مانعاً في الاستمرار في غيّهم وبث سمومهم، سواء كانوا ممن عملوا وما زالوا تحت عباءة جيفري فيلتمان الذي قالها في صريح العبارة وفي شهادة علنية انه جنّد الكثيرين ومن ضمنهم مؤسسات إعلامية وإعلاميين لتشويه صورة حزب الله واستخدام الأضاليل وفبركة الأكاذيب التي تساعد في صنع رأي عام معاد للمقاومة؟ وهل وقوف الإعلام والإعلاميين ضدّ الفتنة سيمنع تكرار ما اقترفته الولايات المتحدة الاميركية حينما لم ترَ أهمّ من الوسائل الإعلامية لتوظيفها من أجل تضليل الرأي؟ ونحن عايشنا تشريع غزو العراق عام 2003 بتهم واهية لم يكن لها أساس، وكيف ساهم الإعلام بشكل كبير جداً في التدمير والمجازر والدماء التي سُفكت في العراق دون رحمة باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان!
هل الوقوف ضدّ الفتنة سيمنع الانتشار الهائل لمنتحلي الصفة الإعلامية والصحافية والكتبة المدفوعي الأجر، إضافة الى الكمّ الهائل من المحللين السياسيين الذين يتصدّرون الشاشات والمواقع والمبرمَجين بتعليمات مشغليهم في ظلّ غياب ايّ تأثير للسلطات المحلية المسؤولة سواء منها الرقابية أو وزارة الإعلام او المجلس الوطني للإعلام التي من مهامها ضبط وتصويب الانحرافات الخطيرة التي تشهدها الساحة الإعلامية وتهدّد في كثير من الأحيان السلم الأهلي في لبنان.
المطلوب في حالات التحدي والمواجهة صناعة القوة وبناء القدرة التي تستطيع ان تكون نداً وتُسقط كلّ مشاريع التضليل وتشويه الرأي العام، وعند وقوع حدث ما لا يكفي ردّ التهمة والدفاع عن الموقف بل لا بدّ من تشكيل نواة إعلامية وسياسية مهمتها المواجهة المباشرة ولا يترك الميدان لمن يريدون تضليل الرأي العام ومثال على ذلك:
1 ـ حادثة الكحالة: إعلاميون أقوى من الفتنة عندما يبادرون مباشرة الى تفنيد كذب ادّعاءات من يريد التصويب على المقاومة مستخدمين كلّ المنصات المتاحة لأنّ هذه الوسائل يمكن الاستفادة منها في سهولة وفي هذا السياق لا يكفي التهكّم على من ادّعى عبر أحد المواقع الإخبارية انّ الشهيد احمد القصاص الذي قضى نتيجة التحريض الإعلامي والحزبي على كوع الكحالة انه قد أوتي به “ميتاً” مع استعماله عبارة لا تحترم مشاعر أهله وأحبّائه، في هذه الحالة الإعلام لكي يصبح أقوى من الفتنة يجب فضح هذا المدّعي بالإكثار من الأشرطة الواضحة التي توثق لحظة سقوط الشهيد وحين يتمّ نشرها وفضح ادّعاءاته توأد الفتنة بفرض إعلام أقوى منها.
2 ـ تفعيل الذاكرة التاريخية: لا شك أنّ وجود نواة إعلامية تحفر لدى الجمهور موبقات ما اجترحته دوائر القتل والإجرام بدءاً من اغتصاب فلسطين الى حصار ما يُسمّى قانون قيصر وما رافقه من إجرام وقتل ومجازر والذي ما كان ليحصل لولا المؤازرة والمشاركة من شخصيات وإعلاميين ونافذين وهم ما فتئوا يتبجّحون مردّدين شعارات الحرية والسيادة وما شابهها من شعارات فارغة،
إعلام وإعلاميون ضدّ الفتنة لكي يصل الى مبتغاه لا بدّ له من تشكيل نواة صلبة وفاعلة تمتلك التجربة والوسائل المعرفية الحديثة ومتسلحة بذاكرة تاريخية تكون مادة دسمة تؤرّخ ما جرى من أحداث ومواقف القوى والشخصيات منها لتعزز بذلك خطاباً إعلاميا أقوى من الفتنة…