«ذخيرة سمع»… موسيقى ضائعة بأسلوب مبتكَر

ياسمين كرّوم

يختصّ عمل فرقة «ذخيرة سمع»، لتقديم الجمل الموسيقية التي ترد عادة ضمن الأغنيات الشعبية المنتشرة، من دون أن تأخذ حقّها الفنّي الكامل في الإصغاء والتذوّق الفنّي. ولذلك، تقوم هذه الخلية الإبداعية بجمع الجمل التي تحقّق هذا الشرط، لإعادة استثمارها بشكل أفضل من الناحيتين الموسيقية والتقنية، بحيث تخرج إلى الجمهور بطريقة أجمل وأكثر وضوحاً.

وتعوّل الفرقة في نجاح مشروعها على الذوق الفنّي الفطريّ لدى الجمهور، والذي يلتقط دائماً ما هو أصيل ومتقن، لتلقي بعيداً بأيّ جملة نشاز من الناحية السماعية. إذ أكد يوسف سقا مؤسّس الفرقة في حديثه لنشرة «سانا الشبابية»، أن الجمل الموسيقية على اختلاف الطريقة التي تطرح فيها، تستحق الاهتمام. ولذلك قرّر الشباب في الفرقة أن يكرّسوا جهدهم لجمع الجمل الموسيقية الجميلة، مما يأتي ضمن مقطوعة موسيقية رديئة لم تحقق الانتشار المطلوب، لتضاف إلى الرصيد السمعي الخاص بالأغاني الشعبية.

وأضاف سقا أنه يمكن لهذا النوع من الموسيقى أن يعاد إخراجه بذوق موسيقيّ أكثر عمقاً واتقاناً، من دون أن يضاف إلى التراث الموسيقيّ المحليّ. وهو الأساس الذي قام عليه مشروع الفرقة قبل شهرين. إذ يجري العمل على أغنيات تصنّف ضمن مستوى القاع الموسيقيّ، البعيد تماماً عن الصفوة الفنية. مثل أغنية «شوفير القمارة» التي تضمّ جملاً موسيقية جميلة أضيفت إلى وصلة كاملة من موسيقى «الدلعونا» الشعبية، ودُمجت بها لتقدّم كعمل فنيّ جديد، نال استحسان الجمهور.

وتسعى الفرقة، بحسب قول مديرها، إلى عزل الجمال الموسيقي في هذه الجمل عن الإطار السيئ الذي أتت ضمنه. وبالتالي يمكن للجمهور الاستمتاع بها من جديد، ضمن قالب موسيقيّ آخر يكفل لها الوصول إلى وجدان الجمهور وتحصيل موقع جيد في ذوقه الفنيّ. مؤكداً أن لا فِرَقَ في سورية تركّز على هذا النوع من العمل الموسيقيّ، ولذلك كان الانطلاق فيه عبر رؤية بعيدة المدى تكرّس بصمة خاصة للفرقة في عالم الموسيقى.

حسام جنيد وعلي الديك قدّمتهما الفرقة بأسلوبها الشبابيّ المتميّز، من دون نسيان فريد الأطرش ووديع الصافي، وكل من له علاقة بتراث الأغنية العربية. في محاولة للتنويع وتغطية جميع الألوان الموسيقية بأسلوب محبّب قريب من الجمهور الباحث عمّا هو تراثيّ وأصيل.

وتقدّم الفرقة مقاطع موسيقية وأغنيات من تأليفها الخاص، ظهرت بواكيرها عبر أغنيتَي «سيريا» و«ذخيرة سمع» التي يرى فيهما سقا تعبيراً صادقاً عن المجموعة وشكلها الحقيقي بعازفيها ومؤلّفيها.

وأشار سقا إلى أنّ الفرقة استطاعت في أغنية «ذخيرة سمع» أن تلملم جملاً من تراثنا الشرقي، وتدمجها مع تقاسيم تشبه الموسيقى الأندلسية وموسيقى غربية، لتخلق في نهاية المطاف توليفة خاصة بها، تجسّد مشروع الفرقة بشكل حقيقي.

وأكّد عازف العود وضّاح عيزوقي أهمية تنويع الآلات الموسيقية ضمن الفرقة التي تضمّ تسع آلات. تشمل، إضافة إلى العود والغيتار، التشيلو والكونترباس وآلات الإيقاع. موضحاً أنه يجري حالياً البحث عن عازف ترومبيت لتقديم موسيقى أكثر ثقلاً من الناحية التقنية، تكون في الوقت نفسه قريبة من الناس ليتفاعلوا معها بالشكل الذي يخدم رؤية الفرقة.

وفي كل حفلة، يجري اختيار آلات معينة لتشارك في تقديم الأغنيات بما يليق بروح الكلمات والنغمات الخاصة بها. وأشار عيزوقي إلى عدم وجود معيار لاختيار الأغنيات التي يعاد توزيعها من قبل الفرقة، فالمهم بالنسبة إليهم، وجود جملة موسيقية يشعرون أنها تخدم الغاية التي يعملون لأجلها.

وقال: «منذ انطلاقتنا الرسمية، أحيينا حفلات كثيرة ضمن أماكن صغيرة، إضافة إلى عدد من المسارح التي ضمّت جمهوراً واسعاً. لكن حال فرقتنا كحال عددٍ من الفرق الناشئة، تحتاج دعماً مادياً ورعاية من قبل المهتمين، لنتفرّغ بشكل كامل للعطاء الموسيقيّ. فكلنا نحلم بتقديم كلّ جديد للشباب الذين يتقبلون أنماطاً مبتكرة تقوم على توزيع جديد لأغنيات مألوفة، بحيث نعطي الحركة الموسيقية حقّها، من دون حشو أو استعراض لا معنى له».

واختتم بالإشارة إلى تجاوب الجمهور الكبير مع ما تقدّمه الفرقة من خلال قراءة لغة الجسد، والتماهي مع اللحن والأداء المرتبط بالعزف، أو الغناء الذي تؤديه المغنية الصاعدة إينانا حسين التي تملك مساحة صوتية تناسب توجّه الفرقة، وسط إصرار كبير على متابعة ما بدأت به، لا سيما أنها قادرة على تقديم برنامج فنّي تفوق مدّته ساعتين، من دون أن تفقد تركيز الجمهور أو اهتمامه. الأمر الذي يعتبره عيزوقي ميزة أخرى تضاف إلى مواهب الفرقة وإمكانياتها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى