أكذوبة السلام الصهيوني وحلّ الدولتين
} د. محمد سيد أحمد
استطاعت المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة أن تعيد للقضية الفلسطينية وهجها الذي خمد على مدار العقد الأخير، حيث أشعل العدو الصهيوني شرارة الربيع العربي المزعوم، والذي ألقى بظلاله السلبية على القضية الفلسطينية، حيث انشغلت غالبية الدول العربية بما أصابها من أزمات وصراعات وحروب داخلية، وظنّ العدو الصهيوني أنّ القضية الفلسطينية قد ماتت وشيّعت جنازتها ودفنت للأبد، لكن كانت للمقاومة كلمة أخرى، حيث انطلقت عملية طوفان الأقصى، والتي تفاجأ بها العدو الصهيوني، وكبّدته خسائر في الأرواح والجرحى لم يشهدها من قبل إلا في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، والتي كان يظنّها العدو بأنها ستكون أخر الحروب… وأكدت العملية أنّ جيش الاحتلال كيان ضعيف وهش على عكس الصورة الذهنية التي كان يرسمها لنفسه ويصدرها للرأي العام العربي والعالمي.
ودخلت الحرب أسبوعها الثالث ولا تزال النيران مشتعلة، وقد تابعت خلال الأيام الماضية كلّ التحركات والجهود الإقليمية والدولية التي تحاول إيقاف الحرب العدوانية على قطاع غزة والذي يشهد شعبها حرب إبادة جماعية ووحشية من الآلة العسكرية الصهيونية.
وإذا كان العدو الأميركي وحلفاؤه الغربيون قد انحازوا منذ اللحظة الأولى للعدو الصهيوني وحوّلوا المنظمات الدولية وفي مقدّمتها الأمم المتحدة إلى مؤيد وداعم لهم، وهو ما يمكن فهمه من حيث طبيعة العلاقة التاريخية بين الغرب الاستعماري والعدو الصهيوني، فهذا الغرب هو الذي مكّن هذا العدو من هذه الأرض قبل ما يزيد على قرن من الزمان، لكن غير المفهوم هو الموقف العربي العاجز أمام العدو الصهيوني، والخطاب الاستسلامي والصوت الخافت من الحكام العرب، فعلى الرغم من الانتفاضة الشعبية في طول وعرض العواصم العربية، إلا أنّ الخطاب الرسمي لا يزال عاجزاً عن قول الحق، أو وصف المقاومة الفلسطينية بأنها حق مشروع دفاعاً عن النفس تكفله القوانين الدولية لكل شعب احتلت أرضه.
فخلال قمة القاهرة للسلام والتي فشلت في الخروج ببيان ختامي يدين العدوان ويطالب بوقف المجازر الصهيونية على الشعب الفلسطيني المحاصر بقطاع غزة، ويدين المشروع الصهيوني الشيطاني المدعوم أميركياً وغربياً والذي يسعى لتهجير سكان غزة قسرياً إلى الأرض المصرية في سيناء تلك الأرض التي حرّرت بدماء الشهداء من أبناء الشعب المصري في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، كانت الكلمات عاجزة ومتردّدة وغير حاسمة، وتساوي بين القاتل والمقتول، وتحاول استجداء العدو وكأنه هو صاحب الأرض وتطالبه بالسلام المزعوم، وتخطب ودّه لقبول حلّ الدولتين على أرض ما قبل 5 حزيران/ يونيو 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تكون عاصمتها القدس الشرقية، وبالطبع يسمع العدو هذا الكلام ويقول في نفسه لقد نجحت مهمّتنا في إقناع الرأي العام العالمي بأننا أصحاب الأرض، وأنّ حربنا هي للدفاع عن أنفسنا أمام هؤلاء الإرهابيين، والدليل هو استجداء هؤلاء الحكام العرب لوقف نزيف الدم بين الطرفين كما يقولون في تصريحاتهم أمام وسائل الإعلام.
لقد تقزمت القضية الفلسطينية على يد الحكام العرب وأصبحت أكثر أمانيهم أن يسمح العدو الصهيوني بمرور المساعدات الإنسانية لشعب تتمّ إبادته، ولم نسمع صوتاً يقول إنّ هذا الشعب هو صاحب الأرض الفعلي ويجب على هذا العدو الصهيوني أن يحمل أمتعته ويرحل.
هنا يجب أن نذكّر الرأي العام العالمي بأنّ هذا العدو الصهيوني لم يكن له وطن حين كان الشعب الفلسطيني يعيش ويحيا على هذه الأرض عبر آلاف السنين، وعندما فكر الصهاينة في البحث عن وطن لهم ليجمع شتاتهم من حول العالم، لم يجدوا أمامهم غير بريطانيا الاستعمارية التي كانت تفرض سيطرتها وهيمنتها بالقوة على أجزاء كبيرة من وطننا العربي. واستقرّ رأي المتآمرين على اغتصاب الأرض الفلسطينية، وتمّ الإعلان عن المؤامرة عبر ما عُرف بـ «وعد بلفور» وهو الاسم الشائع الذي عُرفت به الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطاني آنذاك بتاريخ 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وبالطبع منح هذا الوعد من لا يملك لمن لا يستحق، فالحكومة البريطانية لا تملك الأرض العربية الفلسطينية، وإنْ سيطرت عليها بقوة السلاح واحتلتها، واليهود الصهاينة الذين جاؤوا من كلّ أصقاع الأرض لا يستحقون أرض فلسطين.
وقد لقي الوعد المزعوم رفضاً فلسطينياً قوياً، فاندلعت مجموعة من الثورات، جسّدت كفاح الشعب الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني، لكن القوى الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا وأميركا استمرتا في دعم الانتشار اليهودي الصهيوني داخل الأرض الفلسطينية وفي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947 صدر قرار ظالم من هيئة الأمم رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة عربية وأخرى يهودية، مما أدّى إلى إعلان قيام الدولة اليهودية المزعومة دولة مستقلة على أرض فلسطين المغتصبة في 15 مايو/ أيار 1948. ومنذ ذلك التاريخ والشعب العربي الفلسطيني يقاوم ويحارب من أجل استرداد أرضه، لذلك يجب أن نصحّح بوصلتنا. فالحديث عن السلام مع العدو الصهيوني أكذوبة كبرى، وطرح حلّ الدولتين طرح ظالم، صراعنا مع هذا العدو صراع وجود وليس حدود، هو بالأصل محتلّ ومغتصب وكلّ الشرائع السماوية والقوانين الدولية تعطي الحقّ للشعب العربي الفلسطيني لحمل السلاح من أجل تحرير أرضه، لذلك لن تتحرر فلسطين إلا عبر الكفاح المسلح، فما أخذ بالقوة لن يُستردّ إلا بالقوة، اللهم بلغت اللهم فاشهد…