الأطلسي وروسيا الكبرى
عامر نعيم الياس
الامبراطورية الروسية، الاتحاد السوفياتي باعتبار انهياره أكبر «كارثة جيوسياسية» في العصر الحديث، والكلام هنا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال خطابه في احتفال توقيع قرار ضمّ القرم إلى روسيا، خطاب حدّد بالتفصيل مكامن الألم الروسي من الغدر الغربي بدءاً من انهيار المنظومة الشرقية، مروراً بالدرع الصاروخية وتوسّع الأطلسي في الفضاء روسيا الحيوي، وليس انتهاءً بكوسوفو ومحاولات سلخ جورجيا وما يجري حالياً في أوكرانيا من محاولات للسيطرة على ثاني أكبر جمهوريات الاتحاد السوفياتي بعد روسيا الاتحادية، وتثبيت الوجود الأطلسي فيها بحجة الدفاع عن ديمقراطية النازيين الجدد المدفوعين بحقد مركّب على موسكو، يجمع بين الموروث التاريخي والارتهان للغرب وطموح الحكم.
الولايات المتحدة والأطلسي مندفعان حتى النهاية في المواجهة في أوكرانيا، وهو ما ظهر ويظهر واضحاً في التطوّرات اليومية الخاصة بهذه الدولة، تحرّك غربي اتخذ شكله الحالي وصلابته بعد ما جرى في القرم وتغيّر الخارطة الجيوسياسية لروسيا الاتحادية، الأمر الذي يطرح التساؤل التالي: هل نحن أمام فوبيا غربية تدعى روسيا الكبرى، تعدّ المحرك الأساس وراء المواجهة بين الأطلسي وروسيا في أوكرانيا؟ هل تشكّل أوكرانيا خط الدفاع الأول عن الحدود في أوروبا بشكلها الراهن؟ هل تقود الأزمة الناشئة بين موسكو والأطلسي، هذا الأخير إلى إقامة قواعد عسكرية دائمة في أوروبا الشرقية؟
اليوم، نحن في مواجهة وضع تتحوّل فيه العلاقات بين الغرب وروسيا من علاقة سيّد بخادمه وفقاً لاعتبارات تخصّ ما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما عن أن روسيا «دولة إقليمية» يدعوها الغرب مجازاً «بالشراكة»، إلى علاقة أخرى تقوم على النديّة التي فرضها الصعود الروسي الذي بدأ عام 2008 في أحداث جورجيا واتخذ شكله الأكثر وضوحاً خلال السنوات المنصرمة خلال الأزمة السورية والفيتو الثلاثي الذي استخدم في وجه واشنطن.
«بعد انهيار الكتلة الشرقية وسقوط جدار برلين عام 1989 أعاد حلف الأطلسي تقويم الوضع معتبراً روسيا شريكاً مستقبلياً. واستناداً إلى ذلك قامت دول الحلف بتقليص موازناتها العسكرية وهيكلة قواتها المسلحة وإعادة انتشارها. اليوم روسيا لا تتصرف كشريك، وضمّ القرم يفرض تعديل الدينامية وإعادة تقويم استجابة قوات الدفاع للمعطيات الجديدة الناشئة مع موسكو»، يقول الجنرال فيليب بريدلوف قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا.
إذاً، نحن هنا أمام «تقويم للمعطيات الجديدة» يطرح ربما فرضية إقامة حلف شمال الأطلسي قواعد عسكرية دائمة في أوروبا الشرقية، شرقية بتفسير وقوعها ضمن تأثير النفوذ الروسي القومي والديني وحتى السلطوي أيام الامبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي، فما جرى في كوسوفو وما رافقه من تجييش وصل إلى حدّ نعته بالمحرقة الثانية كان الهدف من ورائه، بحسب عددٍ من المؤرخين ضرب «صربيا الكبرى» ووضع كافة الإمكانات المتاحة في خدمة مشروع ضرب مرتكزات «روسيا الكبرى».
الغرب يحرّكه الخوف من موسكو، من فوبيا جار كبير ممتد بين آسيا وأوروبا سقط على أسواره كل غزاة الأرض ومن أوروبا تحديداً، وهنا تقول «لو فيغارو» الفرنسية إن «موسكو فسرت ما جرى في أوكرانيا بسابقة استقلال كوسوفو الجمهورية الصربية الصغيرة التي تمردت على سلطات بلغراد أواخر عام 1990… بوتين يعتبر سلخ كوسوفو مبرمجاً من قبل الغرب ويحاول اليوم تعديل الحدود وصولاً إلى ما كانت عليه أيام الامبراطورية السوفياتية… يوم أمس القرم، واليوم شرق أوكرانيا، وربما غداً ترانسنيستريا جمهورية أعلنت استقلالها إبان انهيار الاتحاد السوفياتي أواخر عام 1990، وهي منطقة متنازع عليها في أوروبا الشرقية، غير معترف بها من قبل الغرب الذي يعتبرها إقليماً انفصالياً عن جمهورية مولدافيا، طالبت في الشهر الثالث من العام الجاري ضمّها إلى روسيا على غرار ما جرى في شبه جزيرة القرم ».
كاتب سوري