مقالات وآراء

معركة الغموض البنّاء في إطار معركة الإسناد…

‭}‬ رنا العفيف

أشار الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في خطابه الأخير إلى أمور كثيرة، لكن العُنوان العريض للخطاب هو في قوله «الكلمة للميدان»، فما دلالات الخطاب المِفصلي والتاريخي لحزب الله في التّوقيت المحلّي لمعركة طوفان الأقصى؟
أبرز المواقف التي جاءت في كلمة السيّد نصرالله، هي أنّ العين يجب أن تبقى على الميدان والرهان على جميع النقاط ومن ضمنها معركة الوقت الذي يُساعد على إلحاق الهزيمة بالاحتلال، أيضاً تحدّث السيد نصرالله عن الإدخال اليومي لمُسيّرات الاستطلاع إلى فلسطين المحتلة وما يجتاز الشمال ومنها ما لا يعود ويستنزف القبة الحديدية، وبمعزل عن المُسيّرات الهجوميّة، أكّد السيد نصرالله على أنّ جبهة جنوب لبنان ستبقى جبهة ضاغطة على الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يزال عاجزاً في قطاع غزة عن تقديم أيّ صورة انتصاريّة له، كما وتوقّف سماحته عند أهميّة دخول اليمن والعراق على خط إسناد فلسطين، وعند جبهة سورية التي تتحمّل تبعات الخيارات الإسرائيلية، وكذلك ما حصل في إيلات المحميّة أميركياً وإسرائيلياً وحتى عربياً…
نعم هي مواقف كثيرة أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه في «يوم شهيد حزب الله»، من هذا المنطلق العميق في فلسفة الفكر السياسي والعسكري الذي يتمتّع به السيد نصرالله قدّم معادلة جديدة في إطار الصراع الدائر حالياً، إذ أعاد قولبة الأمور وترتيبها بالشّكل والمضمون على طريقته الخاصّة في الميدان والتحليلية الإستراتيجية، وحدّد المعادلة التي تبنّاها بعد تنفيذها على أرض الواقع بدقّة محسوبة، وبالتالي كانت هي استكمال للجزئيّة الإضافية لمعركة الغموض البنّاء الذي تحدّث عنها في إطلالته ما قبل الأخيرة، والتي جعلت العدو غير مُدرك حقيقة الخطوة التالية التي سيُفاجأ بها في إطار معركة الإسناد التي تحدّث عنها السيد، وبذلك أفرد لجبهة الجنوب اللبناني مساحة تفصيلية واستثنائية ترسم وقائع ما يجري عمليّاً على الأرض وهي بمثابة خطوات اعتبارية نوعيّة لها وقع ميداني وعسكري في هندسة التكتيك الأمني والاستخباري التي أُدخِلت على ميدان المعركة وسط العناصر الجديدة للأسلحة بأنواعها، وتشي برسالة عالية المستوى في تطوير الميدان الحاصل على الجبهة اللبنانية تحديداً، لينتج عنها مزيد من المفاجآت لكلّ مُحبّي المقاومة، في مقابل ذلك تحمل إرباكاً وقلقاً وخوفاً للعدو الإسرائيلي الذي يُعاني من أزمات نفسيّة ونوبات عصبيّة من كثافة ضربات المقاومة، وبالتالي المشهد المقبل يُترجم كلّ كلمة أدلى بها السيد نصرالله فعليّاً والتي جزء منها كان على خط النار أثناء إطلالته، أيّ في المُحصّلة لن تهدأ جبهة المقاومين.
أيضا اللافت في حديث السيّد هو مجموعة جبهات تحدّث عنها، وكان في المقام الأول جبهة غزة حيث العدوان الإسرائيلي غير المسبوق على قطاع غزة، وذكر الأمين العام أو تحدّث عن نقاط أساسية هامّة على مستوى ثقافة الإيمان والعقيدة، وهي في غاية الأهميّة قد تكون عند البعض عادية ولكن نتائجها كبيرة، أيّ تفاصيل صغيرة تحمل نتائج كبيرة ومفصلية على مستوى عوائل المقاومين الذين هُدِمت بيوتهم، وكل يوم يُقصفون بشكل هستيري، وبالرّغم من ذلك هناك صمود وثبات وقتال أسطوري نراه في قطاع غزة، وهذا لا يقلّ أهميّة عن الاستراتيجيات ومُخرجات المعركة التي تقودها المقاومة وبالمُجمل المحور، إذ لهذا الصمود رمزيّة مُعمّدة بالدّم وتحمل عنوان الانتصار الكبير الذي خطّه السيد نصر الله بتقديم ثُلّة من الشّهداء على طريق القدس، ليؤكّد لكلّ المُشكّكين الذين ذكرهم السيّد في معنويات أهالي غزة، وهذا يُقرأ على أنّه استحقاق إنْ جاز التعبير، ما لم يكُن أكبر في حقبة الفكر الثقافي الذي يحمله السيد نصرالله الذي قدّم خطاب الحقائق بالصوت والصورة والكلمة وفقاً للسير في معركة الصورة التي هزّت أركان الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة، وقلب الصورة المُعاكسة التي تزعم «إسرائيل» تضليلها بمساع أميركية غربية وللأسف عربية، فكانت صورة المقاومة الأصدق في إنجازاتها وما تُراكمه من قوّة في وحدانيّة المصير، مع الإشارة إلى ضبط إيقاع المدّ الإعلامي على توقيت المقاومة بالمعنى الحرفي حيال تعدّد الجبهات والتهديدات، ليردّ عليها في حقل الألغام حيث يجب أن يكون.
بالتالي تكمُن مشكلة البعض في صِدق الكلمة والخطاب الوجداني الواعد الذي يواجه الحقائق من عدّة جبهات ميدانية وسياسية وعسكرية واستراتيجية وإعلامية وأمنية، كلّها اجتمعت في نِصاب المواجهة الحالية في معركة الوعي حيال المأجورين والعملاء الذين يُمثّلون ما يُسمّى النُّخب في عالمنا العربي والإسلامي مِمّن يُنفّذون مشاريع الغرب، عدا عن أنهم يكتبون بالعربية شكليّاً ومضمونهم عبري عمليّاً، وكذا تمّ توظيفهم لتحريك اليأس والإحباط على شعوب منطقتنا.
والنقطة الجوهريّة الأكثر حماساً وتشويقاً هي أنّه جاءت كلمة السيّد بالتوازي مع قمة الرياض المشتركة التي جمعت 57 دولة، وتوجّه لهم السيّد قائلاً ربّما القرار الأهمّ أنّ الفلسطينيين لا ينتظرون أن تُرسلوا دباباتكم ولا جيوشكم، لكن على الأقلّ أخرجوا بقرار أو بضغط كبير على الإدارة الأميركية وأجبروها ولو بالموقف أو ببيان قاسٍ أو ببعض الإجراءات القاسية لوقف العدوان، وربما تلقّفوا الرسالة بطريقة أو بأخرى على اعتبار أنّ التاريخ لن يرحم من كان شريكاً بهذه المجزرة والإبادة.
ولأنّ المرحلة مفصلية وتاريخية سيكون لها نتائج مختلفة على كافة المستويات، وأن تكون سياسة الأفعال مُفعّلة فاعلة على الأرض للجم العدوان عن شعب فلسطين المحتلة، أيّ بالألم نشرح لا يجوز التفريط في الحقوق المُقدّسة ولا مساومة عليها ولا صلح ولا تفاوض مع الكيان الصهيوني، والأولوية دعم المقاومة الفلسطينية دعماً كاملاً باعتبارها فصيلاً من فصائل حركة التحرير العربية، والإلتزام بمبدأ الأخذ بيدها والتعاون معها والعمل من أجل وحدتها وحمايتها من التآمر عليها وإتاحة حريّة الحركة لها، على أن يتمّ كلّ ذلك في ما يُعزز ويخدم استراتيجية النضال العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى