التطورات الفلسطينية والإنتخابات الأميركية
} د. حسن مرهج*
تطورات إقليمية هامة سيكون لها تأثيرات مباشرة على ملفات دولية. هذه المقاربة باتت واضحة من خلال ما تشهده الأراضي الفلسطينية والحرب على غزة، وما نتج عن ذلك من تظاهرات في الدول الأوروبية وكذا الولايات المتحدة، لا سيما أنّ التظاهرات التي شهدتها الولايات المتحدة كانت الأولى من نوعها، لجهة أعداد المشاركين فضلاً عن رفعهم شعارات ضدّ سياسة الدعم الأميركي لـ «إسرائيل» في حربها ضدّ غزة، والأهمّ أنّ التظاهرات التي طوّقت البيت الأبيض، هتفت بضرورة إنقاذ الفلسطينيين ووقف إطلاق النار. كلّ هذا في توقيت أميركي حاسم سيشهد خلال الفترة المقبلة الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
واقع الحال يؤكد بأنّ تأثير التطورات الفلسطينية على الانتخابات الأميركية يعتمد على عدة عوامل، فقد يؤثر الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والتطورات المتعلقة به في بعض الأحيان على مواقف المرشحين الأميركيين وقراراتهم في ما يتعلق بالشؤون الخارجية والسياسة الشرق أوسطية، وقد تؤدّي التوترات في المنطقة إلى زيادة اهتمام المرشحين بالشؤون الفلسطينية و»إسرائيل»، وبالتالي قد تكون لها تأثير على مستوى دعمهم لإحدى الجانبين أو مواقفهم من حلّ الصراع. لكن اليوم تبدو الصورة مختلفة، فـ على الرغم من دعم الولايات المتحدة اللا محدود لـ «إسرائيل»، لكن اليوم ثمة في داخل الولايات المتحدة رأياً مغايراً يتمثل في ضرورة وضع حدّ للتوترات في فلسطين، والخوف من اتساع رقعة المواجهات، والأميركين غير مستعدّين لتكرار تجربة الحرب في أفغانستان أو العراق.
بالإضافة إلى ذلك، قد تؤثر التطورات في فلسطين على اهتمام وتصوُّر الجمهور الأميركي بشأن هذه المسألة، وبالتالي قد يؤثِّر ذلك في تفضيلاتهم للمرشح المؤثَّر في هذا المجال، ولكن، يجب أخذ جميع هذه التأثيرات بعناية، حيث أنّ هُناك عديد من القضايا والأولويات التى تؤثِّر في نتائج اﻷصوات اﻷميركية. لذا فإنّ التأثير المباشر فيه من جانب التطورات الفلسطینیة يُظهر بشكل جلي حجم السخط الأميركيين على سياسات بايدن، الأمر الذي سيكون له تأثير مباشر على مستقبل بايدن السياسي، والأهمّ قد يكون ذلك سبباً في محاكمة بايدن في مرحلة لاحقة.
من زاوية الواقعية السياسية فإنه من الصعب تحديد مدى تأثير فشل نتنياهو في الحرب الحالية على الانتخابات الأميركية بشكل مباشر، حيث تعتبر الانتخابات الأميركية عملية سياسية مستقلة تعتمد على العديد من العوامل. ومع ذلك، يمكن أن يؤثر الوضع السياسي في «إسرائيل» على الموقف الأميركي الداعم لـ «إسرائيل»، أما نتنياهو الباحث عن دعم أميركي إضافي يساعده في شنّ حروب متعددة سواء في جنوب لبنان أو حتى شنّ هجوم ضدّ إيران، فإنّ هذا الأمر سيكون بلا ريب سبباً آخر في تقديم معادلات الفشل السياسي الذي ينتظر نتنياهو بعد انتهاء المعركة، أما الموقف الأميركي فالواضح أنه يبحث عن الاستقرار لا التصعيد، ويرغب ببقاء كرة النار بعيدة عن قواعدة في الشرق الأوسط، من هنا يبدو نتنياهو حائراً بين الرضوخ لوقف إطلاق النار وهدنة إنسانية والتفاوض على الأسرى، وإما مصيراً سياسياً مجهولاً قد يقوده إلى السجن.
بطبيعة الحال، إذا كان هناك فشل لنتنياهو في «إسرائيل»، فقد يؤدّي ذلك إلى تغيير في السياسة الخارجية الأميركية تجاه «إسرائيل»، وقد يتمّ تشكيل حكومة جديدة في «إسرائيل» تتبنى سياسات مختلفة تجاه القضية الفلسطينية أو تحقق تغيّراً في العلاقات بين الولايات المتحدة و»إسرائيل»، وتالياً حلّ الدولتين، علاوة على ذلك، فإنّ المظاهرات التي تشهدها الولايات المتحدة بمئات الآلاف تعبّر عن مشاعر الغضب والاستياء من الدعم الأميركي اللا محدود لـ «اسرائيل». هذه المظاهرات قد تؤثر على السياسة الأميركية بشكل عام، بما في ذلك الموقف الأميركي تجاه «إسرائيل»، وقد يؤدّي التركيز على القضايا المحلية في الولايات المتحدة إلى تقليل الاهتمام بالشؤون الخارجية، بما في ذلك القضية الإسرائيلية الفلسطينية.
مع ذلك، يجب أن نلاحظ أنّ العلاقات بين الولايات المتحدة و»إسرائيل» تعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك الاهتمامات الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية. لذلك، قد يكون لفشل نتنياهو في الحرب تأثير محدود على الانتخابات الأميركية، لكن من المؤكد أنّ الموقف الأميركي سيكون مختلفاً هذه المرة وسيصل إلى حدود إجبار نتنياهو إيقاف الحرب والبدء بمفاوضات حول الأسرى، ووصولاً إلى حلّ أميركي مستدام ينهي حالة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
ومع ذلك، يُعتبر الموقف الأميركي الداعم لـ «إسرائيل» قضية حساسة وهامة في الانتخابات الأميركية، وقد يؤثر أيّ تغيّر في سياسة «إسرائيل» أو في شخصية رئيس الحكومة على بعض المقامرات السياسية في الولايات المتحدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية