المقاومة تؤكد إمساكها بزمام المبادرة وحكومة نتنياهو وواشنطن أمام خيارين أحلاهما مرّ
} حسن حردان
مشهد تسمّر الإسرائيليين أمام شاشات التلفزة بانتظار ان تفرج حركة حماس كلّ يوم عن بعض الأسرى لديها، مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين، أسقط ادّعاء المسؤولين الصهاينة بأنّ جيشهم تمكّن من ضرب المقاومة وإفقادها السيطرة، فبعد نحو خمسين يوماً على العدوان، تبيّن انّ المقاومة هي من يُمسك بزمام المبادرة ويرسم القواعد، وانّ القيادة الإسرائيلية مجبرة على القبول بذلك، باعتراف المعلقين والمحللين الصهاينة، أنه من السابق لأوانه القول إنه تمّ كسر المقاومة.. بل انهم تحدّثوا عن مشهد الهزيمة التي أصابت «إسرائيل»… خاصة مع خروج الأسرى الفلسطينيين من أطفال ونساء، الذين أجبرت حكومة الحرب الإسرائيلية على الإفراج عنهم مقابل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين…
وتأكّد بذلك ما قالته قيادة المقاومة منذ اليوم الأول لعمليتها النوعية والمباغتة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر في غلاف غزة، والنجاح في أسر المئات من جنود الاحتلال، والمستوطنين والمزدوجي الجنسية، أنّ الطريق الوحيد للإفراج عن هؤلاء الأسرى، إنما هو عبر التفاوض للتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى تؤدي إلى الإفراج عن جميع الأسرى في سجون الاحتلال، ومن ثم أعلنت قيادة المقاومة، أنه إذا أرادت حكومة العدو تجزئة العملية فلا مانع لديها…
لكن حكومة بنيامين نتنياهو رفضت ذلك وأعلنت أنها تريد تحرير الأسرى الصهاينة بالقوة، وعبر القضاء على المقاومة وسحقها، من دون أن تضطر إلى دفع أيّ ثمن…!
لكن بعد شهر ونصف الشهر من بدء شن العدوان على غزة، وثلاثة أسابيع على الهجوم البري، لتحقيق الهدفين المذكورين، كانت النتيجة فشل جيش الاحتلال في بلوغ ذلك، ودفع ثمناً كبيراً، ووجدت حكومة العدو نفسها أمام حائط مسدود.. كلما تعمّقت في هجومها البري كلما ازدادت خسائر الجيش الإسرائيلي وتلقى الضربات الموجعة التي أفقدته توازنه وأصابته بصدمة لما واجهه من مقاومة ضارية لم يكن يتوقعها بمثل هذه القوة والشدة والقدرة على مهاجمة دباباته ومدرّعاته من مسافة صفر سقطت معها فعالية التقنية التكنولوجية التي تجهّزت بها آليات الاحتلال لتجنّب الهجمات واكتشافها قبل حصولها…
غير أنّ إبداع حرب الشعب في إيجاد الوسائل التي تبطل هذه التكنولوجيا، فاجأ ضباط وجنود العدو، الذين وجدوا أنفسهم وقد استدرجوا إلى مستنقع من الاستنزاف لا فكاك منه.. ثم جاء ضغط الرأي العالمي وضغط الإدارة الأميركية للقبول بهدن إنسانية واتفاق تبادل جزئي للأسرى، ليشكل مخرجاً لجيش الاحتلال لأجل محاولة التقاط أنفاسه لاستئناف هجومه بعد انتهاء الهدن، أو تكون هذه الهدن هي المخرج له لتبرير وقف عدوانه.. فكان ان أرغم مجلس الحرب الصهيوني على الرضوخ لشروط المقاومة في صفقة التبادل الجزئية للأسرى رغماً عن أنفه…
ولهذا طغت على وسائل الإسرائيلية مناخات الإقرار بانتصار المقاومة على «إسرائيل» التي أشارت إلى أنّ تل ابيب وجدت نفسها بأنها لا تملك خيارات سوى القبول بما كانت ترفضه في بداية الحرب.
وقد شكل إعادة إلزام حكومة الاحتلال، بشروط المقاومة للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين من الأطفال والنساء بدءاً بالأقدمية، وإدخال عدد الشاحنات المتفق عليها من معبر رفح وكذلك إدخال الشاحنات المتفق عليها إلى شمال قطاع غزة، والتوقف عن إطلاق النار على المواطنين من قبل جيش الاحتلال.. تأكيداً جديداً على انّ المقاومة هي من يُمسك بزمام المبادرة ويفرض الشروط التي يحاول الاحتلال التملص منها، لكنه وتحت ضغط المقاومة عاد وأجبر على الالتزام بها مجدداً.
من هنا فإنّ هذه ليست سوى مجرد بداية ستقود إلى إرغام حكومة نتنياهو على قبول إطلاق جميع الأسرى.. وبالتالي تحقيق المقاومة مكاسب كبيرة على المستويات السياسية والشعبية، تعزز من شعبيتها وحضورها كقوة أساسية لا يمكن القفز فوقها انْ كان على صعيد تبادل الاسرى، أو في الحديث عن خيارات الشعب الفلسطيني، وآفاق ايّ حلول سياسية مستقبلية للقضية الفلسطينية..
في المقابل فإنّ استطلاعات الرأي داخل الكيان بدأت تعكس تداعيات الاخفاق في مواجهة المقاومة، حيث أشرت الى تراجع كبير في شعبية نتنياهو، وائتلافه الحكومي، وانه بمجرد وقف الحرب، والفشل في تحقيق أهدافها، ستبدأ مرحلة المحاسبة إسرائيلياً عن نتائج الهزيمة المدوية التي مُنيت بها «إسرائيل»… حيث اكدت استطلاعات الرأي التي نشرت يوم الجمعة 24/11/ ونشرت نتائجها الصحف الإسرائيلية، أنّ الائتلاف الحكومي «سيحصل على 41 مقعداً في الكنيست حال إجراء الانتخابات الآن، مقابل 79 مقعداً لتجمع المعارضة».
على أن توقف العدوان والقبول بشروط المقاومة سوف تكون له انعكاسات زلزالية على الكيان في اتجاهين:
أولاً، هجرة معاكسة ستزداد على نحو غير مسبوق، نتيجة تولد قناعة لدى الإسرائيليين حملة الجنسية المزدوجة، بانعدام الثقة بقدرة جيشهم على تحقيق النصر والأمن والاستقرار لهم..
ثانياً، سياسياً سيدفع الائتلاف الحاكم ثمن الإخفاق والفشل في حماية أمن الإسرائيليين، تراجعاً كبيراً في شعبيته، لصالح التيار الذي سيبدأ الدعوة إلى القبول بخيار التسوية باعتباره خياراً لا بدّ منه إذا كانت «إسرائيل» تريد أن تحافظ على أمنها واستقرارها، بعدما تبيّن بشكل حاسم أنّ قدرتها على تحقيق النصر في الحروب قد انتهت إلى غير رجعة وبات الاستمرار في نهج التطرف ورفض التسوية خطراً على وجود ومستقبل الكيان…
لكن ماذا عن الاحتمالات؟
الاحتمال الاول، تمديد الهدنة مرة تلو المرة لأنّ الخيار العسكري لاستعادة الأسرى غير ممكن، ويكون ذلك هو السبيل لنزول نتنياهو عن شجرة مواصلة العدوان والقبول بشروط المقاومة لوقفه والانسحاب من غزة، وفك الحصار عن القطاع كمدخل للبدء بالتفاوض حول شروط إطلاق الأسرى من الجنود الصهاينة مقابل الافراج عن جميع الاسرى في سجون الاحتلال..
الاحتمال الثاني، استئناف العدو لعدوانه، لأنّ نتنياهو لا يريد التراجع ودفع ثمن الفشل، والهزيمة، لكن استئناف العدوان من المتوقع ان يؤدّي الى زيادة حجم خسائر الجيش الإسرائيلي والكيان برمته، إضافة الى الفشل في تحقيق أيّ من الأهداف التي يسعى اليها، لأنّ المقاومة أثبتت أنها قادرة على إغراق جيش الاحتلال في رمال غزة وتحويلها إلى مقبرة للجنود الصهاينة.. عدا عن احتمالات تصاعد المواجهة من جنوب لبنان، وضدّ قوات الاحتلال الأميركية في العراق وسورية، إلى جانب تشديد حصار أنصار الله للسفن الإسرائيلية وتهديد حركة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، وما استهداف سفينة إسرائيلية ثانية بواسطة طائرة مُسيّرة في المحيط الهندي واشتعال النيران فيها، قبيل ساعات من بدء الهدنة، ومن ثم استيلاء مسلحون على سفينة إسرائيلية جديدة، بعد أسبوع على احتجاز السفينة الإسرائيلية من قبل القوات اليمنية، إلا مؤشراً قوياً على الحصار الاقتصادي الذي بدأت حركة أنصار الله في فرضه على حركة السفن الإسرائيلية حتى يتمّ وقف العدوان على غزة، مما يرفع منسوب الضغط على «إسرائيل» والولايات المتحدة التي يزداد قلقها من توسع دائرة الحرب وتأثر حركة الملاحة الدولية وصادرات النفط العالمية، وبالتالي ارتفاع أسعاره بشكل كبير مما يزيد من حدة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الدول الغربية.. وهو ما تسعى واشنطن إلى تجنب حصوله لما له من تداعيات خطيرة على المصالح الأميركية في المنطقة..
من هنا فإنّ حكومة نتنياهو وواشنطن تجدان نفسهما أمام خيارين احلاهما مرّ، وهما نابعان من مأزق الفشل في الميدان.. على انّ سلوك الخيار الأول يبقى بالنسبة لـ «إسرائيل» وواشنطن أقلّ ضرراً من اتباع الخيار الثاني.. لكن لا يمكن الحسم اي خيار سوف تنتهج حكومة نتنياهو المأزومة، لأنّ نتنياهو وأحزاب ائتلافه سيدفعون ثمن الهزيمة والإخفاق في 7 أكتوبر، ومن ثم الفشل في تحقيق أهداف العدوان بالقضاء على المقاومة والخضوع لشروطها…