أولى

حلّ مشكلة الكهرباء… من يُعرقله؟

‭}‬ أحمد بهجة*
بادر وزير الطاقة الدكتور وليد فياض إلى حلّ قضية باخرة الفيول، بعد الجواب السلبي الذي تلقاه من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتواصل مع الشركة المورّدة التي وافقت على استرداد الباخرة من دون تحميل لبنان أيّة تكاليف.
من عادة الوزير فياض التعاطي الإيجابي والتركيز على الأخبار الطيبة التي تعطي بعض الأمل، لكنه في مؤتمره الصحافي بالأمس اضطر أن ينقل إلى اللبنانيين خبراً سلبياً مفاده أنّ رئيس الحكومة ردّ على رسالته بخصوص باخرة الفيول رافضاً تسلّم الباخرة، الأمر الذي يشكل خسارة جولة في مسار تنفيذ خطة الطوارئ للكهرباء، ويعني المزيد من الدعم لقطاع المولدات الخاصة بدلاً من كهرباء الدولة الأقلّ كلفة والأكثر كفاءة اقتصادياً.
غير أنّ إيجابية وزير الطاقة بقيت طاغية في حديثه إذ أكد مجدّداً الاستمرار في خطة الكهرباء في سبيل تأمين أدنى الحقوق للمواطنين أيّ زيادة التغذية الأوفر كلفةً في جميع الحالات من المولدات الخاصة”.
وشرح الوزير فياض المشكلة التي طرأت نتيجة استقدام باخرة الفيول، وقال: “بعدما استبشرنا خيراً بانطلاق لافت في خطة الطوارئ لقطاع الكهرباء، وبعدما قام أغلب أبناء الشعب اللبناني بما عليهم وتحمّلوا أعباء ثقيلة وظهر حجم ثقتهم وحاجتهم للنهوض بهذا القطاع ورغم كلّ المعوقات والصعوبات، شعرنا لبرهة أننا نسير نحو استعادة هذا القطاع لعافيته، وحيث أننا تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الذي أقرّ لنا سلفة خزينة بـ 300 مليون دولار واستكمالاً لمندرجاته قمنا بإجراء مناقصة بلحاظ قانون الشراء العام طلبنا بموجبها شحنتي غاز أويل (٦٦ ألف طن) لزيادة ساعات التغذية، حيث انّ الفيول العراقي والذي يشكل الرافد الأساسي لمعامل الكهرباء اليوم لا يكفي سوى لإنتاج 500 ميغاوات أيّ أنه يعطي حوالي 4 ساعات تغذية يومياً كحدّ أقصى، وعليه وبعد وصول الشحنة الأولى والتي كانت ستؤدّي الى زيادة فورية لساعات التغذية فوجئنا بعدم قيام حاكم مصرف لبنان بالإنابة بفتح الاعتماد المستندي الذي كان قد وافق على فتحه وزير المال، وإذ برئيس الحكومة يقوم قيامته ويتهمنا بالخطأ وانه لا يمكن شراء أايّ باخرة خلافاً لما كانت أقرّته الحكومة”.
ولوضع الرأي العام في الصورة الكاملة لهذه المسألة أورد الوزير فياض تفاصيل المسار الذي أوصلنا إلى ما نحن أمامه اليوم:
– الخطة الوطنية للنهوض المستدام بقطاع الكهرباء، تلتها خطة الطوارئ وموافقة مجلس الوزراء عليها وعلى تمويلها بسلفة خزينة.
– العمل مع اللجنة وإجراء المناقصات للفيول التي زادت التغذية وحسّنت الجباية وآخرها زيادة التغذية الى 6 ساعات في بيروت.
– آخر مناقصة في نفس الإطار رست على DMCC ENERGY CORAL بعد عدة محاولات وذلك للحصول على أفضل سعر.
ـ أبلغنا اللجنة ولكن لم يأتِ جواب ولم نتلقّ اي اعتراض، فَسِرنا بالعقد.
ـ اليوم، وبعد التغيير في حاكمية مصرف لبنان حصل تمنّع عن فتح خطاب الاعتماد اللازم لها رغم وجود رصيد كاف في سلفة الخزينة (102 مليون دولار)، وفي حساب الكهرباء (ما يعادل 4000 مليار ليرة) أيّ ما قيمته أكثر من 40 مليون دولار”.
في ظلّ هذا الواقع، وبعدما لم تبتّ اللجنة في اجتماعها الأخير بمصير الباخرة وتركت التصرّف بها للوزير، وبعد أن تبلغ الوزير فياض من الرئيس ميقاتي نتيجة عقده اجتماعاً مع حاكم مصرف لبنان بالإنابة ومدير عام الكهرباء (علم به الوزير بعد انعقاده رغم ضرورة حضوره في اجتماع كهذا بناءً على المادة 64 من الدستور)، وبعدما قام الوزير باتصالات ومراسلات مع المورّد لتخفيف أيّ أعباء مالية ناتجة عن إلغاء الشحنة أو العقد، بعث برسالة لرئيس اللجنة ورئيس الحكومة عرض فيها تَمسّك الوزارة بالشحنة لما فيه من منفعة تأمين السعر الأوفر بمليون دولار مقارنة مع سعر السوق، وإبعاد خطر العتمة التي أشارت إليها مؤسسة الكهرباء في دراسة المخزون التي عرضتها على اللجنة…
ونتيجة المراسلات مع المورّد وفي حال لم يؤمّن الرئيس ميقاتي والمصرف المركزي فتح الاعتماد اللازم، فإنّ المورّد أبدى الاستعداد لفسخ العقد من دون أيّ تداعيات مالية على الدولة والوزارة والمؤسسة على أن يأتي القرار من الوزارة في مهلة 24 ساعة، وطلبنا توجيهاً واضحاً من رئيس الحكومة في هذا الشأن. وأتى الردّ أنّ فتح خطاب الاعتماد غير مُتاح راهناً وانّ رأي اللجنة ورئيسها هو لإعادة الشحنة وإلغاء العقد، وحمّل الوزير مسؤولية ما سُمّي بالخطأ وهو غير المقصود في هذا الملف”.
هنا طرح الوزير فياض جملة تساؤلات أمام الرأي العام:
– هل الخطأ هو بتنفيذ قرار مجلس الوزراء بتنفيذ خطة الطوارئ ومراسيمها بسلفة الخزينة المعطاة؟
– هل الخطأ هو بإجراء مناقصات عامة بحسب قانون الشراء العام لاستقدام المحروقات وبناءً على طلب مؤسسة الكهرباء لتأمين مخزونها وزيادة التغذية؟
– هل الخطأ هو بالسعي ليلاً ونهاراً لتأمين الفيول اللازم لزيادة التغذية وعدم الوقوع مجدّداً في العتمة؟
– هل الخطأ هو بإيداع أكثر من 4000 مليار ليرة أيّ ما يزيد عن 40 مليون دولار في حساب مؤسسة الكهرباء في المصرف المركزي رهينة دون التمكّن من تحويلها إلى دولار لدفع المستحقات وخلافاً لقرار مجلس الوزراء رقم 15 تاريخ 26/5/2023 الذي يوجب ذلك ويحدّد آلية واضحة للتحويل؟
– هل الخطأ هو بالمطالبة بفتح خطاب اعتماد وافق عليه وزير المال؟”
بالرغم من كلّ ما سبق يبقى الخطأ هو بعدم انتظار موافقة لجنة لم يدعُ لانعقادها رئيسُها بعدما تبلغ بنتائج المناقصة قبل أكثر من 10 أيام. وهنا قال الوزير فياض: نعم يا دولة الرئيس نتمنّى ألا نكون قد اخطأنا عندما ظننّا انّ القيام بقطاع الكهرباء ممكن وأنكم ومن موقعكم ستساعدون على إنجاحه بدل تأخيره. نتمنّى ألا نكون أخطأنا عندما شعرنا بواجبنا الوطني وأجرينا مناقصة واضحة وشفافة لشراء المحروقات اللازمة لمعامل الكهرباء،
نتمنى الا نكون أخطأنا عندما اعتبرنا انّ من حقّ الشعب اللبناني زيادة ساعات التغذية حيث انه يدفع ثمنها من لحمه الحيّ لأمله الخلاص من جحيم المولدات الخاصة، نتمنى ألا نكون أخطأنا عندما اعتبرنا انّ كلّ ساعة تغذية إضافية تشكل وفراً حقيقياً على الاقتصاد الكلي نظراً لكون تكلفتها تشكل نصف تكلفة ساعات تدوير المولدات والتي تستورد المازوت بالدولار أيضاً. نتمنى ألا نكون أخطأنا عندما التزمنا بقرار مجلس الوزراء وطلبنا شراء الباخرة من ضمن سلفة الخزينة التي أقرّها”.
ختاماً تمسك الوزير فياض بأنه لم يخطئ بحقّ الشعب اللبناني لأنّ إرادته هي زيادة ساعات التغذية، أما الاتهام بالخطأ فما هو إلا تغطية لخطأ الآخرين، خاصة أنّ الرئيس ميقاتي اعترف في جوابه بصراحة تامة بعدم القدرة على تغطية ثمن شحنة الوقود اللازم للكهرباء… رغم أنّ المبلغ المطلوب مرصود أساساً من قبل مجلس الوزراء عندما أقرّ خطة الطوارئ، وأيضاً هناك نحو أربعين مليون دولار في حساب مؤسسة كهرباء لبنان في مصرف لبنان نتيجة نجاح خطة الطوارئ…!
يبقى السؤال الذي يتكرّر هو نفسه منذ ثلاثين سنة: لماذا يحصل دائماً وضع العراقيل في طريق أيّ خطة حكومية من شأنها أن تنقذ قطاع الكهرباء في لبنان؟ ومن هي الجهة أو الجهات التي لا تريد حلّ مشكلة الكهرباء ولا أيّ مشكلة أخرى حتى وصلنا إلى هذا الحضيض الذي لا خروج منه إلا بقرارات جريئة في مواجهة كلّ المعرقلين سواء كانت العرقلة من الخارج أو أتت من الداخل تلبية لما يريده الخارج؟
*خبير مالي واقتصادي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى