مقالات وآراء

حتى لا نبقى رهينة في أيدي من يحاصرنا…

‭}‬ أحمد بهجة*
في زيارته الأخيرة إلى لبنان قبل عشرة أيام أكد وزير خارجية إيران الدكتور حسين أمير عبداللهيان مرة جديدة أنّ بلاده على أتمّ الاستعداد لمساعدة لبنان في مجالات كثيرة، لا سيما في مشاريع حيوية تقدّم للبنان عوْناً حقيقياً في مواجهة الضائقة الكبيرة التي يمرّ بها اقتصاده وشعبه.
يعرف المتابعون أنّ ما طرحه الوزير عبداللهيان ليس جديداً، بل سبق لطهران في مراحل عديدة أن قدّمت للبنان عروضاً للمساعدة في مجالات مختلفة. بدءاً من مساعدة الجيش اللبناني بكلّ ما يطلب من عتاد وذخائر موجودة في إيران، وقد ذهبت وفود عسكرية لبنانية إلى طهران، وكان أحدها برئاسة نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل في عهد الرئيس الأسبق ميشال سليمان، وجالت تلك الوفود على عدد من مصانع السلاح في إيران واختارت بعض الأنواع منها، ولبّى الجانب الإيراني طلبات الوفد اللبناني وتمّ توضيب كميات كبيرة تمهيداً لشحنها إلى بيروت، لكن بعد عودة الوزير مقبل والوفد جرت اتصالات اعتذر فيها الجانب اللبناني وتراجع عن قبول الأسلحة الإيرانية، والحجّة الدائمة هي العقوبات المفروضة على إيران، علماً أنّ الأمر لا يتعلق بعمليات بيع وشراء أسلحة، بل هي هبات دون مقابل وهذه لا تخضع للعقوبات على الإطلاق.
ومع أنّ الأمر غير مبرّر بأيّ شكل، لأنه يتعارض مع مصلحة البلد وسيادته، لكن يمكن أن يكون مفهوماً طالما أنه يتعلق بالأسلحة، أما أن يتكرّر في مجالات مدنية أخرى فهو غير مبرّر ولا مفهوم، إذ كيف يمكن لمسؤول يعتبر نفسه مسؤولاً أن يرفض هبة تتعلق بحلّ مشاكل الناس الحياتية اليومية كتأمين الكهرباء من دون تحميل المواطنين أعباء إضافية لم يعُد بمقدورهم تحمّلها، وأيضاً من دون المسّ بما تبقّى من عملات صعبة في الخزينة العامة، بل يتكفل الجانب الإيراني ببناء معملين بقدرة إنتاجية تصل إلى 2000 ميغاوات، إضافة إلى تجديد محطات التحويل وشبكات التوزيع بما يضمن تأمين الكهرباء للمواطنين لساعات طويلة قد تصل إلى 24 ساعة إذا تمّت صيانة المعامل الموجودة حالياً وتأمنّت لها كميات الفيول اللازمة لتشغيلها.
هذه النقطة الأخيرة تكفلت الجمهورية الإسلامية في إيران بحلها أيضاً إذ أبدت الاستعداد لتزويد لبنان بما يحتاجه من كميات الفيول لتشغيل معامل الكهرباء القائمة وتقاضي ثمنها بالليرة اللبنانية، وهو ما كان أعلن عنه سماحة السيد حسن نصرالله قبل سنوات.
ولهذه الغاية قام وفد من وزارة الطاقة بتكليف من الوزير الدكتور وليد فياض بزيارة طهران للإطلاع على مواصفات الفيول الإيراني وعاد بنتائج إيجابية جداً، لكن المسؤولين الغير مسؤولين عندنا لم يحرّكوا ساكناً ولم يتخذوا القرار المناسب في مجلس الوزراء، رغم وعودهم المتكرّرة بوضع بند على جدول الأعمال للموافقة على الهبات الإيرانية، وذلك خوفاً على مصالحهم وأموالهم في الخارج، وليس مهمّاً بالنسبة لهم إذا بقيَ اللبنانيون بلا كهرباء.
وما ينطبق على الفيول، ينطبق أيضاً على كلّ مشتقات المحروقات من بنزين ومازوت وغاز وغيرها، حيث بإمكان لبنان أن يستورد من إيران ما يحتاجه من هذه المشتقات للسوق المحلية، على أن يتمّ تسديد ثمنها بالليرة اللبنانية. ولا شكّ أنّ الكلّ يعلم حجم الكلفة الاقتصادية التي يتكبّدها لبنان نتيجة خروج أكثر من 4 مليارات دولار من سوق القطع سنوياً ثمن محروقات، وما هو مدى الإيجابية على الاقتصاد إذا استطعنا إبقاء هذه المبالغ داخل البلد.
وفيما يعيش اللبنانيون هذه الأيام أجواء التنقيب والحفر في البلوك رقم 9 جنوباً، وينتظرون النتائج بعد فترة لا تتجاوز الشهرين، أبدى الوزير عبداللهيان رداً على سؤال في مؤتمره الصحافي الذي عقده في السفارة الإيرانية في بيروت، كلّ الاستعداد لدى الشركات الإيرانية للمساهمة في أعمال التنقيب والحفر في البلوكات الأخرى، خاصة أنّ إيران هي من أوائل الدول المنتجة للغاز على الصعيد العالمي.
ولا شكّ أنّ وجود شركات إيرانية يعطي ثقة أكبر للبنانيين بنتائج أعمال الاستكشاف والتنقيب والحفر، لأنّ التجربة السابقة مع «توتال» في البلوك رقم 4 غير مشجعة، حيث لم تلتزم بنص العقد الموقع مع الدولة اللبنانية، وأنهت العمل من دون أن تقدّم تقريراً رسمياً بنتيجته إلى وزارة الطاقة اللبنانية.
وانعدام الثقة ناتج أيضاً عن هذه الشراكة القائمة بين «توتال» وكيان العدو، بينما لن تكون هذه المشكلة موجودة في البلوكات الأخرى، حيث أعلن الوزير فياض في أواخر شهر آب الماضي «أنّ البلوك رقم 8 تحرّر بعد الترسيم البحري، وبات بالإمكان القيام بالمسح الثلاثي الأبعاد فيه، وتمّ منح الرخصة إلى اتحاد شركات عالمي لإنجاز هذا الأمر».
و إذا كان لدينا قرار سيادي لبناني، فإنّ لا شيء يمنع من أن يتخذ مجلس الوزراء قراراً بإطلاق أعمال المسح في البلوكات الأخرى، وتنويع الشركات المشاركة في هذه الأعمال، حتى لا نبقى رهينة في أيدي دول بعينها تمارس علينا الحصار والتضييق بشكل يقطع الأنفاس، اعتقاداً منها أنها بذلك يمكن أن تفرض على لبنان شروطاً معينة، وهي شروط لم يستطيعوا تحقيقها أو فرضها بالحرب فكيف يمكن أن يأخذوها اليوم فيما لبنان يعيش الانتصار في ظلّ المعادلة الماسيّة «الجيش والشعب والمقاومة».
*خبير مالي واقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى