السياسة في خدمة الاقتصاد…
} ميرنا لحود
عملت دول بريكس منذ تأسيسها على تمتين المجموعة عبر اتفاقيات اقتصادية في ما بينها أو مع دول منظمة شنغهاي (منظمة شنغهاي للتعاون SCO هي منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية أوراسية) لتتخلص شيئاً فشيئاً من الهيمنة الغربية «السارقة والكاذبة والناهبة». إنَّ الاقتصاد يحتاج إلى استقرار والاستقرار يحتاج إلى سياسة مبنية على مبادئ وقيَم يُعتدّ بها. في الوقت الذي اعتاد فيه العالم على سياسة السطو والحرمان والأحادية لأميركا وأتباعها، كان لا بدّ من إحداث تغيّر جذري. ويتجلى هذا التغيّر خاصةً بعد قمة بريكس التي انعقدت في جنوب أفريقيا بين ٢٢ و٢٥ آب/ أغسطس المنصرم لهذه السنة ٢٠٢٣.
من التخطيط إلى التحقيق
تتشكل بريكس من خمس دول (الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل). وأضيفت في القمة الأخيرة إلى الدول الخمس ستّ دول وهي إيران والسعودية وأثيوبيا ومصر والأرجنتين والإمارات. ويمكننا القول إنَّ القمة، كما سابقاتها، تتمتع باستراتيجيات «الذكاء الاقتصادي»، ما يعني التخطيط برؤية مستقبلية تساعد على النهوض واستباق الأمور بعيداً عن الضوضاء والتسطيح الإعلامي «الخبيث» المأجور. ونجد بعضوية إيران وبعد 12 عاماً من الانتظار، أنها تحقّق مع كلٍّ من الصين وروسيا ثقلاً متيناً كون هذه الثلاثية هي أيضاً أعضاء في منظمة شنغهاي. وقبل انضمام إيران والمملكة السعودية إلى بريكس، كان لا بدّ من ترميم العلاقات في ما بينهما. لذا جاء الاتفاق السعودي ـ الإيراني تحت رعاية صينية في مارس/ آذار الماضي من هذا العام. علاوة على ذلك، فإنّ إيران والسعودية والإمارات هي في الخليج من أهمّ الدول المنتجة للنفط، ويُلاحَظ أنَّ الهند والصين هما من أكبر المستهلكين للنفط.
إذاً باكورة الطاقة تكمن في «كوكب» الشرق. وهنا بيت القصيد. فإنّ حلقة البترودولار ستتلقى الصفعة وها هي بداية العدّ العكسي لهيمنة العملة الخضراء بعد عقودٍ من الضغوط والابتزاز والتهديد والوعيد في حال عدم الانصياع.
أما السعودية والأرجنتين فكلاهما في مجموعة العشرين وتلقائياً إنَّ كلاً من العضويتين ستعزّز من موقع بريكس بغض النظر عن استياء من هنا وامتعاض من هناك من قبل قادة الغرب المصنفين بـ «الأغبياء الجدد». أمّا أثيوبيا ومصر فأهميتهما تكمن في المشاريع على ضفاف النيل أكثر منه في أي رقم داخلي في الناتج المحلي أو غيره. فالتلاقي سيخفف من حدة المشاكل العالقة بينهما على خلفية سد النهضة أو غيره؛ علماً بأنَّ كلّ مشروع حول المياه في المنطقة هو مصلحة ومنفعة بالنسبة للجميع. ومصلحة الجميع هي من الأمور الهامة لـ بريكس وهذا ما تصبو إليه، لذا فهي تعمل على نزع فتيل المشكلة بين الدول المتصارعة إلى حدّ جمعها ضمن دائرة «الكلّ رابح».
فها هو الذكاء الاقتصادي يقضي على الخلافات ليدفع بالمشاريع ويكون التعاون الثنائي بدايةً لمنصة يتشارك فيها الجميع إلى حدّ أن تصبح ركيزة لمن يرغب بالانضمام مع السنوات المقبلة وبنجاح أكبر حيث لا أحد يهيمن على أحد ولا من منفعة على حساب أحد كما هي العادة مع الغباوة الغربية.
بريكس: «الجزائر حليفٌ موثوقٌ به»
في الجيوسياسة تتحدث التقارير عن الثقة بين الجزائر ودول بريكس وتصفها بالصلبة. ولا يخفى على أحد أنَّ الجزائر تتعرّض للضغوط من قبل بلدان غربية عدة على كافة المستويات والمجالات. «ففي أواخر تموز/ يوليو الماضي، تمَّ لقاءٌ أمنيٌ في تل أبيب ضمَّ أجهزة استخبارات لكلّ من الإمارات والمغرب والصهاينة وفرنسا» إنّ الجزائر في دائرة الاستهداف لهذا النوع من اللقاءات السرية خاصةً في أفريقيا. فالجزائر رافعة الراية الفلسطينية وتدعم البوليساريو وسورية ولا تقبل بأيّ تدخل في أفريقيا على حساب الشعب الأفريقي، ما يزعج تحديداً الصهاينة وفرنسا. ويزاحم الثنائي الجزائر في أفريقيا لأنها سبّاقة في المبادرات لصالح الشعوب الأفريقية ولن تدخل في مقايضات كما يشتهي الفرنسي والصهيوني.
إنَّ تاريخ الجزائر يشهد على مواقفها، لذا فدول بريكس تثق كلّ الثقة بمواقف الجزائر. لقد عبّر وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف عن ميزات الجزائر مشدّداً على أنَّ «البلد يمتاز بقيم تتوافق مع ما نؤمن به». كلّ ذلك يساعد على التوصل لخلاصة بأنَّ الجزائر قد تنتظر للانضمام إلى بريكس حتى ولو طال الانتظار. لا تخاف الجزائر من إعلان مواقفها ولن تذهب إلى اتفاقيات قد تقيّدها لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا حتى أمنياً. فهي قادرة على النهوض بالاستناد على علاقات شرقية والغرب هو من يحتاج إلى الجزائر وإلى الثروات الأفريقية والشرقية.
عندما تتكلم الأرقام
تصمت الألسنة الخبيثة
في مقاربة سريعة ببعض الأرقام التي ترسم ملامح الذكاء الاقتصاد العالمي، تضمّ بريكس 36% من الأراضي والمساحات مقابل 16,1% لمجموعة الدول السبع. وتشكل بريكس 45% من مجموع سكان العالم مقابل 9,7% لمجموعة الدول الصناعية الكبرى. تشير الأرقام إلى أنَّ مخزون الطاقة يوازي 44,4% مقابل 29,9% للجهة الأخرى الكبرى. أمَّا الصناعة فتشكل 38,3% من الصناعة العالمية مقابل 30,5% للطرف الآخر. أمَّا القمح فقد وصل إلى 48,7% والأرُزّ إلى 45% مقابل 18,1 و2,6% للدول الصناعية الكبرى. وفي ما يتعلق بـالألومينيوم العالمي فإنَّ بريكس تنتج 79,2% و 30’7% من الذهب مقابل ١،٣٪ و ١٢،٢٪ لمجموعة السبع. مع هذه الأرقام، نخلص إلى أنَّ بريكس يتقدم على حساب الناتو والاتحاد الأوروبي والأوكوس AUKUS (الاتفاقية الثلاثية بين أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة).
إنَّ دول بريكس هي انتصار لروسيا أولاً ولتعددية الأقطاب ثانياً وبفضل الصمود خاصةً للدولة السورية التي هي حجر الأساس لكافة ملاحم الانتصارات على نطاقٍ دولي لروسيا ولمحور المقاومة. قد تُرتكب الحماقات من قبل الناتو والصهاينة لأنهم ينكبّون على الموت الجماعي ولا يقبلون بالهزيمة لكن الانتصار حتماً لن يكون حليفهم.