«الخطيئة السياسية»… الحوار خشبة الخلاص
} نمر أبي ديب
تهيأوا لحرب طويلة الأمد في أوكرانيا… مختصر لتصريح أدلى به الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو» ينس ستولتنبرغ، أكد من خلاله على أكثر من حقيقة عالمية من بينها غياب الحلول الدولية في مراحل عجزت فيها أوروبا مجتمعة ومعها الولايات المتحدة الأميركية عن تخطي «حصار الغاز» وغيره من المستحقات السياسية وحتى العسكرية التي فرضتها روسيا في بدايات الحرب الأوكرانية، ما يؤشر إلى عدم استقرار عالمي وأيضاً إلى فراغ استراتيجي «طويل الأمد»، مرفق بغياب شبه كامل للحلول الدولية في مراحل استثنائية بلغت فيها الدول المعنية بـ ملفات المنطقة الأساسية في مقدمتها فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، مراحل البحث عن حلول استراتيجية لمجمل مشاكلها الداخلية وحتى العالمية…
بالتالي هل يعي اللبنانيون جيداً حجم الانشغال العالمي في أزمات وجودية تصدّرت بشكل أو بآخر أولويات الدول المعنية بـ الملف اللبناني، هل يقدر رافضو الحوار الداخلي، الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري عجز القوى الخارجية تحديداً أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، عن لملمة مخلفات الحرب الروسية الأوكرانية في الدرجة الأولى، واحتواء مفاعيلها السلبية على أكثر من مستوى سياسي عسكري وأيضاً إقتصادي.
السؤال ما هي الأبعاد الحقيقية والأهداف المرجوة لبنانياً من قرار رفض الحوار؟ وهل المطلوب إدخال لبنان في هذه المرحلة نفق «فوضى عسكرية» تتيح لقوى داخلية وأيضاً خارجية، الاستثمار الأمني وحتى العسكري في بيئة داعمة لا بل حاضنة للمقاومة، لمسلمات وطنية من المفترض أن تشكل على المستوى اللبناني «خيارا وطنيا جامعا»، في مراحل التفلت العالمي والانكفاء الفرنسي داخل «القارة الأفريقية» كما الولايات المتحدة الأميركية في كلّ من سورية وغيرها من دول التصادم، لتوفير الحدّ الأدنى من ضمانات عدم الاستفراد السياسي والعسكري بـ مقدرات الدولة اللبنانية، بكلّ ما يتعلق بـ الحدود البحرية ملف النفط، كما الحدود البرية مع فلسطين المحتلة، يضاف إليها «أمن لبنان الداخلي» الذي يشمل إضافة إلى الأمن السياسي والعسكري الأمن الغذائي ومعه أمن المخيمات الفلسطينية لما تمثل داخل الجغرافيا اللبنانية من ساحة تصادم غير مبرّر فلسطيني ـ فلسطيني.
(التاريخ يعيد نفسه عند من لا يتعلم)، وتلك حقيقة تنطبق بشكل أو بآخر على المشهد اللبناني الهش، الخاضع بدوره مع جميع مقوماته الداخلية لعامل الانقسام العمودي، السائد على الساحة اللبنانية والمشرِّع الأبرز لـ صراع الهوية، البند الأول على طاولات البحث السياسي الذي بات يتناول ضمن الغرف الدولية وحتى الإقليمية المغلقة شكل «لبنان الجديد» إذ يعمل البعض على تمرير مندرجاته السياسية كما تحديد سياسته الخارجية في سياق «مؤتمر تأسيسي» يراعي بمفاعيله الاستراتيجية حكماً، مصالح الدول النافذة على الساحة اللبنانية والإقليمية، بعيداً عن المصلحة اللبنانية التي لم تتصدّر يوماً كما متطلبات الشعب اللبناني، سقف الأولويات الخارجية الاقليمية والدولية.
ما بين «الموقف الأوروبي» الذي تصدّره أمين عام حلف شمال الأطلسي الناتو ينس ستولتنبرغ، وزيارة ولي عهد السعودية محمد بن سلمان إلى مسقط، يقف لبنان اليوم على تماس وجودي مع «دعوة برلمانية» لحوار سياسي يبحث الجميع دون استثناء عن مفاعيله الإيجابية، وفي مقدمة الدول المُشار إليها فرنسا التي ما زالت تبحث عن «مندرجات إنقاذية» لعبور نفق التحوّل الأفريقي بأقل تكلفة سياسية ممكنة، وأيضاً السعودية التي وجدت في إجراء حوار مباشر مع أنصار الله فرصة استثنائية يمكن التوصل من خلالها إلى وقف إطلاق نار كامل مع اليمن، وهنا تسقط «مجمل تبريرات رفض الحوار الرئاسي»، الذي دعا إليه الرئيس بري، ومعها تحليلات القوى السياسية المندرجة ضمن إطار جبهة الرفض والمعارضة، فهل يعي البعض خطورة رفض ما يرى به الآخرون على المستوى الإقليمي والدولي مادة إنقاذية ذات حضور استراتيجي قادر على صياغة عناوين العبور الآمن في السياسة والعسكر والاقتصاد.
يعيش لبنان اليوم فوضى الاجتهادين القانوني وحتى السياسي المتوفرة والواضحة في قرار رفض الحوار ومقاربة الملفات الداخلية…
يعيش لبنان اليوم زمن الوقت الضائع الفاقد للإنتاجية السياسية من جهة وأيضاً لعوامل ومسبّبات الخروج التدريجي من نفق الأزمة المستمرة، ما قد يضيف على المشهد اللبناني الداخلي خلاصة تعقيد استثنائي غير قابل للحلحلة في زمن حلحلة المواقف الخارجية التي ينتظرها البعض في لبنان ليبنى على الشيء مقتضاه.
بالتالي ما تشهده الساحة الداخلية اليوم يندرج ضمن إطار المراوغة السياسية وخانة تمرير الوقت المستقطع، أم يندرج ضمن إطار الاستثمار السياسي بأمن المقاومة وضماناتها الداخلية لتحقيق مآرب أحياناً تكون شخصية الهدف منها منع وصول سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة الأولى.
في الحالتين الخطيئة السياسية قائمة، وحاجة الدول (المعنية بالملف اللبناني) إلى نسج خيوط الحلحلة الاستراتيجية لمشاكلها الوجودية محطة مفصلية ودافع استثنائي، فهل تعي القوى الرافضة لحوار بري الرئاسي خطورة الابتعاد اللبناني عن نمط الحل الذي تنتهجه دول القرار الإقليمي والدولي في اليمن وغيرها من دول التصادم الأمني السياسي والعسكري…