لماذا تستهّدف «إسرائيل» الصحافيين؟
} محمد حميّة
لا حاجة للحديث عن العدوانية الإسرائيلية ضد الصحافيين والمراسلين الذين ينقلون وقائع الحروب الإسرائيلية على الدول وحركات المقاومة في المنطقة لا سيما في لبنان وفلسطين، بل تعبر عن نفسها يومياً بالأمثلة والشواهد الكثيرة منذ عدوان تموز 2006 إلى الحروب المتتالية على غزة وفي مخيم جنين، وصولاً إلى القتل المتعمد للصحافية شيرين أبو عاقلة منذ حوالي العام ونصف العام إذ لم تشفع لها جنسيتها الأميركية.
لكن استهداف الصحافة بلغ ذروته في معركة «طوفان الأقصى» والمعارك العسكرية في جنوب لبنان بين حركات المقاومة وقوات الاحتلال الإسرائيلي التي تجاوزت كل القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية التي تُشكل مظلة حماية وأمان للمدنيين والمراكز الصحية وللصحافيين بطبيعة الحال. وتكفي بعض الوقائع للدلالة على حجم الخوف الإسرائيلي من الإعلام.. فبعد عجز قوات الاحتلال عن إسكات صوت الصحافي الفلسطيني وائل الدحدوح، عمدت إلى قتل عائلته بغارة جوية على منزلهم في غزة كما قتلت أكثر من صحافي فلسطيني ولبناني.
وإذا ما أسقطنا فرضية الاستهداف عن طريق الخطأ لأن الصحافيين معروفون بلباسهم المميز وإشارة الصحافة الموضوعة على السيارات التي تقلهم ويتموضعون في أماكن محددة من المفروض أن يعرفها المتقاتلون خلال الحروب، ما يؤكد فرضية الاستهداف المباشر والمتعمد للصحافيين ليس لمنعهم من نقل مشاهد الإجرام الإسرائيلي التي تجسّدت بكامل همجيتها ووحشيتها في غزة، حيث تتيح التكنولوجيا لأي شخص تصوير وتوثيق هذه المشاهد على هاتفه أو بعدسة «كاميراه» من نافذة منزله ونشرها على مواقع التواصل وتصل إلى كل مكان، لكن الهدف الإسرائيلي من ملاحقة الصحافيين ووسائل الإعلام لا سيما تلك التي تُمثّل خيار المقاومة، هو منع نقل وتوثيق مشاهد المعارك العسكرية في غزة وجنوب لبنان بين المقاومة الفلسطينية واللبنانية وقوات الاحتلال الإسرائيلي.
استهداف الفريق الإعلامي المؤلف من عدة قنوات تلفزيونية أمس الأول، في يارين الجنوبية، يهدف إلى فقء العدسة التي تنقل الخسائر الإسرائيلية البشرية والمادية إثر ضربات المقاومة القاسية للمواقع وثكنات وتحركات قوات الاحتلال الإسرائيلي على طول الجبهة الجنوبية، لا سيما استهداف أحد المواقع الذي أدّى إلى سقوط 15 إسرائيلياً بين قتيل وجريح، ما يساهم في الحرب الإعلامية والنفسية التي تديرها المقاومة ضد كيان الاحتلال في إطار الإضاءة على فشله وحجم خسائره، وهذا من جهة يفضح حكومة نتنياهو و»مجلسها الحربي» أمام الرأي العام الإسرائيلي، ويُسقط سعي نتنياهو ووزير الدفاع عبر المعارك الميدانية إلى تطمين المستوطنين في الشمال والجنوب واستعادة الأمن في المستوطنات على حدود الجبهتين لإقناع المستوطنين بالعودة إليها. ومن جهة ثانية يكشف المزيد من ضعف وهشاشة جيش الاحتلال (الذي لا يُقهر) أمام الرأي العام العربي والدولي ويؤدي إلى مزيد من تكسّر مهابة الجيش الإسرائيلي وتقهقر هيبة الردع الإسرائيلية في المنطقة.
هذه الحقائق تُشكل ضغطاً كبيراً على كيان الاحتلال وسيُعجّل بوقف إطلاق النار في غزة والرضوخ لمسار التفاوض في قطر.
هذا الجنون الإسرائيلي للتعتيم على نقل خسائره في الميدان، يعكس اقتناعاً لدى كيان الاحتلال بفشل خياراته العسكرية لا سيما العملية البرية، ما سيؤثر على وحدة القرار في حكومة الحرب في ظل دعوات من مستويات عسكرية وسياسية في «إسرائيل» لاستقالة نتنياهو بسبب فشله في الحرب.
هذا الاستهداف للمدنيين وللصحافيين برسم حكومات الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية التي تدّعي التزامها بالقوانين الدولية وانحيازها لحقوق الإنسان وأنها أرسلت جيوشها إلى دول المنطقة لا سيما إلى سورية والعراق وأشعلت الحروب فيها لإسقاط أنظمتها «القمعية الديكتاتورية» وفرض أنظمة وحكومات جديدة تلتزم وتحترم منظومة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية.