قواعد الاشتباك تفرضها المقاومة ومعادلتها الذهبية…
} حسن حردان
منذ ما قبل وبعد إصدار قرار مجلس الأمن الدولي 1701 لوقف العمليات العسكرية في الجنوب اللبناني، على اثر نجاح المقاومة بإلحاق الهزيمة المدوية بجيش الاحتلال الإسرائيلي، والمحاولات الأميركية الغربية لتعويض الفشل الإسرائيلي في سحق المقاومة لم تتوقف، وهذه المحاولات توسّلت إعطاء قوات اليونيفيل حرية التحرك في الجنوب من دون التنسيق مع الجيش اللبناني، وذلك في سياق العمل على فرض قواعد للاشتباك جديدة تقيّد وتحدّ من حرية حركة المقاومة، والعمل على تحويل مهمة قوات اليونيفيل من قوة مراقبة وقف العمليات العسكرية، والخروقات للقرار 1701 على جانبي الحدود، إلى قوة احتلال في جنوب نهر الليطاني لمراقبة ومداهمة مراكز المقاومة، ونزع سلاحها، وبالتالي تحقيق الأمن لكيان الاحتلال الإسرائيلي..
غير أنّ هذه المحاولات فشلت على مدى السنوات الماضية، إلى أن حصل وتمكنت واشنطن وحلفاؤها الغربيون من تمرير تعديل القرار في مجلس الأمن، العام الماضي، في غفلة، أو تواطؤ من مندوبة لبنان، قضى بإعطاء اليونيفيل حرية التحرك في جنوب الليطاني من دون التنسيق مع الجيش اللبناني.. وقد حاولت الدبلوماسية اللبنانية بالأمس، ولو متأخرة تعديل هذا القرار لكنها فشلت، حيث أقرّت صيغة أميركية غربية مبتكرة، بتحريض إسرائيلي، تعطي اليونيفيل حرية الحركة من دون أخذ إذن لبنان المسبق، مع إضافة عبارة ومواصلة التنسيق مع الحكومة اللبنانية، وهذا دلل على فشل جديد للدبلوماسية اللبنانية، وكشف أنّ رهان هذه الدبلوماسية على بذل الجهود لتعديل الموقف الأميركي الغربي وجعله يعتمد صيغة تحفظ للبنان سيادته على أراضيه، وتجعل اليونيفيل ملزمة بالتنسيق المسبق، في ايّ تحرك لها، مع الجيش اللبناني، رهان خاسر، لأنّ أميركا والغرب لم ولن يكونوا يوماً منحازين إلى جانب لبنان، وإنما كانوا دائماً وسيظلون يدعمون «إسرائيل» واحتلالها على حساب لبنان وحقه بمواصلة مقاومته لتحرير أراضيه والدفاع عن سيادته في وجه الاعتداءات والانتهاكات والأطماع الإسرائيلية في أرضه وثرواته المائية والنفطية والغازية…
ولهذا فإنّ الخلل الخطير في موقف الدبلوماسية اللبنانية إنما يكمن في مواصلة سياسة الرهان على إقناع أميركا والغرب بدعم موقفه، بدلاً من العمل منذ البداية على بذل الجهود مبكراً للتنسيق مع الدول التي يمكن أن تساند لبنان في موقفه، وتقف حائلاً دون تمرير ايّ صيغة تمسّ بسيادة لبنان، وهذه الدول هي روسيا والصين اللتين تملكان حقّ النقض الفيتو لتعطيل ايّ صيغة لا يقبل بها لبنان.. ولأنّ لبنان لم ينسّق مسبقا مع روسيا والصين اضطرت هاتان الدولتان إلى الاكتفاء بالامتناع عن التصويت لصالح القرار الجديد لأنه لم يأخذ بالتحفظات اللبنانية…
لكن السؤال الذي يُطرح في ضوء ما تقدّم: هل ستتمكن اليونيفيل من القيام بدور أمني يعيق حركة ونشاط المقاومة، كما يهدف القرار بإعطائها حرية التحرك من غير أخذ الإذن المسبق من الحكومة اللبنانية، وبالتالي من دون التنسيق مع الجيش اللبناني؟
الجواب الأكيد هو أنّ اليونيفيل لن تستطيع ذلك، ايّ انها لن تتمكن من تغيير قواعد الاشتباك لمصلحة العدو الإسرائيلي الذي فشل بكلّ قوته العسكرية الضخمة والمدمّرة والأكثر تطوراً في المنطقة من فرض قواعده والقضاء على المقاومة، او بالحدّ الأدنى إبعادها عن التواجد في جنوب الليطاني وتحويل هذه المنطقة بعمق 22 كلم عن الحدود إلى منطقة منزوعة من سلاح المقاومة وتحت سلطة اليونيفيل لتشكل فيها حاجزاً أمنياً يحمي أمن كيان الاحتلال الصهيوني..
وفي هذا الإطار هناك عاملان يحولان دون تمكن اليونيفيل من تحقيق الحلم الإسرائيلي بفرض منطقة أمنية عازلة وخالية من ايّ وجود للمقاومة وسلاحها، وهما:
العامل الاول، قوة المقاومة التي ازدادت كماً ونوعاً، وباتت قادرة على ردع العدوانية الصهيونية، وفرض قواعد الاشتباك التي تحمي لبنان وتمنع العدو من الاستقرار في الأراضي اللبنانية المحتلة..
العامل الثاني، الاحتضان والتأييد الشعبي الواسع الذي تحظى به المقاومة في جنوب الليطاني وعموم الجنوب، والذي يحول دون قدرة اليونيفيل على لعب الدور الأمني المطلوب منها إسرائيلياً…
وفي هذا السياق فإنّ قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله كان قد استبق قرار مجلس الأمن، بالتأكيد انّ مثل هذا القرار سيبقى حبراً على ورق، لأنّ الأهالي سيتكفلون بمنع تنفيذه على الأرض، كما فعلوا على مدى السنة الماضية وأجبروا قوات اليونيفيل بالعودة إلى التنسيق مع الجيش اللبناني في اي تحرك لها، في ايّ مدينة أو بلدة جنوبية…