مباحثات هوكشتاين ولقاءات الرياض هل تعبّد طريق بعبدا…؟
} خضر رسلان
في الوقت الذي أصبح من المحال الفصل في الكثير من الأحيان بين ما هو داخلي وما هو خارجي نتيجة للتطورات والمتغيرّات المتسارعة التي اجتاحت العلاقات الدولية في ما بين الدول والأفراد والجماعات، ونتيجة للتأثيرات الجيوسياسية والاقتصادية الضخمة التي نتج عنها قيام أحلاف ومحاور وتكتلات تجاوزت استقلالية الدول بحيث أصبح التدخل في شوؤنها من قبل الدول صاحبة النفوذ أمراً عادياً واعتيادياً، ولا يجد في الكثير من الأحيان ايّ اعتراض او ردّ فعل من دول مثل لبنان حيث اعتاد مسؤولوه منذ إعلان دولته عام 1920 التدخلات والوصايات التي تتحكم في استحقاقاته.
هذا في زمن كانّ لبنان مسرحاً لتلقي الرسائل وملعباً تجري على أرضه تصفية حسابات، وفي الخلاصة فإنّ لبنان الذي كان ضعيفاً ومنفعلاً لا يترك لشأنه في استحقاقاته الوطنية سواء كانت انتخابات نيابية او رئاسة الجمهورية وغيرها من وظائف الدولة الأساسية، فكيف هو الحال في زمن أصبح لبنان بفضل مقاومته دولة فاعلة في محيطها وما بعده فإنّ اهتمام الدول صاحبة النفوذ والمصالح زادت وتيريته في ظلّ الصراع الدولي الممتدّ من روسيا والصين الى محور المقاومة التي تقوده طهران الى فلسطين التي تشكل فيه مقاومة لبنان عنصراً أساسياً وفاعلاً ما يقف سداً منيعاً في وجه المشاريع الأميركية الصهيونية؟!
بناء على ما تقدّم فإنّ الموضوع الرئاسي اللبناني وسواه من ملفات سواء منها أمن الحدود مع الكيان الغاصب واستخراج النفط والغاز الى موضوع تشكيل الحكومة وتعيين قيادة جديدة للجيش اللبناني وحاكمية مصرف لبنان لا مناص من فكفكتها بناء على السياقات التاريخية من خلال تسويات تتقاطع عليها القوة المؤثرة سواء منها في الداخل او الإقليم. ومن المرجح وفقاً لبعض المصادر المتابعة التي رأت وبناء على ما رشح من مواقف وزيارات ولقاءات حصلت في الآونة الأخيرة انّ أفق الحلّ قد لا يكون بعيداً استناداً الى التالي:
1 ـ زيارة هوكشتاين الأخيرة:
مصادر متابعة رأت انّ الحدبث المنسوب الى هوكشتاين قد أبدى استعداده الى العمل لانسحاب «إسرائيلي» من قرية الغجر مقابل إزالة خيم المقاومة. ولا يبعد أيضاً مناقشة موضوع مزارع شبعا والهدف من ذلك تثبيت عوامل الاستقرار وسحب الذرائع حسب زعمه من المقاومة نظراً لاختلال توازن الردع معها هذا فضلاً عن المتغيرات غير المسبوقة التي جعلت إسرائيل تمرّ بأسوأ مراحلها سواء من حيث الانقسام الداخلي او ارتفاع وتيرة العمل المقاوم في الضفة وهو عامل أساسي ووجودي يضرب أساس المشروع الصهيوني في فلسطين. والى ذلك كله يبقى الهدف الأميركي تأمين شبكة استقرار وأمان على الحدود اللبنانية – الفلسطينية أولاً استرضاء لـ «إسرائيل» المأزومة والمردوعة، وثانياً لضمان تصدير النفط والغاز الى أوروبا وخاصة مع دنو فصل الشتاء القارس وهذه ملفات حساسة وعناوين أساسية ستكون مادة دسمة ضمن ايّ اتفاق تسوية بين الجهات المؤثرة في المنطقة والاقلبم.
2 ـ لقاءات الرياض
حدثان مهمان يمكن ان يكون لهما تداعيات جوهرية في إطار إيجاد حلّ للمعضلات اللبنانية سواء منها انتخابات رئاسة الجمهورية او غيرها من الملفات:
الأمر الأول اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووزير خارجية الجمهورية الإسلامية د. حسين أمير عبد اللهيان حيث ذكرت بعض المصادر كلاماً منسوباً الى ابن سلمان أشار فيه الى رغبته في المساعدة المشتركة السعودية الإيرانية في حلّ العديد من مشاكل المنطقة وبما فيها لبنان، وهو أمر إنما يعكس أولاً العودة السعودية الصريحة الى الساحة اللبنانية بعد انكفاء لأسباب مختلفة، والأمر الآخر فإنه مجرد كلام عن رغبة في حلّ مشترك إيراني سعودي سيرخي بظلاله الإيجابية على مجمل الملفات اللبنانية، هذا في ظلّ حديث متواتر عن انعطافة مرتقبة قد تضفي الى لقاءات مباشرة تجمع ما بين المملكة العربية السعودية وحزب الله.
الأمر الثاني زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المفاجئة لسلطنة عُمان، التي سبقه اليها الموفد الأميركي، تيم ليندركينغ، حيث سمع العُمانيون منه، للمرة الأولى، أنّ واشنطن لم تعد تقف في وجه ايّ حلّ بين حركة «أنصار الله» والمملكة العربية السعودية التي أعلنت رسمياً استقبالها وفداً من حركة «أنصار الله» توجّه للتوقيع، على ما يبدو، على اتفاق بشأن إعادة إنتاج النفط وصرف مرتّبات الموظفين، وهذا أمر سيفتح الباب واسعاً أمام نضوج تسوية سياسية للأزمة.
لا شك أنه بعد التمعّن في المصالح المختلفة للقوى المؤثرة وصاحبة النفوذ فإنّ الاستحقاقات المهمة موضع الاشتباك السياسي تتمحور بشكل أساسي حول رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان،
فهل تكون زيارة هوكشتاين استنساخاً لما جرى في عُمان بعد زيارة الموفد الأميركي اليها وإعطاء الموافقة على بدء صفحة جديدة بين السعودية وأنصار الله بحيث يُصار الى إنضاج تسوية سياسية يُراعى فيها الأميركي باختيار من سيتولى قيادتي الجيش اللبناني وحاكمية مصرف لبنان.
استناداً الى حديث هوكشتاين عن الحدود والغاز والنفط ودون إغفال اهتمامه ولو بدرجات متفاوتة في الاستحقاقات الأخرى سواء اكانت رئاسة جمهورية ام رئاسة حكومة، وهي ملفات لا يبعد النجاح في الوصول الى سدّ الفراغ فيها اذا ما ترجمت رغبة ولي العهد السعودي التي أسرّها الى وزير الخارجية الإيراني في المساهمة المشتركة في إنتاج التسويات والحلول.
تطورات متسارعة يعكسها قلق أميركي متزايد في العديد من الملفات إضافة الى الترهّل الداخلي الاسرائيلي والحاجة الأميركية الى الغاز والنفط في شتاء أوروبا المقبل كلّ ذلك لا يبعد أن يؤدّي الى انعطافة سريعة تعبّد الطريق الى بعبدا…