انتكاسة «إسرائيلية» وأميركية كبرى…
} رنا العفيف
انتكاسة كبرى أمام العالم الذي شاهد وحشية «الاحتلال الإسرائيلي» وهو يحاصر مبنى مستشفى الشفاء، لإخراج المتحصّنين داخله فكانوا أطفالاً خدّج، تحت ذريعة أنه مركز للقوات الأساسية للحرب التي شنّتها «إسرائيل» على قطاع غزة كيف يمكن وصف ما شاهدناه، وأيّ خطوط تجازت قانون الحروب في العالم؟
بعدما تأكد عدم وجود أيّ عنصر أو مقرّ لحماس في مستشفى الشفاء، انتكاسة كبرى لـ «إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية على الصعيد السياسي والعسكري والاستخباراتي والأمني، وحتى انتكاسة على مستوى القيم الإنسانية والأخلاقية التي حاولت واشنطن تصديرها وادّعت أنّ تل أبيب وكيلتها الحصرية في المنطقة، محاولين بذلك أن يضعوا صورة ذهنية وهمية على أنّ مستشفى الشفاء هو مركز عسكري لقيادة حماس، وعندما يتمكن من احتلال المستشفى يعني أنه حقق إنجازاً عسكرياً، ولكن في ضوء الحقيقة الساطعة طوال أيام المعركة لم يحقق شيئاً مما يحاول تحقيقه، لذلك سقطت أوهام «إسرائيل» تحت أقدام المقاومة، فيما أميركا تغطي وتبرّر قصف «إسرائيل» للمستسفيات واقتحامها، وبالتالي كانت الانتكاسة بحجم الأكاذيب والأضاليل والزيف على المستوى الإعلامي والأمني.
لماذا كلّ هذا؟ لأنّ الولايات المتحدة (الشيطان الأكبر) شريكة بالجريمة الإنسانية والأخلاقية، فكيف سيواجهها العالم بهذة الشراكة الدموية التي اقترفتها عمداً، حيال المشكلة التي يعاني منها الاثنان معاً، وهي تحقيق إنجاز ما، في مكان ما، ومن خلاله تحقيق مكاسب لترميم صورة «إسرائيل» التي اهتزت عالمياً، أضف إلى ذلك أنّ هناك ضوءاً أخضر دولياً وليس أميركياً فقط لاستهداف المشافي والمدارس والمساجد ومراكز الأونروا في مقابل القتل والتدمير تمهيداً للدخول إلى غزة…
أما الجانب الآخر الذي يحمل في أوزاره العديد من الفشل على الصعد الأمنية والعسكرية والتكنولوجية وكلّ التقنيات المتطوّرة التي تتغنّى بها كلّ من «إسرائيل» وأميركا، بالإضافة إلى الدول الأوروبية التي شاركت في شتى المجالات لجمع المعلومات العسكرية والأمنية تخطئ في تقدير الموقف الأمني والسياسي، أيّ أربعين يوماً و»إسرائيل» تتبنّى روايات على أنّ هناك مركزاً لقيادة حماس والسيطرة وما تسمّيه رهائن إلخ…
من هذا الاضمحلال يقع الجميع تحت مقصلة الخطأ الفادح والفاضح، لأنّهم جميعاً فقدوا التوازن بعد معركة «طوفان الأقصى»، وكان لافتاً أنّ تصرفات «إسرائيل» فيها خلل نفسي وعقلي، إذ بعض الأميركيين والمسؤولين الإسرائيليين وصفوا هذه المعركة بالزلزال، ولكن يبدو أنّ الصدمة كانت كبيرة إذ تلقفوها، وكان لها نتاج دفعهم إلى التصرف بشكل جنوني وارتيابي في خضمّ التصريحات التي انطلقت من هنا وهناك على أنهم سيدخلون غزة، فيما كان واضحاً تماماً حالة الإرتباك والتردّد العبثي، وبالتالي عدم التوازن وهستيريا الانتصار جعلهم يركزون على المستشفى ويتصوّرون أنه مقر أو مركز عسكري أو ركن ليحققوا إنجازاً على الصعيد العسكري وفشلوا بذلك فشلاً ذريع…
على اثر ذلك الجنون الإرتيابي ضربت «إسرائيل» عرض الحائط كلّ القيَم وصفعت القوانين والمواثيق والأعراف، لتقامر على صورة وهمية لها انتكاسة لولبية خلبية، تجاوزت بها قوانين العالم وداست على عوامل ميثاق الأمم المتحدة فقط لتقول للعالم بأنّ المستشفى كان فيه مسلحون؟ ولكن لا يوجد أيّ قانون في العالم يسمح باستهداف المدارس والمساجد والمستشفيات ومراكز الإيواء، فمن الذي أعطى الإذن بذلك متخطياً كلّ الخطوط الحمراء في هذا الكون؟ غير الذي لا يملك قدرات عقلية ومؤهّلات نفسية كاملة، هذا ما لحقت به الولايات المتحدة على اعتبار أنّ بنات أفكار وليدتها هي «إسرائيل» العدو اللدود للانسانية وللقيم الأخلاقية والديمقراطية، استجداء ذلك من الشراكة على المستويات كافة، وخير دليل طائرات الدرون الأميركية التي تتقصى معلومات استخبارية تعمل ليل نهار فوق قطاع غزة، واعترفت واشنطن بذلك بالتوازي مع دول حلف الناتو بما فيها فرنسا التي سبق لها علانية بذلك على لسان الرئيس إيمانويل ماكرون بأنه يساعد «إسرائيل» في جمع المعلومات عن الرهائن والبحث في أروقة الأزقة الموسادية لجلب معلومات عن قادة حماس في قطاع غزة!
أيضاً الدليل الآخر بالإثبات السياسي والإعلامي والعسكري في إطار الجيوبولتبك، واشنطن أرسلت ما لديها من عتاد نخبوي من مجموعة دلتا على غرار هذه المجموعة ومحتواه في الصحافة الأميركية مكلفة بالمهام الصعبة والمستحيلة في صنع الأفلام بين قوسين هوليوود في خداع الكثيرين بقدرات أميركية للوصول إلى شيء أو الحصول على صورة نمطية لتتباهى بها أمام العالم باعتبار أنّ هناك جولات كثيرة في المنطقة لها خسائر وذلّ والتاريخ يشهد في افغانستان،
وبالتالي كلّ هذا انتكاسة عالمية لـ «إسرائيل» وأميركا في أدق التفاصيل، وتوصف جميعها بالفشل على كلّ المستويات المذكورة أعلاه ويمكن القول لأميركا التي تتماهى مصالحها مع مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف والمتشدّد في عيون الأميركيين أنفسهم، لذا صورتهما قبيحة المنظر تتراجع يوماً بعد يوم في عيون العالم وسط تقدّم في المرحلة المقبلة من تاريخ أمتنا على صعيد الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وهي مراحل متقدمة ومتطوّرة في منطقة الشرق الأوسط الذي سئم الإملاءات الأميركية الجاهزة، وبكلّ ثقة وإيمان بقدرات المقاومة ومحور المقاومة بأنّ هذا المحور الثائر واللهيب الهادر سيكتب تاريخاً جديداً لنضال الشعوب العربية والمنطقة، وسيعيدون ترتيب القيم العالمية والكونية التي تجمع عليها العالم والتي حاولت أميركا أن تسوّقها من خلال هذه المعركة المفصلية المستمرة على طريق التحرير…