عجز المجتمع الدولي وهباب اللحم البشري المتفحّم
} د. حسن أحمد حسن*
ما دامتْ رائحةُ اللحم البشري المتفحّم لا تزكم أنف الهيئات الرسمية للمجتمع الدولي الراضي طوعاً أو كرهاً باستمرار الموت المتعمّد يحصد آلاف الأطفال الرضع في غزة هاشم وهي تقاتل كلّ ذئاب الليل المسعورة… وعواء ذئاب الموت المتكدّس ضرَّج وجه الشمس بدماءٍ رسمت في الرمل الغزاوي المتبركن صور الأنياب المسمومة تنهش لحم الأطفال ولا تخشى صرخةَ حقٍ يتمناها الصوت المبحوح يغيب صداه الباهت حيث القصف المتواصل ليل نهار، وعلى وقع صواريخ الموت الحتمي تتمدّد أعمدة الرعب اللا مشروع لتلزم ما أسموه المجتمع الدولي بالصمت القاتل خوفاً من سطوة قابيل القرن الحادي والعشرين الشاهر سيفاً كي يرفع فوق جماجم قتلاه أعمدة الفصل السابع من ميثاق نظام العيش القادم للعالم أجمع عبر أساطيل القتل المتعمّد تغزو كلّ بحار الكون كي يبقى الجينز الأميركي عنوان القرن الحالي حتى لو أدّى الأمر لفناء البشرية جمعاء. وكأن العربدة الأميركية تأخذ طوراً أرفع للعدوان الغاشم علناً لا سراً، فالمستهدف أبعد من غزة… بل أبعد من منطقة الشرق الأوسط… ويكاد الصلف الأميركي المتعجرف يعلنها ضدّ الإنسانية قاطبة كي تبقى قبعة الكاوبوي تتبنى الإجرام اللامحدود لكيان فاشي فوجئ في السابع من تشرين الأول بالصفعة تلو الصفعة تفقده كلّ صوابه، بل تظهر عجزاً تتالى أصوات سقوط جنرالات الحرب لديه من دون قناع، وكأنّ الصفعة قد طالت أركان البيت الأبيض فانتفض الجلاد الأكبر ومضى مسعوراً لا يدري كيف يواري سوأة رأس الحربة إذ كسرت من دون عناء بإرادة أبطال الطوفان الزاخر بالحق يبلوره نهجٌ أثبت جدواه وقاوم باللحم الحي جبروت فراعنة العصر يعلمهم كيف يكون البأس وكيف تفيض الذات المظلومة طوفاناً ينبئ بالأعظم. فالأرض لنا، ولنا الحق بعيش لا يفسده خوفٌ من محتلٍّ لا يعرف للعرف حدوداً.. لا تعنيه أبداً قيم المجتمع الإنساني عبر التاريخ، بل يضرب عرض الحائط بالقانون الدولي ويسخر من كلّ الداعين لقول الحق في عصر التبعية للطاغوت الأكبر في واشنطن… رأس الأفعى المعقورة تنفث سم إصابتها كي يبقى في قبضتها حاضر هذا الكون ومستقبله المتداعي جراء الضرب بلا وجل بإرادة عالمنا القائم والعاجز أن يحمي بالحدّ الأدنى حقّ حياة الناس أياً كانوا وفق المتبقي من قيم الإنسانية…
ما دام السيف المحشور بخاصرة الطفل المسجون يتحرّك كيف يشاء… أنى يشاء… وجهابذة القيم «العصرية» وحماة المجتمع «المتحضر» لا تعنيها صرخات الأم الثكلى تحتضن فلذات الأكباد وقد ماتت واحدة تلو الأخرى داخل ذاك السجن المفروض على غزة منذ عقود.. أمٌ تتمسّك ضارعة ببقايا أجساد الأبناء المتناثرة تحت ركام منذ قليل كان البيت تسوره الأحلام المشروعة… واليوم غدت تلك الأحلام بعض هباب شواء الأجساد البشرية تتشظى فوق ركام البيت المتداعي بمباركة البيت الأبيض يحمي أنياب الوحشية من ذاك الصدأ المتزايد جراء العجز المتفاقم عن إحكام القبضة حول رقاب البشرية كي تبقى مجتمعات القرن الحادي والعشرين تسبّح صبح مساء بحمد القاتل مزهواً بجرائمه النكراء يكرّرها من دون حساب..
أمٌ من حبات الرمل الطاهر صاغت عقد تجذّر أبناء الأرض بثراها المتموّج بدماء لا أطهر منها ولا أنقى.. أمٌ أرضعت الطفل المولود لساعته كلّ حنان الأم الملهوفة، وغدت مدرسة في الصبر وفي البأس الرافض أن يحني أبناء فلسطين الهام المرفوعة إلا للخالق وحده… أمٌ ورثت عن أمٍ بسملة الصبر تبرعمه عزماً يكسو أجساد النشء القادم… يحمل في جيناته عبق الرمل الغزاوي المرشوش على جلد المولود ليبقى غزاوياً صرفاً يعرف سرَّ الأرض الحبلى بإرادة أبناء الحق وهم يصوغون ملحمة طوفان الأقصى… جيلٌ لا يخشى الموت، بل يتقن حمل الوجع المتتالي أملاً يصفع وجه الظالم جهراً ويقول: لا.. لن نرضى الذلة قط.. لا.. لن تبقى ساحات الأقصى تشكو عسف المحتلّ القاتل، لا… لن يبقى السجن المضروب على غزة يدمي أعين أطفال العزة بعد اليوم… وعلى القاتل والجلاد الآثم ألا ينسى أنّ الجيل الآتي يعرف قبل ولادته كيف يكون استحضار الطوفان… يدري ما تعنيه نظرات الحقد على الإجرام المحميّ بسيف الشيطان الأكبر يستعرض كلّ جبروت طواغيت الكون، وينفث حقده كي ينتقم الوحش المجروح ممن كسر أنيابه… ممن رفض الذلة والموت المتدرّج يحصد أرواح الشعب المتجدد في أرضه والباقي في أعين كلّ المحتلين مخرز إيمان بالنصر الحتمي المقبل.
يدرك أطفال فلسطين… في غزة والضفة والأرض المحتلة أنّ أبالسة الكون تناصر ذاك المجرم والقاتل، لا بل تسعى أن تَصِمَ أبناء الشمس بأنهم الإرهاب بكلّ معانيه. وعلى العالم أن يتضافر كي يطفئ وهج النور الدائم لا يخبو في أعين أطفال فلسطين. وعلى أنصار القتل وتبديد النور ألا ينسوا أنّ الجيل القادم لن يغفر هذا الصمت المخزي خوفاً من غضب النمرود الأميركي الهائج مذ سقط الوحش الإسرائيلي ويكاد الطوفان الميمون يجرف جثته المرمية لولا أساطيل الموت المتتالية تتسابق كي ترسو بمياه الشرق الأوسط لتبارك موت الحق وطغيان الباطل، والعالم مكتوف الأيدي يتفرّج كيف تباد شعوب لا ذنب لها إلا التوق لحياة لا يفرض شكل معالمها من ينحر حق الحياة على مذبح الأحادية القطبية الموبوءة، وقد فات أولئك أنّ أبناء نهج المقاومة أصلب من أن تنال من عزائمهم حاملات الطائرات وصواريخ الإبادة الجماعيّة ففي خلايا كلّ طفل مقاوم يولد تتكرّر أنغام قدسية مذ أذّن والده بعد ولادته في أذنيه قولاً مأثوراً يتكرّر عبر الأجيال لتبقى صرخة «الله أكبر» عربون وفاء الروح للذات القدسيّة رغم أنوف طواغيت الكون…
أيام وتمضي وكلما اقتربنا من يوم الجمعة تضاعف اليقين ببشارة النصر أو إعلان التحدّي وتنفيذه قولاً وعملاً، وإلى أن يأتي اليوم الموعود مع إطلالة صاحب الوعد الصادق تمضي على طريق القدس قوافل الشهداء لينتصر الحق ويزهق الباطل؛ إنّ الباطل كان زهوقاً…
*باحث سوري متخصّص بالجيوبوليتيك
والدراسات الاستراتيجية