الدعم الأميركي والغربي لـ «إسرائيل» والخشية من انتصار المقاومة المدوي…
} رنا العفيف
معركة طوفان الأقصى هي معركة كاشفة للحقائق، للكثير من الحروب التي تحصل بدءاً من سورية، انتهاءً بغزة حيث الصراع الذي بدأت تتوضح معالم مشروع الهيمنة الغربية بين قوسين تفوّق العنصر الغربي الصهيوني على العنصر العربي، وهذا ما كان لافتاً في أروقة مجلس الأمن من خلال الانحياز لشيطنة حماس، استناداً لما قدّمه انتوني بلينكن ومن خلفه فرنسا وبالمجمل إدارة البيت الأبيض، ما الهدف الأميركي الذي تسعى إليه حيال ما شهدناه في مجلس الأمن؟ وماذا عن الموقف العربي؟
افتتح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش جلسة مجلس الأمن الدولي للبحث في ما سمّاها الحرب بين «إسرائيل» وحماس، مشيراً إلى أنّ هجوم حماس لم يأتِ من فراغ بل بسبب ما يتعرّض له الفلسطينيون من احتلال خانق لعقود، بينما وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي حذر من أنّ الدعم لحرب «إسرائيل» يولد انطباعاً خطراً في المنطقة، أما وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي فقد دعا مجلس الأمن إلى تحمّل مسؤولياته في إنهاء العدوان الإسرائيلي مؤكداً أن لا مبرّر لعجز المجلس عن وقف العدوان، فيما دعا وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن إلى إطلاق سراح الأسرى لدى حماس من دون شرط، كما طالب أعضاء المجلس بثني إيران عن مهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها؟
يبدو أنّ معركة طوفان الأقصى ليست محصورة في فلسطين المحتلة وتحديداً في قطاع غزة، وما كشفته هذه المعركة أعمق بكثير مما يتصوّره البعض من خلال انحياز الغرب الذي يحوّل مجلس الأمن إلى مطية لشيطنة حماس، وكلّ من يدعم ويؤيد القضية الفلسطينية، وكان نصيب سورية واليمن والعراق ولبنان هو اغتيالات قادة واعتداءات وإلى ما هنالك من حصار اقتصادي هنا وهناك، جاءت عملية طوفان الأقصى لتكشف معالم الحرب أو جوهر الحرب الحالية الواقعة في أسس غربية بامتياز ضدّ العرب والمسلمين، وتأتي الأيام لتكشف المزيد من التفاصيل السردية التي كانت غير واضحة بسبب مغالطات الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة التي تدير الحرب في غزة وتدّعي أنها لا تريد الحرب مع إيران وحلفائها ولكن فعلياً مخالفة أقوالها عن أفعالها، كما الحرب على سورية إذ هي التي تديرها عبر وكلاء ومرتزقة وفي مقدمها «إسرائيل»، الفرق هنا بين الحرب على سورية وغزة، أنّ الولايات المتحدة تختبئ خلف «إسرائيل» ولا تتبنّى دعماً أو موقفاً مباشر تجاه اعتداءاتها لأنها حرب بالوكالة غير مباشرة، بينما الحرب بين غزة و»إسرائيل» تبنت واشنطن الموقف الإسرائيلي بالعلن وأقحمت نفسها بهذه الحرب بإرسال حاملات طائرات وبوارج وإرسال جنود وتحشيدات عسكرية إلى أرض المعركة، كما وأرسلت خبراء من أجل أن تساعد الإسرائيلي في الغزو البري لغزة، ثم تقول إنها لا تريد أن تدخل المعارك، وبالتالي الكلام مردود عليه عملياً على اعتبار فعل الأميركي يخالف الكلام والادّعاءات، لأنّ الأميركي اليوم يقوم بكلّ وقاحة وبشكل علني بمخالفة الأعراف والقوانين الدولية ويصفع الانسانية على وجهها ويدوس على حقوق الإنسان، ليُقدّم لـ «إسرائيل» غطاء سياسياً ودعماً دولياً بما فيه الأوروبي…
هذا يدلّ إلى جوهر الصراع الحاصل بين العنصر الغربي والعنصر العربي والإسلامي، وهذه الجزئبة من ضمن المعركة التي كشفت وستكشف تفاصيل إظهار أنياب الغرب بوجه العرب بالعموم ليس فقط غزة، لماذا؟ لأنه عندما قدّم المندوب الروسي كلمته في مجلس الأمن وتحدث عن إطالة أمد النزاع برفض أميركا و»إسرائيل» تحقيق السلام أكد أنّ المشروع الأميركي المقدم يسمح لـ «إسرائيل» بشنّ مزيد من الهجمات على غزة، قدّم وزير الخارجية الأميركية نفسه كيهودي وليس كرئيس وزراء ولم يأتِ على ذكر وقف إطلاق النار ولا حتى أتى على ذكر معاناة الفلسطينيين تحت القصف الوحشي ولا حتى على الصعيد الإنساني، ومن خلفه أيضاً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار تل أبيب بصفته شريكاً في سفك الدماء ومؤيداً للمجازر الإسرائيلية التي ترتكب في غزة،
هذه تفاصيل كلها تؤكد على أنّ هناك انتداباً استعمارياً جديداً ضدّ العرب وتديره أميركا بامتياز بالدليل القاطع وإثبات الدعم لـ «إسرائيل» كأحد أهم الأدلة، وما تمّ من تنميق لافت من خلال البيانات التي تصدر من بعض الأنظمة العربية والإدارة الأميركية نفسها إذ يتحدث بعضها عن المدنيين الذين لا علاقة لهم لكنهم يحمّلون حماس المسؤولية، وبالتالي يُعتبر هذا الأمر تشخيصاً مغلوطاً لمعاناة الشعب الفلسطيني بأكمله، حتى أثناء جلسة مجلس الأمن كان القصف مستمراً وكان يصل لدرجة عنيفة جداً وتسبّب بارتقاء المزيد من الشهداء وإصابة مئات آخرين بجروح متفاوتة، فضلاً عن التدمير والتخريب والتهجير…!
ليس للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها أيّ مصداقية، كما لا يوجد توازن حتى في الخطاب نفسه تجاه ما يحصل في غزة، وأنّ مسألة حقوق الإنسان مسيّسة وليس لها أيّ اعتبار في سنّ القوانين الدولية بالنسبة للغرب ومفهومه للإنسانية بغير اتجاه وهي على مقاس الأداة الإسرائيلية التي تقاتل بالنيابة عنهم، وكلّ القرارات العسكرية التي تتقدّم بها «إسرائيل» هي أميركية غربية بحتة من خلال التنسيق والبحث المستمر، وذلك لإطالة أمد القصف والقضاء على الغزاويين، وتداعيات ذلك خطيرة جداً في المنطقة ليتحوّل نموذج الانطباع الأول في إدارة المعارك الحاصلة هي حرب غربية على العرب والإسلام قولاً واحداً، لأنّ أميركا في صلب مطبخ القرار السياسي لهيئة أركان الحرب على قطاع غزة، وهي عملياً وفعلياً هذه المعركة ربما تكون الفاصلة والكاشفة لكثير من التفاصيل إذ خطاب الغرب كان لافتاً وهذا نتاج تقييم الوضع الأمني والعسكري في معركة الطوفان، إذ تخشى الولايات من انتصار غزة لأنه سيغيّر الكثير من معادلات في المنطقة، كما سيغيّر مسار التطبيع الذي استثمرت فيه واشنطن وفق المعايير الإسرائيلية، وهذا لصالح نهوض واستنهاض العرب وليس لمصلحتها…
وهناك في المقابل فرضية واحدة ترسم خطوطها المقاومة والمحور، وهي ملحمة الانتصار، وهي ستكون صفعة قوية لواشنطن من بعد خسارتها أما روسيا في أوكرانيا، وهو ما سيقوّض مشاريع هيمنتها، وهذا يُبنى عليه الكثير لأنّ انتصار غزة سيعيد رسم خارطة جديدة، وهذا ما تخشاه أميركا وحلفاؤها الغربيون، لأنه يعني بالنسبة لهم هزيمة مدوية وكاملة…