انكشاف الفخ الأميركي ـ «الإسرائيلي» وراء طرح هدن يومية لأربع ساعات…!
} حسن حردان
سارع البيت الأبيض الأميركي الى الإعلان عن
اتفاق على هدن لأربع ساعات يومياً كان مقترحاً أن تبدأ من ليل يوم الخميس المنصرم، والتأكيد بأنّ «إسرائيل» وافقت عليها، غير انّ حركة حماس سارعت الى نفي ذلك، ما يعني أنّ ما أعلن إنما هو اتفاق أميركي إسرائيلي، يُراد من ورائه نصب فخ للمقاومة بغية تحقيق جملة من الأهداف التي تخدم واشنطن وتل أبيب في آنٍ معاً، وهي:
أولاً، الظهور بمظهر إنساني للتغطية على مواصلة العدوان وارتكاب الجرائم ضدّ المدنيين.
ثانياً، إحراج حركة حماس لفرض هدن مؤقتة يستفيد منها الاحتلال، وتجبر حماس على تقديم تنازلات بإطلاق أسرى أميركيين مزدوجي الجنسية من دون تحقيق أيّ مطلب من مطالبها، والتي تشمل وقف النار لعدة إيام لإتاحة المجال لإجراء تبادل جزئي للأسرى، وزيادة حجم المساعدات التي تدخل من معبر رفح وإدخال الوقود للمستشفيات والمؤسسات العامة التي تعمل على خدمة أهالي غزة..
ثالثاً، دفع سكان شمال غزة للنزوح إلى جنوب القطاع، بزعم أنه منطقة آمنة، لكن كل الوقائع أكدت أنّ 49 بالمئة من إعداد الشهداء المدنيين سقطوا في قصف الاحتلال لمناطق الجنوب مما يكشف زيف مزاعم العدو، وأنّ الهدف الأساسي إنما هو إجبار الفلسطينيين على التجمع في الجنوب كمقدمة لإجبارهم على الهجرة الى سيناء لتكرار النكبة الفلسطينية.. وزيادة الضغط على حاضنة المقاومة لدفعها إلى القبول بالشروط الإسرائيلية الأميركية مقابل هدن لبضع ساعات.. والدليل على ذلك إقدام طيران العدو بالأمس على قصف نازحين من شمال غزة إلى الجنوب، عند وصولهم شارع صلاح الدين، مع انّ جيش الاحتلال أعلن السماح بذلك في ساعات محدّدة أثناء النهار.. ما يعني أنه نصب فخاً لهم وقتلهم عن سابق إصرار وتصميم، والهدف جعل حياة الناس غير آمنة ولا تحتمل كما قال رئيس حكومة العدو نتنياهو في عشية شنّ العدوان في إحدى جلساته الخاصة.
رابعاً، السماح لجيش الاحتلال بمواصلة عدوانه دون توقف، خارج الطريق التي يسمح من خلالها لسكان شمال غزة بالمغادرة إلى الجنوب، وذلك لمنع المقاومة من الاستفادة من الهدن لالتقاط أنفاسها.. كما أعلن جون كيربي، وهو ما تبيّن عدم صدقيته كما ذكرنا آنفاً.
خامساً، القيام بحملة علاقات عامة من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لاحتواء الانتقادات لدعمه العدوان في الداخل الأميركي.. لا سيما بعد أن توسّعت الاحتجاجات الشعبية وشهدت واشنطن أكبر تظاهرة داعمة لفلسطين، وانتقلت الانتقادات والاحتجاجات من الشارع إلى داخل الحزب الديمقراطي وانضمام قيادات في الحزب إلى الأصوات المنتقدة لسياسة إدارة بايدن في دعم استمرار الحرب على غزة ورفض وقف النار..
وما يؤكد هذه الخطة الأميركية الإسرائيلية الخبيثة، ان هذه الهدن لا تشمل وقفاً للنار.. فيما الإعلان الأميركي لم ير طريقه للتنفيذ، وتبيّن انّ كلّ ما في الأمر أنّ واشنطن تريد إطلاق الأسرى الأميركيين مزدوجي الجنسية، وامتصاص الضغوط، ما يعني أنّ ما يحصل محاولة لفرض أمر واقع على حركة حماس لدفعها إلى الاستجابة للطلبات الأميركية من دون الاستجابة لطلبات المقاومة بوقف نار وتبادل للأسرى وإدخال الوقود إلى المستشفيات وغيرها من المؤسسات التي تخدم أهالي غزة.. لهذا من الواضح انّ ما تمّ إنما هو اتفاق أميركي إسرائيلي.
سادساً، استمرار مأزق الهجوم الإسرائيلي في محاور القتال البري حيث فشل جيش الاحتلال في تحقيق أيّ تقدم، ومُني بخسائر كبيرة، ويحاول جاهداً من الجهة الغربية، شارع الرشيد، تحقيق تقدّم يقود الى حصار مدينة غزة والوصول الى بعض الانفاق، ولهذا فإنّ رئيس حكومة الحرب الصهيونية بنيامين نتنياهو تسلق الشجرة وغير قادر على النزول منها، وما يحصل انّ نتنياهو لا يريد ايّ هدن حقيقية من دون أن يكون حصل على مقابل حتى لا يظهر على أنه عاجز وأُكره على قبول هدن تخفف من استمرار ضغطه على سكان غزة وإراحة المقاومة.. وتريد «إسرائيل» زيادة منسوب قصفها ومحاولة تحقيق صورة إنجاز قبل تنفيذ حتى مجرد هدن مؤقتة، لذلك جيش الاحتلال حتى الآن متعثر في هجومه، ويريد دفع سكان شمال غزة إلى الهجرة الى الجنوب، ووقفات تكتيكية بشروطه، ولذلك فإنّ موافقة «إسرائيل» على مثل هذه الهدن، يُراد منها خدمة جيش الاحتلال، ودراسة أسباب تعثره للعودة الى تصعيد هجومه، كي يُتاح المجال أمامه لاستكمال تدمير الشمال ومحاولة مسحه أو تسطيحه، لتسهيل تقدّم دباباته داخل أحياء غزة والوصول إلى مراكز قيادة المقاومة ومكان الأسرى الصهاينة،
وهناك أمران يؤكدان هذا الفخ الأميركي الإسرائيلي…
الأمر الاول، إعلان وزير الحرب الإسرائيلي يواف غالانت أنّ «إسرائيل لن توقف القتال حتى يُطلق الأسرى، ولن توقف البحث عنهم، والجيش بدأ باستخدام تقنيات جديدة لمعالجة الأنفاق الهجومية والوصول إلى من في داخلها، ولن نتوقف حتى الوصول اليهم، ولن تكون هناك تسوية مع من قتل إسرائيليين».
أضاف غالانت: «نريد من كلّ الفلسطينيين أن يخرجوا من شمال غزة إلى الجنوب ليكون لدينا حرية حركة أكثر في الشمال».
ورداً على ما قاله البيت الأبيض، قال غالانت «سنستمر بالعمل للقضاء على حماس ونحن متفقون مع الأميركيين بشأن ذلك»،
وهذا يعكس رفضاً إسرائيلياً واضحاً لأيّ وقف لإطلاق النار من شأنه إعطاء متنفس للمقاومة لأجل مواصلة هجماتها ضدّ الجيش الإسرائيلي، لكن إذا كان ايّ وقف للنار أو هدن تشمل إطلاق أسرى إسرائيليين إلى جانب الأميركيين يمكن أن تبحث إسرائيل بذلك».
الأمر الثاني، إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن في تصريحات مقتضبة، رفض وقف النار في غزة، وانه يسعى الى هدن إنسانية لإطلاق أسرى أميركيين، وهو ما أكد عليه المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي.
ماذا يعني ذلك؟
انّ إسرائيل وواشنطن في وضع مأزوم، وتحتاجان الى تنفيس الضغوط المتصاعدة عليهما من الداخل من ناحية، وكذلك تريدان صورة إنجاز بعد 36 يومياً من العجز في تحقيق ذلك في الميدان.
أما السعي الى فرض نزوح ما تبقى من سكان شمال غزة إلى الجنوب، فإنه على عكس ما يعتقده الاحتلال، سوف يريح المقاومة أكثر في تصدّيها لجيش الاحتلال وتوجيه المزيد من الضربات القوية له، كما حصل خلال حرب تموز في لبنان، عندما نزح أهل الجنوب إلى الداخل اللبناني، وأصبحت المقاومة أكثر حرية وتمكنت من إلحاق الهزيمة القاسية بجيش الاحتلال.. وإجباره في نهاية المطاف على الانسحاب من دون أن يتمكن من تحقيق أيّ من أهدافه التي شنّ الحرب من أجلها…