مجزرة المستشفى المعمداني نقطة تحول
ناصر قنديل
– ليست مجزرة المستشفى المعمداني التي كانت حصيلتها الأوليّة أكثر من 500 شهيد. وتتوقع بعض التقارير ارتفاع العدد إلى 1000 شهيد مع اكتشاف المزيد ووفاة عدد من الجرحى لتدهور فرص العناية الطبية. والمجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال بغارات جوية استهدفت المستشفى هي عمل مبرمج تبع إنذاراً لإدارة المستشفى لإخلائه، بعدما تحوّل إلى أهم تجمع مدني في شمال غزة ووسطها، وهي المنطقة المستهدفة بالتهجير كمرحلة أولى، وقد رفضت إدارة المستشفى الاستجابة للإنذار، بعد استشارة مديره إدارة الصليب الأحمر الدولي التي قالت له إنه محمي بالقانون الدولي وليس عليه أن يخاف، والمستشفى يضمّ في ساحاته وحدائقه آلاف النازحين الذين لجأوا إليه. والمجزرة تعبير دقيق وعميق عن الرؤية الأميركية الإسرائيلية عشية زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى فلسطين المحتلة للإشراف على خطة الحرب.
– الواضح أن القيادة الأميركية ومعها قيادة جيش الاحتلال على يقين باستحالة القيام باجتياح برّي ناجح لقطاع غزة، وقد وضع مخطط بديل للعملية البرية هو التهجير إلى الحدود مع مصر، تمهيداً لنقل المهجّرين إلى سيناء بعد نهاية الحرب، حيث تستخدم القنابل الأميركية المتطورة بما فيها المزوّدة باليورانيوم، وبعضها نووي تكتيكي، لتفجير الأنفاق ويصبح التقدّم برياً مجرد عمل استعراضي على جثث الشهداء وفوق ركام المنازل، بحيث يكون استخدام تقنيات القتل والتدمير بما يعادل قنبلة ذرية وأكثر، وتصبح غزة هيروشيما وناكازاكي معاً. وما جرى في المستشفى المعمداني هو جس النبض المطلوب عشية انطلاق العملية، التي تقوم على تعميم نموذج مجرزة المستشفى.
– هذه المجزرة نقطة تحوّل، لأنها فرصة لنتعرف على حجم التحولات التي تمّ إدخالها على بنية الشارع العالمي، فهل سوف تنجح الثقافة العنصرية بجعل الشعوب والنخب العالمية الحرّة تصمت، أو تخرج أصوات معزولة عاجزة عن تشكيل رأي عام، والذين خرجوا حتى الآن في شوارع الغرب يمثلون ظاهرة مبشّرة بفشل ثقافة الفرز العنصري بين شعوب العالم، وخروج الشوارع الشعبيّة الغاضبة الضاغطة لوقف فوري لإطلاق النار ووقف المجزرة، هو حكماً نقطة تحوّل تعادل موجات من القصف الصاروخي المسدّد والدقيق.
– هذه المجزرة هي نقطة تحوّل في مسار الحرب، أولاً لأن مرورها بصمت يعني أن النموذج سوف يُكمل مساره للتعميم. وهي نقطة تحوّل لأنها تكشف حقيقة المواقف، فهل العرب المستهدفون بمصالحهم وكياناتهم وأنظمة حكمهم بمشروع التهجير أو الترانسفير، وهما مصر والأردن وتالياً السعودية سوف يترجمون مصالحهم العميقة المهددة بمواقف بحجم التهديد، وبأيديهم أوراق حاسمة، ولا نتحدث هنا عن إعلان سقوط الاتفاقيات مع كيان الاحتلال، ولا عن التهديد بطرد السفراء الأميركيين، فيكفي أن يغضّ النظام في الأردن النظر عن الغاضبين الذين يريدون الزحف إلى الحدود مع فلسطين المحتلة، ويكفي أن تترك الحكومة المصرية عمال قناة السويس يقرّرون إقفالها احتجاجاً على المجزرة، حتى يتم فرض وقف إطلاق النار، ويكفي أن تترك السعودية العمال في أرامكو يقرّرون إيقاف تصدير النفط حتى يتوقف إطلاق النار، فيركع الغرب المتهافت على أبواب تل أبيب على أعتاب العواصم العربية، طلباً للحلول.
– هذه المجزرة هي نقطة تحوّل، لأنها تقول إن الضفة الغربية التي تمثل حركة فتح أكبر قوة شعبية وأكبر قوة مسلّحة فيها، هل يمكن أن تنام الليل وهي تغمض جفنها على هذه المجزرة، وفيها مقاومون بالمئات من الفصائل المقاتلة؟ وهل يمكن أن يتوهم أحد أن مذابح غزة سوف تترك للسلطة بعد إسقاط غزة ومقاومتها فرصة أن تقوم لها قائمة؟ وهل ينتظر الضفة الغربية مصير مختلف، ومشروع التهجير الى الأردن على الطاولة جاهز للتطبيق بعد إنهاء ملف تهجير غزة؟
– المجزرة نقطة تحوّل إذا نجح العرب والفلسطينيون بتحويلها الى نقطة انطلاق لمشروع وقف إطلاق نار يشبه تفاهم نيسان 1996 الذي ولد من رحم صمود المقاومة ودماء الأطفال من شهداء مجزرة قانا، والفارق لصالح غزة بهول المجزرة وحجم قوة المقاومة، لكنه في غير صالح غزة بفوارق عربية وفلسطينية، فقد كانت سورية متعافية يومها قادرة على لعب دور محوريّ عربياً ودولياً، وجعل الرئيس حافظ الأسد المجزرة نقطة انطلاق لرعايته تفاهم نيسان، ولبنانياً كان هناك نبيه بري ورفيق الحريري، وليس محمود عباس.
– المجزرة نقطة تحوّل، لأن الشارع العربي المعني بالدفاع عن كرامته وبقائه خارج زمن العبودية، هو المعنيّ بفرض الحضور والخروج إلى الساحات والشوارع ومحاصرة السفارات الأميركية، السفارات الإسرائيلية حيث وجدت، وعدم مغادرة الشوارع والساحات حتى يتحقق فرض الإرادة، وتغيير المسار.
– المجزرة نقطة تحوّل، لأن محور المقاومة الذي تحدث عنه السيد علي الخامنئي، قال قبل المجزرة، «إنه إذا استمرت جرائم الكيان الصهيوني في غزة لن يكون بإمكان أحد الوقوف بوجه المسلمين ومحور المقاومة»، لكن ثمّة فارقاً كبيراً بين أن يتدخل محور المقاومة ويقلب الطاولة، وهو محاط بعناصر قوة هي مواقف عربية وشعبية وفلسطينية حاضرة بكل ثقلها، وبين أن يكون وحيداً، والذين يقولون إنهم ينتظرون موقف محور المقاومة، يجب أن يسبقوا السؤال برفع الصوت الصارخ بوجه كل من عليه مسؤولية ويتخاذل عن أدائها، خصوصاً أن الكلام الإسرائيلي عن تولي الأميركي مهمة التعامل بالنار مع أي تدخل لمحور المقاومة في حرب غزة، يصبح فرضية تجب دراستها جدياً إذا ساد الصمت والتخاذل، لكن محور المقاومة يدرس ليواجه، وليس ليجد ذريعة للتخاذل، ولهذا ما جرى هو حكماً نقطة تحول، لأن هناك محوراً للمقاومة هو وحده باب الأمل.