قلاع داود تتهاوى في يوم موعود!
} د. عدنان منصور*
للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، تُمنى «إسرائيل» بذلّ ما بعده ذلّ، وهي ترى مستعمراتها ومستوطناتها تدوسها أقدام المقاومين الفلسطينيين.
للمرة الأولى يقتحم المقاومون عقر مستوطنات المحتلين بشجاعة، وإيمان وببسالة قلّ نظيرها، بهرت العالم كله، ووضعت قادة العدو في غيبوبة سياسية وأمنية، ووجودية، ستظهر نتائجها السلبية لاحقاً.
إنه للمرة الأولى منذ عام 1948، يقتحم المقاومون مباشرة، مستوطنات للعدو ومراكز عسكرية، يشتبكون يسرحون فيها، يقتلون ويأسرون ضباطاً وجنوداً، ومستوطنين، ويمرغون أنف قادة الكيان في تراب فلسطين.
من قال إنّ القضية الفلسطينية انتهت على أيدي عرب التطبيع، والتهجين والخيانة والعمالة؟! من قال إنّ الشعب الفلسطيني سيركع وسيستسلم يوماً للواقع المرّ الذي وضعه فيه طغاة العالم وخونة الأمة، ومرتزقة الخارج، وطوابير الداخل؟!
من قال إنّ الفلسطينيين سيستسلمون وإنْ بقي منهم على أرض فلسطين مقاوم واحد؟!
من قال إنّ اتفاقيات الذلّ والعار، أوسلو، وكامب دايفيد، وواي ريفر والمساومات، والرضوخ والخنوع، والانبطاح للعدو، والتعامل معه سراً وجهارة، بكلّ سفالة ووقاحة، سيُنهي حقوق شعب عظيم، ما كان إلا مثالاً حياً للشعوب المقاومة للدفاع عن حريتها، وكرامتها، والتمسك بأرضها؟!
هذا الشعب العنيد يطلق اليوم صيحته المدوية في العالم كله، ليفرض إرادته على الاحتلال والمحتلين، ليقول له، إن ليس هناك من قوة على الأرض تستطيع ان تمحو وجوده، وتختزل تاريخه، وتلغي حاضره ومستقبله، وإن تواطأت عليه قوى الاستبداد والعدوان، وخونة الأمة في الداخل والخارج.
طوفان الأقصى زلزل دولة الاحتلال تحت أقدام من آثر، وأقسم على تحرير الأرض من المحتلين، رغم تفاوت القوة بين الكيان المؤقت، والفلسطينيين، الذي يتشدّق به العدو في كلّ مناسبة، تفاوت سقط تحت أقدام الأحرار في سيديروت، وكرم ابو سالم شرقي رفح، وبلدة أوفاكيم، وبيئري وغيرها من المستوطنات في فلسطين المحتلة.
أحرار فلسطين ومقاوموها، يدافعون اليوم عن مسجد الأقصى وكنيسة القيامة، عن كرامتهم وكرامة كلّ العرب، بعد أن خذلها صهاينة الداخل، ومرتزقة وعبيد الخارج.
لم تعد تنفع مع كيان الاحتلال القبب الحديدية، ولا الحواجز العسكرية الثابتة، ولا طائرات الشبح، ولا مقالع داود، ولا منظومة الإنذار المبكر، ولا الجدران المحصّنة، ولا الاغتيالات، والاعتقالات، والمعتقلات، أمام عزيمة شعب، قهر جيشاً ادّعى قادته بكلّ عنجهية وغرور لا حدود له، أنه جيش لا يُقهر!
لن تنعم «إسرائيل» بالاستقرار والأمن والسلام، ما دام هناك فلسطينيون خارج أرضهم، وحقوق شعب مهدورة، ومقاومون آلوا على أنفسهم تحرير وطنهم مهما غلت التضحيات.
ليت بن غوريون، وإسحق شامير، وغولدا مائير، وموشي ديان، ومناحيم بيغين، واسحق رابين، وغيرهم من قادة العصابات الإرهابية الذين ارتكبوا المجازر بحق الشعب الفلسطيني، يرون بأمّ أعينهم ما يجري على أرض فلسطين، التي اعتبروها أنها أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض!
ليتهم يشاهدون اليوم من مقرّ جحيمهم، شعباً قوياً، أصيلاً، وهب نفسه لفلسطين، وآثر أن يبقى بالمرصاد في وجه المحتلين حتى آخر العمر.
سيتعب الكيان المحتل، ويتعب العالم، ولن يتعب الفلسطينيون. هذه هي حقيقة شعب تفرّد بين شعوب العالم، ليبقى ملتصقاً بأرضه حتى مماته، حيث سيجد المحتلون عاجلاً أم آجلاً، أنهم أمام واقع مرير عليهم الاختيار بين الموت أو العودة إلى البلدان التي جلبهم منها آباؤهم. حينها سيلعنون تاريخهم القبيح المزيف، ويلعنون آباءهم وأجدادهم وهم في قبورهم، الذين جنوا عليهم، ووطّنوهم على أرض فلسطين، التي ما كانت إلا مقبرة للغزاة ولعنة على المحتلين.
أيّ ذلّ هو الذلّ الذي لحق اليوم بجيش الاحتلال، من خلال عمليات عسكرية بطولية، نوعية قلّ مثيلها، طالته في عقر داره، لتعرّيه وتعرّي معه قيادته وغرورها أمام العالم كله، ولتكشف مدى هشاشة قوته، ومعنوياته المحبطة، وهلع وجبن المستوطنين الذين اختبأوا في حاويات القمامة لتكون ملجأ لهم…
بعد الذي جرى… من توقف مطار بن غوربون عن تسيير الرحلات بسبب عمليات طوفان الأقصى، ليس إلا ذراً في العيون. وما علينا إلا أن نراقب حركة مطارات العدو، في الأيام المقبلة، لنعرف أعداد الصهاينة المغادرين نهائياً كيانهم المؤقت.
متى يعي الصهاينة أنّ وجودهم في فلسطين مرفوض مرفوض، وأنّ كيانهم الغاصب مؤقت، وإن وقف الى جانبهم، ودعمهم كلّ طغاة العالم وعملائه ومرتزقته!
إنه كيان دخيل لا مكان له في هذه الأمة مهما طال الزمن، هو كرة ثلج سرعان ما تذوب تحت حرارة نيران المقاومين. حينها سيسطّر المقاومون الفلسطينيون مجدّداً تاريخهم المشرّف الجديد.
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق