نقاط على الحروف

الأميركي لا يعمل لوصول قائد الجيش والقطري ليس وسيطا

ناصر قنديل

– يكرس عدد غير قليل من وسائل الإعلام الفاعلة والناشطة والمموّلة جيداً، ورهط كبير من الذين يحتلون أعمدة ومقالات التحليل السياسي في الصحف والبرامج السياسية الصباحية والمسائية في القنوات التلفزيونية، جهداً ووقتاً لترويج مقولة قوامها ثنائية ترتكز على وجود تبنٍّ أميركي لإيصال قائد الجيش العماد جوزف عون الى رئاسة الجمهورية من جهة والى انتقال مسعى الوساطة الخارجية في الملف الرئاسي من اليد الفرنسية الى اليد القطرية، من جهة مقابلة. ويبدو هؤلاء المحللون الأوسع انتشاراً من سواهم أنهم أقرب لتسويق دور محوريّ لقطر منه لتبنّي ترشيح العماد جوزف عون أو تبنّي الموقف الأميركي، فيقولون مثلاً إن التبني الأميركي لترشيح قائد الجيش لا يحتاج إلى دليل بسبب العلاقة الخاصة الثابتة القائمة بينه وبين الأميركيين، والتي تمثل الثقة الأميركيّة بشخص قائد الجيش واعتداله وتوازنه ومصداقيّته ونظافة كفه العنصر الحاسم فيها، ثم يقولون إن الانسداد الرئاسي، أصاب فرص المرشحين الآخرين وفرض صفة المرشح غير المحسوب على أيّ من المعسكرين ما يجعل فرص قائد الجيش تتقدّم، ثم يضيفون ومَن غير قطر يستطيع لعب دور الوسيط، فهي وحدها تستطيع التحدّث مع الجميع داخلياً وخارجياً، كما يخبرنا المحللون، وتستطيع إدارة مقايضات لا يستطيع غيرها فعلها، فما هي درجة الدقة والصحة في هذه السردية؟
– بالتأكيد لا جدال في الثقة الأميركية بقائد الجيش، ولا حتى بالقول إنه أحد القلائل المفضلين بين اللبنانيين عند الأميركيين، كما أنه لا جدال حول وجود رغبة قطرية دائمة بالسعي للعب دور الوسيط، حيث يكون بين الأميركيين والطرف الموازي لهم في أي من المعادلات استحالة التفاوض المباشر، لكن نقطة البداية في الجواب على السؤال عن صحة ودقة السردية المذكورة هي حول نصفها الأول القائم على فرضية السعي الأميركي للدفع بإيصال قائد الجيش الى رئاسة الجمهورية. وهنا لا نتحدّث عن الرغبات والعواطف والتقدير، بل عن السياسة، أي عن مشروع مقايضة يجب أن يُجريه الأميركيون مع النصف الثاني في البلد الذي لا يسير بركابهم، ويشكل حزب الله النواة الصلبة فيه. وهذه المقايضة الافتراضية تشكل مبرراً لتسويق الدور القطري كوسيط، وعندما نقول إن الأميركي يريد من حزب الله وحلفائه بما يملكون من قدرة تعطيل تمنع وصول أي مرشح لا يرضون به، وقوة إضافية تمنع فتح الطريق أمام قائد الجيش تتمثل بموقع رئاسة مجلس النواب ومبدأ قبولها بتجاوز تعديل الدستور، يصير السؤال الطبيعي هو ماذا سوف يعرض الأميركي على حزب الله أولاً في المعادلة الإقليمية مقابل رئيس للجمهورية اقرب في الملفات الإقليمية للنظرة الأميركية؟ وماذا سوف يعرض الأميركي على حزب الله وحلفائه داخلياً لتسهيل وصول مرشح في مقلب سياسي مختلف، والتخلي عن مرشحهم؟ بل إن السؤال هو: هل الأولوية الأميركية في لبنان وتحديداً في الملفات المتشابكة في المواجهة مع حزب الله هي رئاسة الجمهورية، أم ضمان أمن كيان الاحتلال من استخدام حزب الله فائض قوته المتراكم في لحظة مناسبة بصورة تعرّض الكيان لمخاطر لا يتحملها، كما قالت تجربة ترسيم الحدود البحرية؟ وفي هذه الحالة أليس المنطقي هو ان يكون السعي الأميركي هو باتجاه مقايضة معكوسة ينال فيها حزب الله مكاسب في الرئاسة وغيرها من شؤون السياسة الداخلية مقابل أن ينال الاميركي الضمانات التي يسعى اليها لعدم استخدام حزب الله فائض قوته عبر جبهتي لبنان وسورية في مواجهة محتملة مع الكيان؟ وهل يفترض البعض أنه يمكن الحديث عن حصول الاميركي على الرئاسة والضمانات الأمنية معاً وخروج حزب الله خالي الوفاض في كلتيهما؟ إذا قبلنا وجود فرصة لقبول المقايضة من زاوية نظر حزب الله.
– هنا يصير السؤال مشروعاً عن ماهية الدور القطري، خصوصاً أن الأميركي الذي بات معلوماً أنه قام بتعطيل المبادرة الفرنسية، قد فعل ذلك لأن هذه المبادرة عرضت الرئاسة على حزب الله مقابل مقايضتها بثمن داخلي لحلفاء أميركا وفرنسا واللجنة الخماسية، هو رئاسة الحكومة وفق ثنائية سليمان فرنجية ونواف سلام، بينما تريد واشنطن مقايضة حصول حزب الله على الرئاسة بثمن قبول حزب الله تفاهمات وقواعد اشتباك تتضمن ترتيبات حدودية في لبنان وسورية، ولا مانع عندها من صفقة تشمل الكثير، ولان ردّ حزب الله على العروض الأميركية كان سلبياً حول مبدأ التفاوض لمعرفته بملفات التفاوض المفترضة، جاء الدور القطري لمهمة أولى هي المشاغبة التعطيلية على المبادرة الفرنسية، ثم عندما بدا أن الحوار بين التيار الوطني الحر وحزب الله قد يفتح طريق ما يسمّيه الأميركيون بحصول حزب الله على الرئاسة دون دفع الثمن الإقليمي، تحرك القطريون على خط تعطيل الحوار أو فرملة اندفاعته، من بوابة سحب موافقة التيار على مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري التي شكلت المنصة الممكنة لترجمة نتائج حوار الحزب والتيار.
– الأميركي في لبنان وسورية غير معني بعد هزيمة مشروعه بأن يكرّس خصومه انتصاراتهم بمكاسب داخلية، سواء بالنسبة لحزب الله في لبنان او الرئيس بشار الأسد في سورية او الحشد الشعبي وقوى المقاومة في العراق أو أنصار الله في اليمن، مقابل التزامهم بعدم صرف تفوقهم الاستراتيجي وفائض قوتهم في مواجهة محتملة مع الكيان قد تنزلق لتهدّد وجود هذا الكيان، ولكن الأميركي حريص جداً على حرمان كل هؤلاء من فرص تكريس انتصاراتهم، بل إن الأميركي سيفعل كل الممكن لزيادة تعقيدات ساحاتهم حتى يصبحوا جاهزين لهذه المقايضة، بين المكاسب الداخلية والالتزام بعدم تعريض الكيان لاختبار اللحظة الحرجة في أسوأ لحظات تاريخه. وإذا تعذّرت المقايضة فلا رئاسة للبنان وحروب مخيمات مفتوحة وسواها من التعقيدات بعناوين لبنانية وغير لبنانية ليست متاعب النزوح إلا بعضها، ومثلها بالنسبة لسورية في الشرق والجنوب وزيادة الضغوط الاقتصادية، وكذلك في العراق بين الأكراد والمركز وفي اليمن ومطالب فك الحصار. وربما لا تكون هناك حاجة بعد للسؤال عن ماهية الدور القطري، أمام ما نراه ونعلمه عن دور قطر في رعاية الجماعات الإسلامية في مخيم عين الحلوة وجلب قادتها من سورية، ودور قطر في السويداء، ودور قطر في إقناع التيار الوطني الحر بأن هناك فرصة مرشح ثالث غير فرنجية وقائد الجيش إذا لم يتسرّع التيار بالقبول بفرنجية، ما يعني أن الدور القطري هو تجميع أوراق القوة للأميركي التي تعطل فرص خصومه في تحقيق الاستقرار دون العبور من خلال المقايضة على قواعد اشتباك إقليمي تضمن أمن الكيان، والتي تشكل جوهر المشروع الأميركي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى