أخيرة

دبوس

مش فاضيين

أحد رؤساء الوزراء السابقين في اليابان، صعد ذات مرة فوق المنبر، ثم ركع على ركبتيه بإزاء الكاميرات، ووجه كلامه الى الشعب الياباني وهو يكاد يذرف الدمع مدراراً، ثم توسّل الى شعبه طالباً الصفح والمغفرة بسبب حادث قطار أودى بحياة عشرات من اليابانيين، ثم أتبع ذلك بتقديم استقالته وهو يكاد يذوب من شدة الندم والشعور بالذنب، فقد اعتبر نفسه مسؤولاً عن كلّ ما يحدث في اليابان من أقصاها الى أقصاها طالما أنه ارتضى بأن يكون على رأس السلطة في البلاد.
الدبيبة، أحد رؤساء وزراء ليبيا المتقاتلين بدون كللٍ ولا ملل، منذ 13 عاماً على الكراسي والامتيازات، والذين في سبيل ذلك تركوا البلد يذوي وتنهب ثرواته شمالاً، وتتآكل البنية التحتية للبلد من دون أدنى حدّ من الرعاية أو الصيانة، مما ترتب عليه حالة من الانكشاف المزري قبالة عاصفة تحدث في كلّ أرجاء المعمورة، فلا تودي بالأرواح إلّا في حالات نادرة، وانْ هي فعلت، فإنّ الضحايا لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، ثم تمرّ مرور الكرام، وتعود الحياة الى طبيعتها، والناس الى أرزاقهم…
أما في ليبيا، فالوضع ليس كذلك، الدبيبة، لا فضّ فوه، يرى انّ هنالك إهمالاً قد طرأ، وانّ علينا أن نتقاسم تحمّل تبعات هذا الإهمال، ومن ثمّ نؤشر إلى بيت الداء، ونعالج الخلل، ويا دار ما دخلك شرّ…!
هكذا، 11 ألف قتيل حتى الآن، 9 آلاف مفقود، الأرجح أنهم ضحايا، والأخ لا يجد غضاضة في ان يلقي الملامة على إهمال غير مقصود، وإغفال غير محدود، سدود تركت تهترئ بفعل الزمن وبفعل إصرار الأنواء، فغدت بعد ردح من الزمان غير قادرة على تحمّل أيّ كميات إضافية من المياه، انكشفت عورتها عند عاصفة عادية أضافت أحمالاً من المياه فوق ما تحمله هذه السدود، فتحطمت وتبعثرت أشلاءً تحت وطأة الثقل الإضافي، واندفعت المياه لتجرف في طريقها الحياة من أجساد عشرات آلاف الناس، وتبتلى البلاد بكارثة كان من أسهل الأمور تجنّبها لو اتخذت التدابير اللازمة لمنعها، ويقف الدبيبة بكلّ الوقاحة والصلف واللامسؤولية، ليضع المسؤولية جزافاً على أكبر شريحة من الناس، حتى تضيع الجريمة، وتتبعثر المسؤولية، وتلملم الجثث من قيعان المياه، لتدفن دفناً جماعياً حتى بدون تحديد الهويات. ويل لنا من هكذا قيادات…!
سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى