ثورة 21 سبتمبر وأهداف ثورة 26 سبتمبر
} د. يوسف الحاضري*
بعيدا عن الحديث عن الأهداف الحقيقية المخفية لثورة 26 سبتمبر 1962 سيكون حديثي هنا عن الأهداف الشكلية التي تمّ وضعها في 6 اهداف نقرأها منذ 63 عاماً ولم نر شيئاً منها، ولا يمكن لأحد أن يزايد على تحقيقها، وسنتكلم عن كلّ نقطة بشيء من الاختصار على حدة، وكيف استطاعت ثورة 21 سبتمبر 2014 أن تعيدها إلى مسارها السليم في 9 أعوام فقط وذلك كالتالي:
الهدف الأول: التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة كلّ الفوارق والامتيازات بين الطبقات .
لا يمكن لأحد أن يتكلم عن تحقيق هذا الهدف الى ما قبل ثورة 21 سبتمبر 2014، فاليمن وخاصة منذ 1978 (سيطرة عفاش على الحكم) تمّ استعماره من قبل دول عديدة عالمية وإقليمية وعلى رأسها أميركا وبريطانيا والسعودية والإمارات، فكان سفراء هذه الدول هم رؤساء اليمن ورؤساء حكوماتها ووزراء خارجيتها ودفاعها وداخليتها وتربيتها وكلّ مفاصل الدولة، فدخلت اليمن من حكم أبنائها لها واستقلالهم عن سيطرة الخارج عليهم الى حكم استبدادي ممثلاً بنظام عفاش وأدواته المتعاقبة وابنائه المنفلتين والى حكم استعماري ممثلاً بسفراء هذه الدول .
جاءت ثورة 21 سبتمبر لتوقف هذه الممارسات الاستبدادية والاستعمارية فتمّ تطهير اليمن من عفاش وأبنائه ومن آل الأحمر ومن علي محسن وحزبه الذين استبدّوا بالشعب اليمني لعقود من الزمن، وأيضاً تخلّص اليمن من التدخلات الاستعمارية المباشرة لسفراء هذه الدول ولهذا تآمر المستبدّون والمستعمرون على ثورة 21 سبتمبر بعدوان 26 مارس2015.
الهدف الثاني: بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها.
صحيح انّ اليمن امتلك جيشاً مدرّباً مؤهّلاً وأسلحة الى حدّ ما مناسبة، غير انّ هذا الجيش تمّ بناؤه من قبل أعدائه وبالتحديد أميركا وأدواتها حيث أهّلته فقط لقتال أبناء بلده عوضاً عن انّ هذا الجيش خلال الفترة السابقة لثورة 21 سبتمبر 2914 لم يقتل سلاحه الجوي والبري والبحري إلا أبناء اليمن، فقاتل وقتل وأخفى الناصريين في ثمانينيات القرن الماضي، ثم قاتل وقتل أبناء اليمن في جنوبه في حرب 1994، ثم قاتل وقتل أبناء صعدة وصنعاء وعمران منذ 2004 حتى 2010 في ستة حروب إجرامية كبيرة واسعة، أيّ انّ المليارات التي كانت تنفق على الجيش وتدريبه وتسليحه من ثروات الشعب كانت لقتل الشعب نفسه وليس لحمايته! حيث لم نسمع عن انّ الجيش تحرك لإيقاف اعتداءات السعودية على اليمنيين في الحدود، ولم يتحرك عندما قامت ارتيريا باحتلال جزر اليمن في ساعات معدودة، بل انه كان يتمّ تقديمه ضحية لنشر القاعدة الإرهابية الأميركية في اليمن، وفي آخر مراحل هذا الجيش استطاع أقلّ من عشرة دواعش ان يصلوا الى عمق وزارة الدفاع في عمق العاصمة صنعاء وقتلوا العشرات من ضباط وعناصر الجيش والأطباء والمرضى في ديسمبر 2013.
كما قام النظام السابق ممثلاً بعفاش والدنبوع بتدمير الأسلحة الاستراتيجية الكبرى لليمن بإشراف أميركي، رغم انّ اليمن اشتراها بمليارات الدولارات من أميركا نفسها، وعندما جاء العدوان الأميركي السعودي في 26 مارس 2015 على اليمن تلاشى الجيش اليمني، فمنهم من دفن نفسه في مخدعه في بيته ومنهم من انضمّ كمرتزق أجير يقاتل أبناء اليمن مع تحالف العدوان، والقلة القليلة جداً هم الذين ما زالت نفوسهم طاهرة نقية من سعي أميركا وأدواتها لتشويهها خلال العقود الماضية وانضمّوا الى الجيش اليمني الحقيقي الذي بنته ثورة 21 سبتمبر والذي تحرك للتصدي للعالم المعتدي وتحقق على يديه خلال تسعة أعوام ما لم يتحقق خلال أكثر من ستين عاماً مضت على ثورة 26 سبتمبر، بل وصل الأمر الى تصنيع عسكري على أرقى وأعلى مستوى كتصنيع الطيران المُسيّر والصواريخ البالستية بجميع مداها وأشكالها وصناعات عسكرية متنوعة ومتعّددة فأصبح الهدف الثاني لثورة 26 سبتمبر متحققاً بفضل ثورة 21 سبتمبر، والذي لم يكن ليتحقق لو استمرّينا حتى 600 عام وليس 60 عاماً فقط.
الهدف الثالث: رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً .
كانت قيمة العملة اليمنية قبيل 1962 أضعاف قيمة الدولار الأميركي، وعندما وصل عفاش العميل الأول للمستعمرين الى حكم اليمن على جثة أمل اليمن سابقاً الرئيس الحمدي في 1978 كان الدولار يساوي أقلّ من 3 ريالات يمنية، وعندما تمّ خلعه من الحكم في نهاية 2011 كان الدولار يساوي ٢٥٠ ريالاً ايّ أنه ارتفع بمقدار (8000%) خلال 33 سنة، ايّ انّ العملة كانت تنهار كل عام بما نسبته (250٪) اي ضعفين ونصف الضعف عوضاً عن اليمن لم يستفد من ثرواته لدرجة انّ ميناء عدن الأفضل جغرافيا في الأرض لا يصل مدخوله إلى مليار دولار سنوياً مقابل مدخول ميناء دبي (الذي يقع في أسوأ منطقة جغرافية في الأرض) يصل الى ربع ترليون دولار كدليل آخر على تبعية النظام للمستعمر الإماراتي البريطاني وغير ذلك من أمثلة أخرى لا يسعنا المقام للحديث عنها. وكان اليمن مصنفاً في عهده بثاني أفقر شعب وأقلهم دخلاً في الأرض حتى انّ وريث عفاش الدنبوع أعلن قبل ثورة 21 سبتمبر 2014 عجز الحكومة عن تسليم رواتب الموظفين خلال الشهرين المقبلين.
فجاءت ثورة 21 سبتمبر لتوقف هذه المهزلة الاقتصادية الكارثية وبدأت بخطى ثابتة، غير انّ العدوان الأميركي السعودي على اليمن عرقل سرعة الخطى في التنامي الاقتصادي رغم انّ هناك تحركاً في هذا الجانب والاعتماد الذاتي وتوطين الصناعات ودعمها وغير ذلك من تحركات لم نرها في ستين عاماً، ولم نكن لنراها حتى في مائة عام لولا ثورتنا السبتمبرية المباركة.
الهدف الرابع: إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل…
أيّ ديمقراطية يمكن لنا ان نتحدّث عنها في ظلّ استبداد بعض الأسر العميلة للخارج على الحكم والثروات اليمنية كـ آل عفاش وآل الأحمر وعلي محسن والاخوان المسلمين والذين أغرقوا الإمارات وتركيا ومصر وماليزيا وجيبوتي وغيرها بالاستثمارات الكبرى العملاقة عوضاً عن استحواذهم على كلّ استثمارات اليمن وقتلهم لكلّ مشاريع حكومية كشركة الطيران ومصنع يدكو للدواء والغزل والنسيج وتدميرهم للجانب الزراعي وغيرها وبقائهم على الحكم لعقود من الزمن بل واستمرارهم إلى اليوم في صفّ العدوان في قتال أبناء اليمن سعياً منهم للعودة الى نهب اليمن واستعماره مرة أخرى .
جاءت ثورة 21 سبتمبر المباركة لتحقيق هذا الهدف بل انّ أوّل قرار لها هو ما يسمّى باتفاق السلم والشراكة الذي احتوى كلّ الأحزاب والطوائف والمكونات اليمنية بدون استثناء، وحتى اللحظة هناك تحرك قوي وثابت لتعزيز هذه الجوانب رغم تحديات العدوان والأعداء.
الهدف الخامس: العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في إطار الوحدة العربية الشاملة.
عندما تحققت الوحدة اليمنية في 1990 كان الفضل الأكبر فيها هو لمن تخلوا عن سلطتهم الرئاسية في حكم الجنوب وليس في الشمال لأنهم لو أصرّوا على ان يكونوا هم الرؤساء لما قبل نظام صنعاء بالوحدة، لذا رأينا كيف تآمر عفاش ومن معه على هذه الوحدة بعد أربع سنوات، وقاموا بإجتياح الجنوب وما تبع ذلك من تحركات سياسية واقتصادية واجتماعية استهدفت أبناء الجنوب، ملأ قلوبهم غلاً وحقداً وحنقاً على الوحدة، وجاءت تبعاتها لاحقاً حتى يومنا هذا يحصد أبناء اليمن قاطبة الخلل الكبير للوحدة، فلم تكن وحدة وطنية (كما حدّدها الهدف) بل كانت وحدة جغرافية زادت من تنافر نفوس اليمنيين وابتعاد الكثير منهم عن الوطن والوطنية .
جاءت ثورة 21 سبتمبر لإعادة الأمور الى سياقها السليم وكانت القضية الجنوبية هي أولى أولوياتها منذ أولى لحظاتها وما زالت حتى اللحظة رغم ما حدث ويحدث في الجنوب.
الهدف السادس: احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي…
كانت الرياض تختلف مع طهران في أمور عديدة فتسعى صنعاء لطرد سفير إيران من صنعاء، وعندما قام العراق بحرب إيران سارعت اليمن بدعم هذا الاحتلال، وعندما احتلّ العراق الكويت كانت صنعاء أوّل الداعمين لهذا مما ينافي بشكل كبير ما يسمّى الحياد الإيجابي، كما انّ دور صنعاء كان ضعيفاً في الأمم المتحدة وكانت مجرد تابع للرياض في كلّ قراراتها وتحركاتها، وهذا ما جعل الأمم المتحدة لا تحترم اليمن رغم احترام اليمن لمواثيقها.
جاءت ثورة 21 سبتمبر لتقول للأمم المتحدة انّ اليمن أهمّ وأعمق دولة في الأرض والتاريخ، وانّ عليها ان تحترم اليمن ارضاً وإنساناً انْ أرادت ان نحترمها، فكانت السنوات التسع هذه فضحاً كبيراً للأمم المتحدة ودورها السلبي وعدم مصداقيتها وغير ذلك عوضاً عن التحرك الإيجابي في كلّ قضايا الاأمة العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي لا تخلو أيّ فعالية يمنية إلا وتتصدّر هذه القضية كلّ أجندتها عوضاً عن التعامل بالمثل والندّ مع بقية دول العالم، فلسنا دولة تابعة ولا حديقة خلفية وإنما دولة حرة مستقلة كما هو شعار الثورة (حرية واستقلال).
بهذا السرد المختصر جداً ندرك تماماً بانّ الثورة الصحيحة السليمة العزيزة الحرة هي ثورة 21 سبتمبر 2014 ولا ذنب لثورة 26 سبتمبر في ما آلت إليها النتائج بعدها كون القائمين على اليمن كانوا مجرد مرتزقة وعملاء للخارج ولم يعملوا لليمن وثورتها وشعبها أرضاً وإنساناً، لذا ستتلاشى هذه الثورة مع الزمن (فأما الزبد فيذهب جفاء) وستبقى الثورة الصحيحة الحقيقية في 21 سبتمبر (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) كذلك يضرب الله الحق والباطل…
*كاتب وباحث في الشؤون السياسية