مرويات قومية

محطات أدّت لتأسيس مديرية كفرا في الحزب السوري القومي الاجتماعي

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ هذه الصفحة، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.

‭}‬ إعداد: لبيب ناصيف

محطات أدّت لتأسيس مديرية كفرا في الحزب السوري القومي الاجتماعي

الرفيق محمد جواد سبيتي
صورة شمسية لرجل في عقده الرابع من العمر يصوّب نظراته بعيداً الى هدف قد لا يعرفه الا صاحبه، تأسُر هذه النظرات المركزّة بحدّتها حركة الناظر إليها وتجعله يتساءل عما يجول في فكر صاحبها، وعن الكامن والموجه نحو عالم خارج الملموس، ظاهر ذلك عبر التقطيب البارز بين الحاجبين نزولاً حتى أواسط الوجه والخطوط المحفورة حول الأنف الذي يعلو شفتين مطبقتين على قول لم يحِن إطلاقه بعد، يعلو هذه الملامح الصارمة جبهة يضيف إليها الصلع الزاحف نحو الرأس بساط عالم من الفكر، اتسع لإدراك مشاكل الأرض وحلول السماء، وبجانب هذه الصورة تعليق جاء به: «الزعيم أنطون سعاده أشرنا إليه، والى حزبه القومي السوري في العدد الماضي وقد خرج من السجن وكنا قد اجتمعنا به في سجنه الثاني 24 ساعة لقينا منه ذكاءً نادراً، يُحسن سبع لغات ومُلّم بإثنتين، ونزل بعد خروجه من السجن في قصر بديع لأحد أنصاره السيد نعمة ثابت في الطيونة قرب بيروت وما زالت الوفود تؤمّ محلّ نزوله للسلام عليه وهو والحق يُقال شخصية جذابة وما برح يؤدي لوطنه الخدمات التي يستطيع».
انتهى التعليق لصاحب مجلة العرفان الشيخ أحمد عارف الزين المنشور في العدد 4 مجلد 22 أيار سنة 1937 .
قرأت ما سلف في أواسط سنة 1945 وأنا أقلب هذه المجلة القديمة نسبياً في ذلك الزمن وبعد قراءة ما جاء في التعليق حول الصورة التي أطلت التحديق بها وحيث قد عدت لاحقاً في النظر مراراً إليها مكتشفاً فيها تجسيداً للقوة والصلابة، في ذلك اليوم زاد “في عالم الإمكان” عدد أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي عضواً وذلك بانضمام الفتى ابن الحادية عشرة من عمره محمد جواد سبيتي الى صفوفه إعجاباً بالشخص وانبهاراً بالشكل وتأثراً بتعليق الشيخ أحمد عارف الزين، وبذرت حينذاك نواة انخلاع الفتى عن الانخراط في السلك الذي يحضّره له الأهل كي يصبح في المستقبل رجل دين، ينتظم في السلسلة الطويلة من أربابه رجال الدين الذين يرقى اختصاصهم في هذا الحقل الى 300 سنة خلت من تاريخ العائلة.
وهنا أتوقف لأقول بأنّ الحزب لم يربح لاحقاً من انضمامي إليه صنواً للزعيم، والطائفة لم تخسر مثيلاً للشيخ موسى سبيتي الوالد عالماً قد يفجر المذهبية وضعف أعمدة الطائفية من الداخل كما كان يرجو منه .
انطوى الفتى على هذه الحالة من واقعه فترة سنوات قليلة، ليعود والده من زيارة لبيروت وهو يحمل معه نسخة من كتاب «نشوء الأمم» للزعيم كان قد أهداه إياها السيد نعمة ثابت خلال لقاء في بلدة برج البراجنة، تحدثا وتعرّفا بها حيث أفاض السيد ثابت في ذكر سعاده، وختم اللقاء باحترام وتقدير متبادلين. وقد أدّت مطالعة الشيخ للكتاب لإعجاب كبير بفكر سعاده وتقدير لمنهجه في البحث الذي أدّى الى النظرية التي تأسّس عليها الحزب حتى كان دائماً يردّد «هذا الكتاب فتح في علم الاجتماع، الذي ولد عربياً عند ابن خلدون، ونضج في عالم الغرب ليعود عربياً مع أنطون سعاده».
حاولت القراءة آنذاك في هذا الكتاب ولكن فشلت في فهمه. وأكد لي الوالد بأني دون مستوى الكتاب في التحصيل. بعد سنوات أشار عليّ الوالد بقراءة كتاب في علم الاجتماع لمؤلف مصري يُدعى نقولا حداد للمرحلة الثانوية في مصر، رغبة منه كي أقرأ يوماً كتاب «نشوء الامم» حيث أنه حاجة ماسة لكلّ مثقف كما كان يردّد.
سنة 1949 كان الوضع السياسي يغلي كمرجل، وكانت النقمة الشعبية على الحكم في أوْجها من جراء استئثار أهل النظام آنذاك، بجميع نواحي الأنشطة السياسية والإدارية والتحكم بالوضع الاجتماعي والإعلامي بما يتوافق مع مصالحهم الخاصة، وكان هناك حلف شيطاني بين السياسيين ورجال الدين للاستمرار باحتكار الحكم بما يتوافق مع رغباتهم، وكانت قبضتهم شدّدت في خنق الحريات وإهدار الحقوق بعد الانتخابات الصورية المفبركة التي أنتجت مجلساً نيابياً هو أقرب الى التعيين منه الى الاقتراع، سُمّي آنذاك بمجلس 25 أيار تدليلاً على التزوير والتلاعب اللذين رافقا تلك الانتخابات. ولم يكن من أحد يجرؤ على رفع الصوت بانتقاد هذه الطغمة الحاكمة التي كان على رأسها شريكا ما يُسمى بالميثاق الوطني وهما بشارة الخوري ورياض الصلح وخلفهم عدد من زعماء الطوائف أمثال أحمد الأسعد ومجيد أرسلان وصبري حماده وغيرهم الى جانب حزب الدولة آنذاك “الكتائب اللبنانية”.
وكان الإعلام مغلوباً على أمره حيث سيف التوقيف والسجن والحرمان من الإعلام الرسمي مسلطاً على المتمرّد، وكانت الصحف الأبرز في ذلك الوقت جريدتا “الحياة» لصاحبها كامل مروة، ذي الاتجاه الوحدوي القائل بسورية الكبرى تحت التاج الهاشمي، وجريدة «النهار» الموسومة بطابع قومي اجتماعي، عبر ابن مؤسّسها غسان تويني، حيث عرفتا بالمعارضة للحكم رغم تعرّضهما الدائم لغضب السلطات، وهنا وقع الحادث الذي هزّ البلاد بعنف، إعلان الزعيم الثورة على النظام القائم رداً على اضطهاد السلطات وتنكيلها الدائم للحزب وزعيمه، وذلك بعد فترة من فضح الزعيم للإعلان عن الهدنة الفضيحة التي شارك بها لبنان «إسرائيل»، التي أدّت الى هذه المؤامرة على الحزب وكان أحد أبطالها رياض الصلح، الذي هاله أن يكون الزعيم أنطون سعاده هو الصوت الوحيد الذي كشف هذه المؤامرة والقائمين بها من رجال العرب آنذاك، خاصة الملكية المصرية والتي كان فاروق الملك يعمل لدولة إسلامية تحت تاجه تقطع الطريق على مشروع سورية الكبرى، وتكون امتداداً لخلافة إسلامية على غرار الخلافة العثمانية بمعاونة رجال من أمثال رياض الصلح وبعض رجال الإقطاع في سورية. وهكذا اشترك هؤلاء جميعاً مع الانعزال اللبناني للعمل على إسكات هذا الصوت الصارخ.
ولما كان الحزب لم يلِن أمام ضغوطات مورست عليه من قبل هذه القوى، حيكت ضدّه مؤامرة استعمل فيها حزب الكتائب كرأس حربة لضربه. وكانت القضية المعروفة التي استعمل بها الحكم مع قوى عربية مشاركة وسائل التأثير على الحكم السوري المتمثل آنذاك بحسني الزعيم، فكان تسليم الزعيم للسلطات اللبنانية، وكانت المحاكمة الصوَرية ومن ثم الإعدام – الاغتيال – في أيام معدودة، مما أدّى الى الاستفسار والتساؤل من يشاركون في الحياة العامة، وهنا برز وبقوة دور الإعلام الذي قامت به جريدتا «الحياة» و»النهار» المقروءتين آنذاك على مدى لبنان والأردن والعراق، حيث قامت الصحيفتان يوم التاسع من أيار، بنشر تقارير مفصلة عن تسليم الزعيم والمحاكمة ومرافعة النيابة العامة وحرمان الزعيم من حقه في توكيل محام يدافع عنه، وردهم سلباً على المحامي أميل لحود على طلبه مدة يسيرة لإعداد مطالعته ودفاعه بحجة ضيق الوقت، مع نشر صور الزعيم في قاعة المحكمة داخل قفص الاتهام، ثم خلاصة الحكم وخبر التنفيذ. وكانت جريدة «الحياة» في طريقة عرضها لهذه الوقائع، تقول بأنّ ما جرى هو حفلة اغتيال، وفي أعداد تلت تحدثت عن كيفية التنفيذ، وتسليم الجثة لذوي الزعيم، وفي مقالة لكامل مروة وردت عبارة يخاطب بها سعاده: «استضعفوك فصفوك».
كان لهذه الأحداث المتتالية صدى في بيتنا، كوقع صاعقة دمّرت شيئاً في النفس، وأحدثت حالة انعطاف حادة في الرؤى.
كثرت الأسماء التي ردّدها الوالد مع نفسه: سقراط، الحسني، الحلاج، مع شرح ومقارنة التقطها وانفعل بها وتفاعل معها.
ثم أنّ الصدفة المحضة، جاءت لتعطي الشيخ فرصة التنفيس عما في صدره، عبر وجود مناسبة أقيم فيها حفل تأبيني لأحد المهاجرين في بلدة حاريص، قضاء بنت جبيل حيث طلب من الشيخ المشاركة في تأبين الفقيد، وبحضور العديد من وجهاء المنطقة، بمن فيهم الموظفون الإداريون، وظابط الدرك في المنطقة.
هاجم الشيخ الحكومة المتسلطة المنبثقة من مجلس مزوّر، كما نعتها، ثم وصل للقمة في هجومه بقوله: إنّ جباه الشرفاء تندى خجلاً من ارتكاب هذه الحكومة مجزرة بقتل القوميين بحسب التوزيع الطائفي بعد اغتيالها بدم بارد للزعيم أنطون سعاده، وتابع الشيخ: «أنطون سعاده الذي يصحّ فيه القول «ما قتلوه ولا أعدموه ولكن شبّه لهم» فسعاده سيبقى حياً يُرزق عبر تلاميذه وفي عقيدته ورسالته».
وهنا صرخ ضابط الدرك طالباً بإيقاف الشيخ عن الكلام، وإلا هو سيخرج من الحفل، وهنا، طلب الشيخ من الحضور بإفساح الطريق لهذا المشاغب حتى يخرج.
انتشرت بعد هذه الحادثة أخبار قرب الشيخ من الحزب وتعاطفه معه، ومن هنا بدأت علاقته مع الحزبيين في المنطقة، حيث رأوا فيه صوتهم المدافع عن قضيتهم، ورأى هو فيهم، نواة التغيير نحو الأفضل.
كما أنّ هناك محطة ثانية يجدر بي التوقف عندها، حيث التقى والدي في بلدة قانا مع عدد من الشباب في مناسبة محلية، كانت الأوضاع السياسية موضوع الجلسة وذلك بذكر انخراط الشباب بالأحزاب، وكما هي العادة وجهت له أسئلة عن رأيه في الأحزاب الفاعلة على الأرض مثل حزب النهضة، النجادة، الطلائع، البعث، وهي التنظيمات العاملة في بداية الخمسينات، فكانت إجاباته ناقدة بلا تهجّم وتحامل، وقد وجه إليه سؤال عن رأيه بالحزب القومي، فأجاب إجابة بين الدعابة والجدّ، بأنه يكره هذا الحزب لأنهم أخذوا منه ابنه محمد جواد، حتى بات عاجزاً عن استعادته منهم وهو غير قادر على الانخراط في صفه نظراً للموقع والسن.
وكان ذلك دافعاً للرفيق كامل الصايغ في ما بعد، للاتصال بي، ومن ثم التعارف الأول لي مع قومي اجتماعي، وكانت صداقة ورفقة لم تنقطع وكان التفكير الجدي في الالتزام حزبياً، وكانت الدعوة الى العمل الحزبي والحديث عن بطولات الحزب هي العمل اليومي الذي أقوم به، أما غاية الحزب وأهدافه فلم يكن لدينا ما نستند إليه مثل الدستور أو المبادئ أو مطبوعات .
وهنا لعبت قيادة السلطة الحاكمة دوراً في إفادتنا بما نحن بحاجة اليه، وذلك عند نشرها كتاباً – عبر وزارة الاعلام لتبرير جريمتها أمام الناس في اغتيال القوميين وملاحقتهم – يتضمّن مبادئ الحزب ودستوره وفيضاً من الوثائق التي تغطي نشاط الحزب وكيفية تأسيسه، ومسيرة الزعيم في الوطن وفي الخارج، مما أغنى معلوماتنا وأصبح لنا مصدراً نستقي منه ما يفيض عن حاجتنا، حيث إننا جيّرناه للدعاية واستقاء المعلومات، وكان أن ولد في كفرا تيار عريض يتشوّق أفراده إلى اليوم الذي ينخرطون في صفوف هذا الحزب. فعمدت الحكومة اللبنانية الى جمع الكتاب وإخفائه بعد ان أعطى عكس ما أريدَ منه.
أما الوالد، فقد تعرّض لحملة قاسية من تجار السياسة في المنطقة، وهجمات العروبيين وتجريح رجال الدين، وكان ردّه على رجال الدين خاصة، قائماً على أسس مذهبية تقول بأنّ الحكومة المدنية المختلطة هي الحلّ في وجه الحكومة الدينية الواجبة والمؤجلة حتى قيام الإمام الثاني عشر، الذي يمثل فقط رمزاً لعدالة غائبة، وأنّ فترة الانتظار علينا ملؤها بالتعامل مع حكومات نشارك في تأليفها. المذهب الشيعي الإمامي، يقول بعدم الانخراط في حكومة غير حكومة الإمام المنتظر ـ وهي نظرية تقول بأنّ الدستور الوضعي، هو الفصل الذي علينا أن نعمل بموجبه بصرف النظر عن جنسية الحاكم الدينية طالما تحكم النظام قوانين يضعها الشعب، وهذا ما قرّبه من الحزب وشبابه الذين يلتقيهم ويحاورهم ويبارك لهم النظام العلماني.
اتسعت الحلقة من الشباب كمّاً ونوعاً، وهم كانوا على يقين بعضويتي في الحزب وكان أشدّهم إلحاحاً للانتماء الرفيق المرحوم وجيه عبادي، والذي كان دائم التردّد على بيروت وكان هدفاً للمضايقات من قبل عناصر حزب النهضة «جماعة أحمد الأسعد» المهيمنين على الوضع والمتحكمين بإرادات الناس، ويعتبرون كلّ من لا ينصاع لرغباتهم يستحق العقاب، ولهذا كان الرفيق وجيه تواقاً لكسر حلقة التسلط القائم وكان دائم الشكوى من تأخير انتمائه وكنت أطمئنه بقرب الموعد الذي أنا لا أعرفه في الحقيقة.
بعد عودة له من بيروت فاجأني بأدائه القسم في بيروت، بعدما اهتدى الى مركز الحزب في بناء اللعازارية حيث تدبّر أمر مقابلة الأمين جبران جريج، منفذ عام بيروت، ومقدّماً شكوى بحقي لتقاعسي عن تلبية طلبات الراغبين بالانتماء. وأنه يحمل لي رسالة من المسؤولين بالذهاب إليهم للبحث في أمر الشكوى واعدين له بأنّ الأمور ستأخذ مجراها المناسب حال ذهابي. وقد علمت في ما بعد، بأنّ الأمين جبران استمع اليه مستوضحاً أدقّ التفاصيل التي تشمل المكان والأشخاص وصورة مفصلة عني، حيث كانت مفاجئة لهم هذه الحالة المستجدة والتي لم تكن لهم بالحسبان.
فما كان مني بعد أيام الا أن ذهبت مع ثلاثة من الرفقاء: محمد عبد الكريم، اسماعيل الزين، ومحمد كامل عز الدين. وخشيت من انكشاف الأمر لهم بعدم انتمائي للحزب حتى ذلك الوقت.
طلبت منهم الانتظار في غرفة الانتظار المؤدّية الى غرفة الأمين جريج، الذي طلبني حالما عرف بوجودي وكان دخولي الى مكتبه خطوة نحو عالم جديد أصبح مستقبل حياتي، واسدل الستار على ماضٍ غير مأسوف عليه.
استقبلني من وراء مكتب متواضع في زاوية من غرفة فسيحة تحتوي غير مكتبه في الزوايا الباقية، جلس خلف إحداها الأمين ابراهيم يموت وجلست خلف المكتب الآخر رفيقة في أواسط العمر، لم يحضرني اسمها، تحظى باحترام كبير كما لاحظت من تعاملهم معها.
استقبلني الأمين جبران مصافحاً، تعلو وجهه ابتسامة عريضة قائلاً: نحن بانتظارك من مدة ها قد رأيناك أخيراً، ابتسامته وترحيبه وتعريفي بالحاضرين بدّد حالة الارتباك والتردّد المستولية عليّ.
وحالما انكسرت حالة الخشية، شعرت كأني مع أهلي وانطلقنا في حديث كأننا بدأناه منذ مدة طويلة، طيّب لي فيه حسن تصرفي في إخفائي بعض الحقيقة وصور لي بأنها خطوة جديرة بالتقدير، واني لم أقم بخداعهم، وأنه عمل لا يقع في خانة التغرير، موضحاً لي صورة لقائه مع الرفيق وجيه عبادي، وأن ّعنده من المعلومات التي تحيط بالواقع القائم في كفرا، وانّ الأفضل عدم كشف الأمر الآن وسيكرّسه بصورة لا تشف عمَا حدث. وهكذا أدخل الرفقاء، وبعد تعارف وحديث وقهوة حانت ساعة القسم، وكان ان دعا الأمين إميل رعد الذي كان عميد عبر الحدود آنذاك، من مكتب مجاور، فقام بالتعريف. وكان أن اصطففنا نحن الأربعة، بالإضافة الى الأمين يموت والأمين رعد والرفيقة… وتلا الأمين جبران نص القسم، وتقبّلنا التهاني.
تركنا المكان، وكانت نشوة الاعتزاز ورغبة في العمل كي نرتفع لمستوى الشرف الذي أسبغه علينا الانضمام للحزب.
بعد أيام قليلة لم أفاجأ بزيارة صديق قديم على قرابة بعيدة بعض الشيء هو ابراهيم يوسف حلاوي الذي كان يشغل آنذاك منفذ منفذية صور وآخر أضحى رفيق العمر الرفيق حسن عبدالله مرتضى الذي كان يشغل موقع ناظر الاذاعة في المنفذية نفسها. يمتاز الرفيق مرتضى بحضور لافت وقدرة بيانية في التعبير عن أفكاره تمكنه من إقناع الآخر بصورة يتبناها السامع بلا نقاش، تدبّرنا لقاء مع بعض الشباب كان له التأثير الإيجابي على سير العمل ثم سلمني المنفذ قراراً بتكليفي القيام بمهمة مفوض للمفوضية الجديدة باسم مفوضية كفرا وهكذا بدأنا العمل بكفرا وخلال مدة لم تطل أصبح لدينا العدد الوافر من الرفاق ادى لتحويلها الى مديرية تألفت كما يلي:
المدير محمد جواد سبيتي
الناموس محمد علي عبدالكريم
المحصل موسى محمد مرعي
المدرب اسماعيل الزين
وهكذا بفترة وجيزة اصبحت كفرا منطلقا للعمل الحزبي في القرى المجاورة فكان أن انتسب للحزب شباب من بلدتي ياطر وصديقين.
أثار وجود الحزب في كفرا عداء الزعامات التقليدية والدينية في المنطقة، وظهر عنفها في ما بعد بما يسمّى بالثورة الشعبية سنة 1958، وهذه صورة سيتولى الحديث عنها حضرة الأمين أحمد عز الدين والرفيق محمد عبدالله سبيتي اللذين عايشاها وعايناها.
أما الشيخ في تلك السنة وكان مقيماً في بيروت مدرّساً في الكلية العاملية فقد طرد من بيته بالبسطة ونهب البيت وعاد الى كفرا يعاني من عداء رجال السياسة والدين معاً. واني حين أتذكر، أجدني ربيب اثنين شكّلا تفكيري وقناعاتي، هما والدي والزعيم سعاده…

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى