الإثنين يوم آخر
ناصر قنديل
تبدو صورة مشهد الحرب العدوانية على غزة، وكأن كل شيء أخذ مداه وبات قلب الصفحة نحو صفحة جديدة حتمياً، وتتزاحم الاستحقاقات في هذين اليومين، حيث تتقاطع التقارير الإنسانية والعسكرية عند مقولة الإثنين يوم آخر، إنسانياً تقول التقارير إن فقدان الغذاء والماء والدواء والوقود في ظل انقطاع الكهرباء، قد بلغ مرحلة الكارثة الكبرى، فيكفي أن نعلم أن آلاف المرضى ومنهم الأطفال الحديثو الولادة معرّضون لخطر الموت، مع التوقف التام للتغذية الكهربائية في ما بقي من مستشفيات تعمل بأدنى طاقة ممكنة، خصوصاً في مجمع الشفاء الاستشفائي. وعسكرياً يكفي أن نقرأ ما تنقله الصحافة الأميركية، عبر صحفها الكبرى نيويورك تايمز وواشنطن بوست وول ستريت جورنال، عن نفاد الوقت ونهاية المهلة، أمام إمكانية تحقيق إنجاز في العملية العسكرية البرية لجيش الاحتلال، في ظل اختناق شعبي تعانيه حكومات الغرب الداعمة لحكومة الاحتلال، وفي المقدّمة ما يحيط بإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من متاعب يصعب احتواؤها.
السبت والأحد يبدوان يومين كل منهما بشهر، وفيهما تحتشد منصات لا يمكنها المرور بلا ترك تأثير أو لعب دور في مواكبة ما يجري على ساحة العدوان الهمجي الوحشي الذي يشنّه الاحتلال من جهة، والمواجهة البطولية التي تخوضها المقاومة من جهة موازية. فالقمة العربية التي تنعقد اليوم في الرياض بعد تأجيل متكرّر لتفادي إحراج الموقف، تصل الى موعدها والصورة واضحة، هل ستتولى مهمة إصدار بيان نعي غزة وتعلن الاستسلام للمشيئة العدوانية استجابة للطلب الأميركي؟ أم سوف تتوج المأزق الأميركي الإسرائيلي بانتزاع دور في إعلان وقف إطلاق النار ولو تحت عنوان إنساني لعدة أيام بالتوازي مع تبادل الأسرى والرهائن، باعتبارها أكثر المنصات السياسية التي يفضل الأميركي منحها ورقة التراجع؟ والقمة الاسلامية المنعقدة يوم الأحد ستكون على موعد مع استحقاق الموقف الإيراني الذي عبّر عنه وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان بقوله إنه لم يعد ممكناً تفادي توسّع الحرب مع تمادي العدوان. وعلى ضفة موازية تبلغ منصة التفاوض التي شهدت في الدوحة محطة فاصلة بلقاء ضم رئيس الحكومة القطرية مع رئيسي جهازي المخابرات الأميركي والإسرائيلي، تبعه سفر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إلى القاهرة لترتيبات تتصل بصفقة تبادل وهدنة لعدة أيام، قالت المصادر العسكرية الإسرائيلية إنها على نار حامية.
في قلب كل هذه الصورة تأتي كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اليوم، وهي كلمة مقررة سنوياً في ذكرى يوم شهيد المقاومة، يوم إحياء استشهاد الاستشهادي أحمد قصير بطل تفجير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور في 11-11 من عام 1982، حيث سقط أكثر من 110 قتلى من جنود وضباط جيش الاحتلال، وهو أعلى رقم من القتلى في ضربة واحدة ويوم واحد منذ نشأة كيان الاحتلال وتأسيس جيش الاحتلال، ولم تزاحمه على هذه المكانة أي عملية أو معركة حتى وقوع طوفان الأقصى، الذي انتقلت إليه الراية في شغل هذا الموقع، ونظراً لرمزية التماهي والتشابه بين العمليتين، ونظراً لطبيعة الكلمة التي يلقيها السيد نصرالله في مثل هذه المناسبة وما تتضمّنه من معادلات قتالية، يبدو أن السيد نصرالله ترك لخطابه لهذا اليوم هذه المهمة ولذلك استبقه بإطلالة يوم الجمعة الماضي، لتكون كلمة رسم الاستراتيجية وتهيئة البيئة الشعبية لبنانياً وفلسطينياً وعربياً لفهم تدرّج مدروس نحو التوسّع الذي يفرض معادلات القوة لوقف العدوان على غزة، اذا اقتضى وقف العدوان ذلك، وقد حدث ما يضع كلمة السيد في المكانة التي يريدها لإعلان معادلاته، وسط شارع عالميّ ناهض، وشارع عربي استردّ الحيوية والروح، وقوى المقاومة قد أكملت استعداداتها من اليمن والعراق وسورية، وبين يدي السيد سوف تكون حكماً نتائج مسارات السياسة، بين خياري التهدئة والتصعيد ليبني على الشيء مقتضاه.
لذلك كله فإن الإثنين سوف يكون يوماً آخر.