رسائل مشفرة في حركة السيد نصرالله
ناصر قنديل
– لم يتأخر حزب الله يوماً واحداً عن طوفان الأقصى، فبدأ في الثامن من تشرين الأول إشعال جبهة مزارع شبعا بقذائف وصواريخ استهدفت مواقع الاحتلال فيها، وتدرّج خلال الأيام الثمانية عشر من المعركة المفتوحة حول غزة، برفع مستوى المواجهة في جبهة الحدود اللبنانية الفلسطينية، حتى صارت الجبهة من الناقورة الى مزارع شبعا شريط نار، وصار عمق الكيلومترات الستة التي تطالها صواريخ الكورنيت، مدى الاشتباك وعرض شريط النار. وبات هذا الشريط محرماً على دبابات جيش الاحتلال وجنوده وضباطه، وتحوّلت معسكراته ومقار قياداته إلى جحيم، وتم تدمير كل بنيته الإلكترونية التجسسيّة وآلات الرصد والرادار والكاميرات على طول خط الحدود، حتى بات الاحتلال بلا عيون يرى عبرها ما يجري على الجبهة، وقدّم حزب الله أكثر من أربعين شهيداً خلال هذه الأيام، وتصدّى لكل محاولات التهديد الأميركي المشفوعة بنصائح غربية وعربية بتهدئة الجبهة دون ربطها بالهدوء في غزة، لكن الذي كان يلفت الانتباه بصورة غير مألوفة، هو أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لم يطلّ ولم يظهر حتى في صورة لقاء، علماً أن الجميع يعلم أنه يتابع يومياً مع غرفة عمليات المقاومة في غزة أدق التفاصيل، وأنه يصدر تعليماته لغرفة العمليات في لبنان خطوة خطوة.
– لم يعتد اللبنانيون والعرب والأصدقاء والأعداء أن يعتمد السيد هذا النوع من الأداء، فكان الغياب شكلاً من الحضور، وكان الغموض شكلاً من ممارسة الحرب النفسية، وفتح الطريق عبر إخلاء المشهد الإعلامي لتصدّر العنوان الفلسطيني للمشهد طوال الأيام الثمانية عشر. وأسهم هذا التركيز الضوئي على البعد الفلسطيني بتفاعل أعلى للشارعين العربي والعالمي، لصالح المقاومة، بصورة عكسيّة لما كان يريده أعداء المقاومة بتصوير المعركة مواجهة إيرانية إسرائيلية، أو مواجهة بين حزب الله وكيان الاحتلال، لكن لا أحد يعلم ماذا كانت حسابات السيد نصرالله، حتى جاء خبران مصوران عن مكتب السيد نصرالله، واحد يحمل صورة وتفاصيل لقائه بقيادات حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، ومناقشة تطوّرات الوضع في غزة، والثاني رسالة بخط يد السيد نصرالله تتضمّن دعوة المؤسسات الإعلامية الى إطلاق توصيف شهداء على طريق القدس على شهداء المقاومة الذين يزداد تعدادُهم كل يوم.
– الأكيد بالنسبة لكل من يتابع هو أن السيد نصرالله على اتصال يوميّ بقيادة حماس والجهاد. فماذا يحمل الخبر والصورة والإعلان عن هذا اللقاء هذه المرة؟ وهل هو تمهيد للانتقال خطوة إضافية في خيار تصعيد المواجهة من جبهة لبنان، على قاعدة، «ما يجب على أطراف محور المقاومة القيام به في هذه المرحلة الحساسة لتحقيق انتصار حقيقي للمقاومة في غزة وفلسطين ووقف العدوان الغادر والوحشي على شعبنا المظلوم والصامد في غزة وفي الضفة الغربية»، كما ورد في البيان المرفق بصورة اللقاء؟ خصوصاً في ضوء تقدير للموقف يقول إن جيش الاحتلال يكتشف كل يوم حجم ما ينتظره في حال بدء العملية العسكرية البرية، ولذلك هو يخترع كل يوم الذرائع ويتقاسم مع الأميركي التسريبات للتملّص من الذهاب الى المواجهة المباشرة مع المقاومة في غزة، بينما تستمر عملية القتل المفتوح والتدمير الشامل للبنى المدنية السكانية في غزة، ويبدو أن الوضعين الدولي والعربي أعجز من أن يُنتظر منهما وقف المذبحة التي يقوم جيش الاحتلال بتنفيذها بحق سكان غزة ونسائها وأطفالها وشيوخها ومرضاها وجرحاها، بحيث ما عاد ممكناً منع الأسوأ، دون دخول مكافئ ناري في مواجهة التفوّق الناريّ لجيش الاحتلال مقارنة بما لدى المقاومة في غزة؟
– في الرسالة المخطوطة بيد السيد نصرالله، ما كان يمكن أن يتضمّنه تعميم داخلي على قيادة المقاومة لاعتماده في بيانات نعي الشهداء، وعبرها للمؤسسات الإعلامية والحزبية، التي تنتمي لثقافة المقاومة ومحورها، لكن نشر الرسالة بخط السيد ليس مجرد تقرير لواقع، بقدر ما أنه رسالة لها وظيفة تتصل بالحرب نفسها، خصوصاً أن السيد نصرالله اختار توصيفاً لشهداء المقاومة يقول إنهم شهداء على طريق القدس، وكان يمكن أن يكونوا شهداء نصرة فلسطين، أو نصرة غزة، ولكل تعبير رمزيّة، فهل أراد السيد أن يلوح باحتمال اندلاع الحرب الكبرى التي تصبح فيها طريق القدس مفتوحة أمام المقاومين، وهذا معنى توصيف الشهداء بأنهم على طريق القدس؟
– الخبران العاديان ليسا عاديين، لأن السيد نصرالله محورهما، والسيد وحزب الله اليوم محور التساؤلات التي تشغل بال العالم، من واشنطن إلى تل أبيب وبينهما باريس ولندن، متى يوسّع حزب الله دائرة النار، وماذا يدور في عقل السيد نصرالله؟
– سينشغل الكيان وقادته وأميركا وقادتها، كثيراً بمحاولة فهم الرسالة المشفرة في الخبرين، لكن قبل أن ينتهيا إلى جواب يقيني، ربما يكون السيد قد انتقل الى خبر جديد، ورما إطلالة بصيغة مختلفة تعلن الخبر الثالث الأهم الذي يخشاه الكثيرون، ويرغبه الكثيرون.