بيت نظام الدمشقي.. تمازج العمارة الشامية مع مثيلاتها في العالم
} دمشق – سانا
يجد زائر أحياء دمشق القديمة نفسه أمام أزقة ضيقة تطل عليها أبواب تقود إلى أبنية فسيحة تتوسطها برك المياه، وتحوطها غرف وقاعات واسعة وأشجار باسقة وعرائش من كل صوب، فتختلط مشاعر الحب والحنين لهذه البيوت لديه والتي شبهها نزار قباني بقوارير عطر يفوح منها عبق الحضارة ورائحة التاريخ الندية.
ومن بين هذه البيوت يتفرّد بيت نظام الذي يقع في مئذنة الشحم بحي الشاغور بمزجه لفن العمارة الدمشقية مع فنون عمرانية أخرى من شتى بقاع العالم، ما أضفى عليه طابعاً متميزاً، وعكس قدرة حرفيي هذه المدينة على دمج مدارس مختلفة في الفن والعمارة مع أسلوب العمارة الدمشقية المميز، ولا سيما في الجدران والأرضيات والزخارف النافرة والغائرة المنفذة بالمونة الملونة والتعشيق على الخشب المحفور والمنزل بالصدف، إضافة إلى زخارف العجمي.
وتختلف البيوت الدمشقية من حيث المساحة وتعداد الغرف وزخرفتها ونقشها من بيت لآخر، لكن التشابه ثابت في الملامح العامة لأساسيات عناصر التكوين، فعناصر البيت الدمشقي واحدة، ابتداء من المدخل إلى الصحن والإيوان والقاعة والمطبخ والحمام وغرف النوم.
وتذكر الباحثة التاريخية إلهام محفوض أن بيت نظام حافظ على كل ما يميز البيوت الدمشقية من فسحات سماوية واسعة وإيوان وبحرة وطريقة بناء واستخدام الرخام المشقق الأبيض والأحمر والأسود بطريقة هندسية وبنائية جميلة في الأرضيات، أما الجدران فتناوب فيها الحجر الأبيض الكلسي والأحمر المزي والأسود البازلتي، كما استخدم الحجر المنحوت الذي أدخلت عليه العجينة الملونة للجدران التي زينتها أحجار منحوتة على شكل سلل.
وتشير محفوض إلى أن ما يميز بيت نظام غناه بفنون العمارة الدمشقية كالزخارف المملوكية والجدران المزينة المنحوتة والمرايا التي تعكس الضوء الداخل من النوافذ على الأسطح اللامعة المطلية بذهب عيار 18، إضافة إلى قاعة العنب المشهورة عالمياً، والتي جاءت زخارفها غنية ومتنوعة من وريقات وعناقيد منحوتة ومطلية بالذهب، ما أضفى على القاعة المزيد من الجمال إضافة إلى تزيينها باستخدام الرسم النافر على الخشب مع الكتابات، وتلوين الأعمدة وتنزيل الصدف على الرخام بخيوط الفضة.
وتعمل مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية منذ فترة على إعادة البيت إلى سابق عهده من خلال استخدام الطبقات والألوان الأصلية للحفاظ على الآثار والزخارف وإظهار الجزء الأساسي والأصلي في البناء وحمايته بالاعتماد على فريق من الكيميائيين المختصين بتركيب المواد المناسبة للعمل، والتي تساعد في الترميم وفق المعايير الدولية حسب مهندس الموقع بشر البري.
وقال البري: «بعد الانتهاء من ترميم بيت نظام سوف يأخذ صفة فندق ثقافي، وسيتم فتحه لإتاحة الفرصة للزوار والباحثين والمهتمين بالعمارة وفنونها للاطلاع على عمليات الترميم والحصول على معلومات تاريخية عن فنون وتقنيات العمارة وأساليب الزخرفة»، مشيراً إلى أنه سوف يكون بوسع الزوار العيش في بيت نظام ضمن الأجواء نفسها التي عاش فيها سكان البيت في الماضي، إضافة إلى متابعة الفعاليات الثقافية التي ستقام يومياً وفق برنامج ثابت ومحدد.
وتتولى محافظة دمشق الإشراف على عملية الترميم، والتأكد من مطابقتها للمواصفات والبناء الأساسي كما تؤكد أميمة عبود مديرة دمشق القديمة، التي لفتت إلى أن أعمال التأهيل تتطلب اشتراطات أساسية أهمها عدم تشويه العناصر الرئيسية والتي تعود إلى فترات تاريخية عديدة.
يذكر أن تاريخ بناء بيت نظام يعود إلى عام 1172 هجري 1760 ميلادي، وتعود تسميته إلى آخر عائلة سكنت البيت ورممته.