برنامج «لأني أنثى» يسلط الضوء على موضوع «جرائم الشرف»
سلطت الدكتورة ماريز يونس الضوء على موضوع «جرائم الشرف» في برنامجها «لآني أنثى»، كاشفة عن «ترسانة من الأحكام والمفاهيم التي تأتي تباعًا ما أن يحوم هذا المفهوم بغتة حول ذات بريئة في طور اكتشاف الذّات».
أرادت د. يونس الغوص في أعماق هذا المفهوم وتجلّياته على أرض الواقع، وبين المجرّد والملموس دوّامة حقيقيّة يلعب فيها الجلّاد دور الحارس والشّاهد والضحيّة.
تساؤلات عدّة طرحتها د. ماريز يونس على ضيوفها في الاستديو، البرفسور ساري حنفي أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة الأميركية، والدكتورة ترتيل درويش أستاذة القانون الجزائي في الجامعة العربية في بيروت، والأستاذة رندة عبود، أمينة سر الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، والدكتورة جيهان أبو زيد باحثة ومتخصصة في قضايا الجندر وحقوق المرأة من مصر.
مفاهيم تقتحم عالم الأنثى
حكاية “داليا” تبدأ من سن السابعة، الطفلة المبدعة الفنانة التي كانت تنتقل من مسرح إلى مسرح بدعم أبويها وتشجيعهما، تروي لنا كيف توقفت حياتها منذ أن ظهرت علامات البلوغ على جسدها واقتحم “الشرف” عالمها البريء فجأة ووصم جسدها بالـ “عورة”. الا أنها بمرارة وبراءة تتساءل بينها وبين نفسها عن شرف أخيها الذي يكبرها بثلاثة أعوام، أين شرفه؟ ولماذا لم يأته ليسرق منه طفولته كما فعل معها؟ بينما يهددها الشرف بالقتل إذا أحبت أو عشقت؟
حكاية “داليا” انتهت قبل أن تبدأ، فهي ابنة السادسة عشرة التي قتلت على يد أخيها أمام الملأ، تكشف بحسب رأي د. يونس عن “دور الأهل ومسؤوليتهم الكبرى في التنشئة الاجتماعية التي تعطي للطفل “الذكر” صلاحيات للتسلّط على أخته وعلى جسدها، وتتيح له محاسبتها وتهديدها وحتى قتلها”.
تتناول د. يونس دخول فاعلين بتواطؤ مجتمعي وجماعي يُشكّل هذه الجريمة. وتطلق صرختها أمام الرأي العام لوقف تلك الجرائم بحق الإناث باسم الشرف.
كيف يمكن إقحام مصطلح “الشرف” على جريمة قتل؟ سؤال إشكالي وجهته د. ماريز إلى أستاذة القانون د. ترتيل درويش التي أوضحت أن المشكلة الأساسية ليست بالقانون بقدر ما هي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالثقافة التقليدية. فوفق القانون والتشريع اللبناني تؤكد درويش إلغاء مصطلح “جريمة الشرف”، لكن عدم تطبيق القانون والتأخير والمماطلة في المحاكم يؤدي إلى إجراء مصالحة بين أهل الضحية وأهل الجاني، من خلال تنازل الأهل عن حق ابنتهم الضحية.
ورأت درويش أن المجتمع هو الذي يقحم “الشرف” على الجرائم، ويبرر القتل تحت ذريعة غسل العار. فالبيئات التي تكثر فيها جرائم الشرف، لا زالت تعتبر أن العار مرتبط حصراً بالمرأة وجسدها، علماً أن هذه البيئات هي نفسها تشكل بؤراً لتجارة المخدرات والاتجار بالبشر، لكن لا تشكل مشكلة كبيرة عند أهلها، فالفساد مرتبط فقط بجسد المرأة.
بينما اعتبرت د. جيهان أبو زيد من مصر، أنّ قتل تحت عنوان الشرف ليس هو إلا ممارسة ذكورية للسيطرة على أجساد النساء، وللسيطرة الاقتصادية، وإعادة أشكال الاستبداد بكل تجلّياته ومستوياته ومؤسّساته.
أما بالنسبة للقوانين المرتبطة بجرائم الشرف في مصر، فتعتبر د. أبو زيد أن التعامل مع قتل الشرف يتم في مصر وفق القانون العرفي وليس القانون الوضعي. وتلك إشكالية كبيرة برأيها، أن نتعامل مع نوعين من القوانين إحداهما عرفي يقبله ويشجعه ويدعمه المجتمع وآخر وضعي يكرس سلطة الدولة دون أن تمتلك الأخيرة فعالية التطبيق.
من جهتها أثنت المحامية رندة عبود، أمينة سر الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية على التطور التشريعي الذي شهده لبنان بشأن قضية جرائم الشرف وقضايا العنف عامة. حيث أدّت جهود منظمات المجتمع المدني بالتعاون مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية إلى إلغاء المادة التي تعفي القاتل من العقوبة. كما اعتبرت أن قضايا المرأة يلزمها الصبر والوقت الكافي لمعالجتها، ففي مجتمع متعدّد مثل لبنان، لا يمكن إزاحة الأمور الشرعية أو إلغاء الطائفية بسهولة ومرة واحدة، انما علينا تجزئة القضايا والتقدّم بشكل تدرّجي.
واعتبر البرفسور ساري حنفي أن جرائم الشرف لها علاقة وثيقة بالجغرافيا، أي بالمناطق وتوزّعها بين ريف ومدينة أكثر من ارتباطها بالدين، حيث تبيّن الدراسات التي أجريت على جرائم الشرف في سورية والعراق والأردن أنها لم تكن مرتبطة بديانة معينة بقدر ارتباطها بمكان معين. فجرائم الشرف تحصل في المجتمعات الريفية والبدوية بنسبة أكبر من المجتمعات الحضرية، إذ لعب التحضر دورًا كبيرًا بخلق علاقات أخرى بين أفراد العائلة، خففت من إمكانية تحميل العائلة مسؤولية سلوك فرد منها.