حزب الله يكسر «تابو» الخطاب مستشعراً الخطر

عامر نعيم الياس

قلبت الأزمة اليمنية المعطيات على الساحة العربية. لبنان لم ينأَ بنفسه عمّا جرى في سورية، فالقرار الرسمي اللبناني ـ وإن لم يكن بوضوح الموقف الخليجي ـ إلا أنه يؤيد بشكل لا لبس فيه أي خطوة وسياسة وتوجّه خليجي في المنطقة، وإن كان توصيف «النأي» لا يزال محبباً ومطلوباً استعماله عندما يبدأ المسؤولون البنانيون المصرّح لهم اعتلاء منابر العرب والغرب الكلام في شؤون المنطقة.

نهاد المشنوق وزير الداخلية اللبناني، خرج من جلسة حوار مع حزب الله مباشرة إلى حفل تكريمي ورفع سقف الخطاب. ردَّ بما يناسب العسيري، السفير السعودي في بيروت، ويرضيه، فهو ومن معه من أهل بيروت وغيرها من طائفة أبناء المدن «سيمرغون أنوف» من يجرؤ على المملكة «بالتراب». المشنوق أعلن في آذار الماضي في حديث لصحيفة «الشرق الأوسط» السعودية عن «احتمال عودة التفجيرات والاغتيالات إلى لبنان». وفي كانون الثاني كان قد زار الولايات المتحدة والتقى «كبار المسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية ووزارة الأمن الداخلي» في سعيه إلى الحصول على تمويل لقوى الأمن الداخلي في لبنان، الذراع الرسمية داخل الدولة اللبنانية، وفي بنية مؤسساتها الأمنية لتيار المستقبل الذي تلقى «مساعدات مالية غير مشروطة من الأميركيين بلغت 100 مليون دولار منذ عام 2007 حتى الآن»، وفقاً لمدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن ديفيد شينكر.

يستشعر حزب الله الخطر الوشيك، ويحاول قطع الطرق على بلوغ الصلف السعودي والتطوع اللبناني في فريق «14 آذار» لترجمته بتصريحات نارية وتهديدات فارغة، إلى حدٍّ لا تنفع فيه أي دعوة للتهدئة. فما حصل في اليمن وترابط ساحات التدمير لدى صانع القرار السعودي، سينعكس حتماً في العراق وسورية وغيرها وربما لبنان على رغم وجود ما يسمى بالمظلة الدولية الرافضة للتفجير في لبنان. فالأرقام تقدّر عدد مقاتلي «داعش» وحدهم المتمركزين على الحدود الشمالية الشرقية اللبنانية مع سورية بحوالى خمسة آلاف مقاتل، من دون أن نغفل «جبهة النصرة» والبيئة الحاضنة «للجهاد المقدّس» في سورية من قبل بعض اللبنانيين، سياسيين كانوا أم قاعدة شعبية اجتماعية. فضلاً عن أن عوامل الخلاف في تنظيمات «القاعدة» في لبنان وصراعها، تنتفي بسبب إجماعها على مواجهة «حزب الله» أولاً، وثانياً كون لبنان قاعدة خلفية لـ«القاعديين» من مختلف المشارب، يملكون فيها غطاءً سياسياً يتجاوز عند وليد جنبلاط المكفّرة طائفته في سورية، مثيلها عند المشنوق وخالد الضاهر.

في مواجهة ما تقدّم، كسر حزب الله «التابو» الإعلامي ضد الرياض وهاجمها في بيان رسمي يعكس موقف الحزب وتوجهه في المرحلة المقبلة من محاولات الرياض حصاره سياسياً داخل لبنان رهاناً على التلويح بورقة عدم التفجير، بمعنى أن الرياض التي تدرك أن التفجير في لبنان ليس مقبولاً اليوم وعلى المدى المنظور، تريد عزل حزب الله سياسياً وإعلامياً، وزيادة نفوذ المرتبطين بها إلى الحدود القصوى لإحداث التغيير العلني في الموقف السياسي الرسمي للدولة اللبنانية. لكن الحزب الذي يطلّ أمينه العام اليوم للمرّة الثالثة للحديث عن الأزمة اليمنية تحديداً، أراد تهيئة الأجواء لإدارة جديدة للعلاقة مع السعودية تبدأ من داخل لبنان قبل ساحات المواجهة الأخرى، إذ وصف بيان صادر عن الحزب آل سعود «بنظام الجهل وتصدير الإرهاب والمتطرفين والأفكار الشاذة والمتشددة الذي يحكم في الجزيرة العربية».

واضحٌ أن مناخ الحوار بين حزب الله و«المستقبل» ليس على أحسن حال، لكن الحوار لا يزال مطلوباً، والإجماع الداخلي اللبناني على عدم التفجير والذهاب بعيداً في المغامرة هو أيضاً موجود. لكن الذهاب إلى بعض التصعيد الداخلي صار مطلوباً على الأقل من الرياض التي أضحت تأمر علناً وسائل الإعلام الللبنانية بإخضاع دوراتها البرامجية للرقيب السعودي، أو بعض ما تبقى منها لا يتلقَ مالاً سعودياً، أمور لا تلق قبولاً من حزب الله الذي سيرسم عبر خطاب أمينه العام الساعة الخامسة عصراً من مساء اليوم الخطوط العريضة للتعامل مع المملكة وألسنتها في الداخل، في محاولة لكبح جماح اندفاعة نحو التفجير. يملك فريق «14 آذار» فقط منبراً إعلامياً فيها، فيما الميدان لا يريد من يملكه وضع الآخر في مواجهة التراب.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى