«الحروب الاستباقية» حقيقة عسكرية ملزمة
} نمر أبي ديب
شكلت الحروب الاستباقية في النظام العسكري الحديث مادة استراتيجية وجهت من خلالها الدول الكبرى حتى الأساسية ضربات قاسمة أنهت بشكل كامل وشبه نهائي مكامن التهديد المحتمل المثبت أمنياً في قراءة وتقييم العديد من أجهزت الاستخبارات العسكرية الحاضرة مع كامل جهوزيتها «التقنية والتجسّسية» في دول المنطقة وكامل مرافقها الحيوية، ضمن متلازمة حضور استثنائي مكمِّل بالمفهوم الأمني للنشاط العسكري وأيضاً للعناوين الأساسية التي قامت وما زالت عليها الدوافع وفرضيات البناء العسكري في جبهات المواجهة المعلنة وأيضاً الغير معلنة في مجمل الميادين المشتعلة أو القابلة للاشتعال، نتيجة تقارير «أمنية واستخبارية» تُحدّد على أساسها «الساعة الصفر» العسكرية وحتى السياسية، الحالة التي نعيشها اليوم واقعاً شبه مبهم في أكثر من جبهة وفي طليعتها الحدود اللبنانية الفلسطينية، ما يشير من وجهة نظر القراءة الاستراتيجية الآخذة في الاعتبار مجمل الوقائع الميدانية المحيطة بالحدث، وفي مقدّمتها مشهد «الأساطيل العسكرية» التابعة لدول كبرى أبرزها الولايات المتحدة الأميركية التي لا تنفك تهدّد وتحذر من دخول حزب الله مسرح العمليات العسكرية القائمة اليوم في غزة.
الجدير في الذكر يتمحور حول تأكيد السيد حسن نصرالله أنّ المقاومة دخلت الحرب منذ (8 تشرين الأول)، والجدير في الذكر أيضاً الإعلان الاسرائيلي بفتح الجبهة اللبنانية «بعد الانتهاء من حرب غزة» والكلام لـ مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، ويتضمّن ما حرفيته (بعد يوم واحد من القضاء على حماس، سوف تطبّق إسرائيل الدروس المستفادة من حرب غزة على مقاتلي حزب الله).
حملت كلمات تساحي هنغبي مستشار الأمن القومي في إسرائيل «إعلان نوايا سلبية، مبيّتة تجاه لبنان»، ومدخلاً عسكرياً لتطورات ميدانية محتملة على الجبهة اللبنانية الفلسطينية، يمكن أن تقدم عليها «إسرائيل» في أي لحظة استراتيجية، يرى فيها الجانبان «الأميركي والإسرائيلي» منطلقاً عسكرياً يسمح بتسجيل نقاط مشتركة داخل الجبهة اللبنانية، وهذا بمفهوم الأمن الوقائي يعتبر كافياً لاتخاذ خطوات مناسبة تثبت بالمنطق العسكري «مفهوم الردع» وفي الحسابات الإقليمية موازين القوى الجديدة، انطلاقاً مما يعرف بـ «الحرب الاستباقية»، التي تجيز للحزب ومجمل فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية أحقية المبادرة والشروع في حرب استباقية تسقط على أثرها المقاومة بقايا المشروع الصهيو أميركي الذي دخل بفعل المقاومة العراقية والسورية، مرحلة إخراج أميركا عسكرياً من جغرافيا المنطقة تحديداً الجغرافيا العراقية والسورية.
السؤال: هل باتت المنطقة في كلّ من العراق وسورية وأيضاً لبنان على تماس مباشر مع حرب وقائية استباقية، تنهي بشكل فعلي عملية التدرّج «الإسرائيلي الأميركي» في اختيار وتحديد جغرافية حروب المنطقة؟ وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ الرسائل الخارجية التي وصلت إلى لبنان وفي طليعتها الأميركية، تتناول في مجملها حجم الدمار الذي يمكن أن تتعرّض له الدولة اللبنانية، دون أن يتحدث أحد عن هزيمة عسكرية يمكن أن تلحق بـ حزب الله، وهذا انْ دلّ على شيء ضمني فهو يدلّ على تصالح الولايات المتحدة الأميركية قبل غيرها، مع فكرة انتصار الحزب، وتلك حقيقة ميدانية في امتياز، أبقت الأسطول الأميركي هادئاً في المتوسط حتى اللحظة.
بالتزامن مع تصالح الولايات المتحدة الأميركية مع فكرة «انتصار الحزب» واستنفار الأسطول الأميركي (والفرنسي) مع حاملة الطائرات، والبوارج في المياه الإقليمية، أكثر من حلقة عسكرية مفقودة، وصفحة أمنية غير موجودة أو معلن عنها في كتاب اليوميات الأميركية في المنطقة، وتلك فرضية قائمة على مبدأ السرِّية في التعاطي، أيضاً على مبدأ الترقب وانتظار اللحظة المناسبة، التي شكلت على مستوى التكتيك العسكري وحتى الأمني، حالة أكثر من متقدمة، تتخللها فرضيات واقعية تنتظر على مسار الترجمة المزدوجة للمتدرجات العسكرية عاملين :
على المستوى الأميركي اتخاذ قرار مواجهة، يتضمّن إلى جانب الانغماس المباشر في حرب غير عادية يمكن أن تهدّد على المستوى العسكري أمن القواعد الأميركية في المنطقة، ما يشبه «الفرملة السياسية للاندفاعة الروسية الصينية»، في مشهد غير قابل للصياغة اليوم، يتخطى بشكل كامل القدرة الأميركية على الترجمة والمواجهة في هذه المرحلة.
ثانياً على مستوى المقاومة وتحديداً حزب الله: قرار مواجهة وهو «متَّخذ»، يتضمّن في حدّه الأدنى أولويات وقائية ذات خطوط حمر استراتيجية مؤسّسة لحروب شاملة، أحد أبرز مسبباتها الميدانية: النشاط الأميركي الإسرائيلي الغير محسوب النتائج والمتهوّر على الحدود اللبنانية الفلسطينة، مع ما تتطلبه أولوية «عدم سقوط غزة».
ما يجري اليوم على الساحة الفلسطينية يعكس بشكل واضح البعد الدموي للمشهد الفلسطيني، يعكس حجم الاجرام الذي تحاول «إسرائيل» من خلاله حماية كيانها الاحتلالي كما وجودها المرحلي في المنطقة.
ما يجري حتى اللحظة، يعكس من زوايا مختلفة شكلية الجهوزية الأميركية «الأسطول البحري»، وحجم التهديد المشترك لكلّ من «لبنان وسورية والعراق».
لبنان في عين العاصفة الإقليمية، وعلى تماس مباشر مع «حرب استباقية» مرفقة بعمليات وقائية، تسمح بتوسيع دائرة الاشتباك، وتنهي إلى أجل مسمّى «مسبّبات التهديد الأمني والعسكري وحتى السياسي للجغرافيا اللبنانية».