المصالحة الفلسطينية… واقع مأزوم
فهد المهدي
«إسرائيل» لم ولن تهتمّ للمصالحات أو الانقسامات بين الحركات والفصائل الفلسطينية، فممارساتها العدوانية التقليدية مستمرة وستظل، تَصالحَ الفلسطينيون أو انقسموا، فالرهان على المصالحات في الصراع المصيري مع «إسرائيل» لا يمكن الاعتماد عليه إذ حصلت مصالحة في 2005 في اتفاق القاهرة، ومصالحة في 2007 في الدوحة، ولم تدم سوى أسابيع قليلة، ومع ذلك لم يتوقف الكيان الصهيوني عن سياساته العدوانية، فالواقع يؤكد أن عدد المستوطنين الذين كانوا بضعة آلاف أصبحوا اليوم أكثر من خمسمئة ألف مستوطن، وأن مدينة القدس أصبحت تغرّد خارج السرب العربي معلنة التهوّد، وأكمل ذلك كلّه الجدار الفاصل وحوّل أجزاء كثيرة من الضفة الغربية الى كانتونات.
بلى، ربما توقف الصهاينة لفترة ما، لكن ليس بسبب المصالحات فانسحاب «إسرائيل» من قطاع غزة بعدما تكبدت خسائر كثيرة مثلاً لم تفرضه مصالحات أو اتفاقيات أو حلول أو موقف عربي بل فرضته « مقاومة «.
ها نحن نشهد إعلان مصالحة جديدة بين الفلسطينين فتح وحماس وتشابكاً للأيدي وتبادلاً للقبل وترديداً للأنشودة الفلسطينية المنسية التي باتت من الأجندات السياسية العربية المهملة والمتروكة، وبدأ الترحيب الخجل من بعض القيادات العربية.
من جهة أخرى أطلقت تصريحات أميركية وصهيونية متطابقة تنتقد هذا الإعلان وتحذر منه إذ صرح وزير الخارجية «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان قائلاً: «إن توقيع اتفاق المصالحة بين فتح وحماس يعتبر نهاية للمفاوضات مع تل أبيب»، وهذا ما عبرت عنه المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين ساكيان، مؤكدة من وجهة نظر بلادها» أن التوقيت مثير للمشاكل وهم يشعرون بخيبة أمل».
لسنا ضد المصالحة الموعودة إذا تمت، بل على العكس، فالشعب الفلسطيني إجمالا يعاني انقسامات حادة تؤثر سلباً من أوضاعه الخاصة والعامة، فهو أكثر حاجة من الماضي إلى المصالحات الوطنية لرأب التصدعات في البيت الفلسطيني، لكن السؤال هو: هل فعلاً ستحل هذه المصالحة مشاكل الفلسطينيين داخلياً وتحدّ من التهديدات الخارجية؟
يدرك الشعب الفلسطيني تماماً من خلال تجارب سابقة أنّ المصالحات التي تمّت والتي ستأتي هي شكلية، لم تخدمه ولم تقلل من معاناته اليومية. بلى، يدرك المواطن الفلسطيني أن مجالات التعاون أضحت مفتوحة من خلال المصالحة بيد أنها لم تصبح وسيلة لبتر المصالح الفئوية وبقاء الخلافات في الأطر الحوارية، ما يعني الرجوع إلى المربع الأول. ومثلهم «الإسرائيليون» الذين يتفقون مع الفلسطينيين في هذا الرأي، فالإعلام العبري يرى أن ما يحصل في غزة موجّه إلى «إسرائيل»، أكثر من كونه سعياً حقيقياً إلى المصالحة مع حماس، وأن فتح ستبيع حماس في أي لحظة تتحسن فيها شروط التفاوض هناك في القدس.
نقل الموقع الإلكتروني لصحيفة «هآرتس» أن اتفاق المصالحة هو «اتفاق إطار عام جداً وضبابي وبعيد عن التطبيق، وتمت بلورة التفاهمات بين فتح وحماس على خلفية لقاء مصالح معينة على ضوء ضعف وصعوبات يواجهها كلا الجانبين». وأضاف «أن الاتفاق يُذكّر بتفاهمات سابقة توصّل إليها الجانبان في الماضي، ورغم لقاء المصالح والتفاؤل لا تزال تسود أجواء من التشكك وانعدام الثقة بين فتح وحماس، والجانبان بعيدان عن الجسر بسبب الفجوات بينهما».
أما الانزعاج الأميركي ـ «الإسرائيلي» من هذا الإعلان فيشير بعض المحللين للشؤون «الإسرائيلية» أنه يصب في مجمله في خانة الضغط على السلطة وابتزازها مادياً، كأن شرط رضا «إسرائيل» وأميركا عن السلطة والاستمرار في المفاوضات يتمثل في عدائها مع حماس.
في اعتقادي أن المعطيات الحقيقية لهذه المصالحة، حتى وإن خرجت على سياق المصالحات السابقة التي كانت ترعاها بعض الدول العربية، وهذا متوقع بسبب الخيارات السياسية الخاطئة التي تبنتها كلتا الحركتين، خاصة بعد ما يسمى بـ»الربيع العربي»، هي مبنية على مصالح «شخصية» سواءً من خلال استفزاز «إسرائيل» التي تريدها «فتح» بسبب فشلها في إدارة القضية الفلسطينية ووضع نفسها في السلة الأميركية الواحدة المتعاطفة والداعمة للسياسات العدوانية «الإسرائيلية»، أو الخروج من «العزلة» التي تريدها «حماس» بعد فشل مشروع «الإخوان» في مصر، لن تقدم ولن تؤخر شيئاً في سياسات الكيان الصهيوني العدوانية، هذه الدراما في غزة ما هي إلّا بداية لخلق فجوة جديدة قد تفرض تسوية غالية الثمن في الجوهر والشكل ليست على شكل الاتفاقات السابقة بل أسوأ منها.