باكستان: حدود الانخراط في حرب اليمن
وليد زيتوني
تتوافق الشرائح السياسية والاجتماعية في باكستان إلى حد كبير على العلاقة الاستراتيجية القائمة مع المملكة العربية السعودية. وهي علاقات قديمة قائمة على تبادل المصالح بين الاقتصادي والعسكري. فباكستان تحتاج إلى السعودية كسوق كبيرة للعمالة في شتى قطاعات الإنتاج والإدارة، إذ تصل الأرقام المعلنة إلى عشرات الآلاف وربما تتجاوز هذه الأرقام إلى نسب أكبر. والسعودية في الوقت نفسه بحاجة ماسّة إلى اليد العاملة الرخيصة لحركة إنتاجها، وإن كان إنتاجاً ريعياً يعتمد على البترول ومشتقاته، كما أنها بحاجة تفوق ذلك في الإطار العسكري. العناصر الباكستانية في هذا الإطار تشكل العمود الفقري للجيش السعودي على مستوى العديد أو على مستوى الخبراء، وبالتالي يصبح هذا الوجود وجوداً عضوياً وأساسياً في أيّ مشروع عسكري سعودي، عملانياً أو تدريبياً أو لوجستياً. بل نستطيع القول، وهو أمر معروف للجميع، أن الأموال السعودية والاستخبارات الباكستانية بإشراف مباشر من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية هي من أوجد القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان للقتال في مواجهة الاتحاد السوفياتي السابق.
انطلاقاً ممّا تقدّم نتساءل، هل تستطيع السعودية ومعها هذا التحالف الإقليمي «العريض»، أن تعلن حرباً على اليمن من دون المشاركة الباكستانية الفاعلة؟ بخاصة في ظلّ الأوضاع الأمنية التي تمر بها مصر، باعتبار الجيش المصري هو الوحيد، بين الجيوش الأخرى، القادر على أن يمثّل نواة فعلية لقوة عملانية جدية. وهل بإمكان الجيش السعودي من دون العناصر الباكستانية المنخرطة في تنظيمه أن يقود عملية من هذا النوع؟
ربما هذه الأسئلة تحمل إجاباتها في طيّها، إلا أنّها تفتح أفقاً جديداً للتساؤل في ما يخص حدود المصلحة الباكستانية للانخراط في هذه الحرب. من خلال النقاش الباكستاني الداخلي حول الحرب على اليمن باعتبارها جزءاً من التحالف، نستنتج الأمور التالية:
أولاً: إن مبرّرات دخول باكستان هذه الحرب ليس لها أيّ مسوغ قانوني أو شرعي أو أخلاقي غير علاقتها المادية بالسعودية، على رغم أنها ملتزمة معاهدة استراتيجية للدفاع المشترك مع المملكة. فاليمن لم يبادر إلى إعلان حرب على السعودية، وبالتالي لم يتحول إلى تهديد جدي لها. كما أنه لم يبادر إلى إعلان أي حالة عداء مع باكستان.
ثانياً: إن إعلان باكستان واجب الدفاع عن السعودية باعتبارها دولة مسلمة وفيها مقدسات إسلامية وهو إلزام شرعي كما تدّعي، ليس إلا قناعاً تضليلياً، لأن اليمن أيضاً دولة مسلمة من جهة، ومن جهة أخرى لم نرَ باكستان تنبري للدفاع عن القدس وفلسطين وفيها مقدسات إسلامية.
ثالثاً: إن هناك تناقضاً داخلياً بين السلطة الباكستانية والمعارضة في ما يخص حدود التدخل. فالسلطة الحاكمة تحاول أن ترسل قوات تشترك بهذه الحرب بحسب الحاجة السعودية لذلك، أي إنها ستكون جزءاً لوجستياً من الهجوم البريّ، إضافة إلى الهجوم الجويّ. أما المعارضة فتذهب إلى ضرورة إرسال قوات تتمركز في الإطار الدفاعي عن الحدود السعودية والمساعدة في المجال الاستخباراتي والاستعلامي والتدريبي وإدارة العمليات. كما أن المعارضة تطرح تخوفاً آخر، يتعلق بمواجهات محتملة مباشرة أو غير مباشرة مع إيران الداعمة للحراك الحوثي، ما يؤدي إلى صراع جديد يضاف إلى التحديات التي تواجه باكستان إلى جانب الإرهاب والأوضاع الاقتصادية السيئة والصراع مع الهند في كشمير وغيرها.
رابعاً: على رغم قرار البرلمان الباكستاني بعدم الاشتراك بالتحالف وبالتالي بالحرب على اليمن، ستبقى باكستان الرافد الأساس لجيش النظام السعودي. غير أن تخوفاً داخلياً بدأ يطفو إلى العلن، يتعلق بالطلب السعودي بإرسال عناصر من فئة مذهبية محددة. وهو ما يعتبره الجميع معارضة وموالاة خطراً على وحدة الجيش الباكستاني ربما كان السبب الأقوى لإعلانها عدم المشاركة في الائتلاف.
الحقيقة، إن قرار اشتراك باكستان في هذه الحرب أو غيرها، ليس معطى داخلياً، ولن يكون محكوماً بالمصلحة الباكستانية فقط، إنما هو قرار أميركي بامتياز . فباكستان تشكل قاعدة الاحتياط الاستراتيجي لسياسة الولايات المتحدة الأميركية في ما يخص مشروعها الجيواستراتيجي الأساسي المتعلق بدخول غرب الصين وجنوب الاتحاد الروسي .استخدمتها سابقاً في أفغانستان، وتستخدمها في الهند، وتعوّل عليها في الخليج العربي، وبالتأكيد ستستفيد منها كمحطة في الموضوع الإيراني على رغم اتفاق الإطار للملف النووي.
الصراع في اليمن، وعلى اليمن، هو انعكاس لمشيئة أميركية تسعى إلى إبقاء الصراع في المنطقة مفتوحاً على مصراعيه، لاستنزاف قدرات المنطقة ونهب خيراتها وثرواتها.
عميد ركن متقاعد