مانشيت

الاحتلال يستنسخ حرب شمال غزة في جنوبها: مجازر وتقدّم في المناطق المفتوحة/ واشنطن تشيد بـ «جهود تل أبيب لتجنّب المدنيين»… والبحر الأحمر مسؤولية دولية/ المقاومة تمسك بزمام الحرب على جبهة الجنوب: مزيد من الهجمات وخسائر أقل/

كتب المحرّر السياسيّ
ظهرت صورة الخطة التي ينفّذها جيش الاحتلال في الجولة الثانية من الحرب على غزة، مجرد نسخة منقحة جغرافياً بخصوصيّات جنوب غزة مأخوذة عن خطة الجولة الأولى في الحرب على شمال غزة، وجوهرها القصف التدميريّ وارتكاب المجازر في المناطق ذات الكثافة السكانيّة، والتقدّم في المناطق المفتوحة والمناطق الزراعية ذات الكثافة السكانية المحدودة، ومن دون أن يطمئن إلى أن خلفيّته في الشمال باتت خالية من المقاومة اندفع الاحتلال نحو جبهات الجنوب من بوابة خان يونس، وكما في معركة غزة، التحرك نحو طريق صلاح الدين في الوسط وطريق الرشيد في الغرب، وتفادي المربّعات السكنية، ومحاولة السيطرة على الشوارع الكبرى والساحات العامة، وحيث تخرج له المقاومة للمواجهة ينكفئ ويتراجع. وكما في شمال غزة الذي استمرّ القتال فيه ضارياً وشرساً باعتراف جيش الاحتلال بمعارك في الشجاعية وحي الشيخ رضوان وفي بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا، كذلك في الجنوب عمليات وقذائف هاون على تجمّعات جيش الاحتلال وقذائف صاروخيّة على دباباته، وقد اعترف الاحتلال بمقتل أربعة من جنوده في هذه المواجهات، بينما تؤكد مصادر المقاومة أن قتلاه بالعشرات وجرحاه أضعاف القتلى، وكان واضحاً أنه في الأيام الثلاثة الأولى من الجولة الثانية من الحرب، كان الجو ساحة فعل الاحتلال والبر ساحة فعل المقاومة.
في واشنطن تغطية لجرائم الاحتلال، إضافة لتقديم الذخائر التدميرية العالية القدرة من زنة ألفي رطل، حيث قال الناطق بلسان مجلس الأمن القومي جون كيربي «إن البيت الأبيض يعتقد أن «إسرائيل» “تبذل جهوداً” لتقليل عدد القتلى في صفوف المدنيين في غزة»، و»إن «إسرائيل» استجابت للنداءات الأميركية لحماية المدنيين»، مضيفاً “نعتقد أنهم تقبلوا رسائلنا هنا المتمثلة في محاولة تقليل الخسائر في صفوف المدنيين إلى الحد الأدنى”، بما في ذلك عن طريق نشر خريطة على الإنترنت للأماكن التي يمكن لسكان غزة الذهاب إليها بحثاً عن الأمان حيث لا توجد الكثير من الجيوش الحديثة التي يمكنها أن تفعل ذلك… لتوضيح خطواتها التالية بهذه الطريقة. لذا فهم يبذلون جهداً”.
بينما تحدث مستشار الأمن القومي جايك سوليفان عن الموضوع ذاته بقوله: ليس لدينا ما يدل على انتهاكات إسرائيلية لقوانين الحرب، متناولاً عمليات حركة أنصار الله اليمنية في البحر الأحمر بالقول أمن الملاحة في البحر الأحمر ليس مسؤولية أميركا وحدها بل هو مسؤولية دولية، متجاهلاً معادلات الردع والتهديدات التي سبق وتحدّثت عنها واشنطن، مع بداية الحرب على غزة. وتهرّب سوليفان من الجواب على المراسلين الذين ذكّروه بحديثه السابق وحديث الرئيس الأميركي جو بايدن عن العواقب الوخيمة.
على الجبهة اللبنانية تواصلت عمليات المقاومة، وفق تصاعد واضح، واستهداف مدروس لإيقاع أكبر خسائر بشرية في جيش الاحتلال عبر التركيز على تجمّعات الجنود والقواعد العسكرية، ووفقاً لتقديرات مصادر عسكرية بعد اعتراف جيش الاحتلال يوم أول أمس بأحد عشر جريحاً، فإن اليومين الأخيرين سجّلا سقوط العشرات من جيش الاحتلال بين قتيل وجريح، بينما نجحت المقاومة لليوم الثاني من تنفيذ هجماتها دون أن تنعى شهداء جدداً، ما يعني أنها طوّرت أساليب عملها مستفيدة من دراستها للمواجهات السابقة.

ولا تزال الجبهة الجنوبيّة في واجهة المشهد الداخلي في ظل غياب أي جديد على صعيد الملفات السياسية الداخلية لا سيما رئاسة الجمهورية وملف قيادة الجيش، وسط ترقب لتطورات الميدان وما إذا كان تبادل القصف والنار بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيليّ سيخرق قواعد الاشتباك الحاكمة منذ 8 تشرين الأول الماضي ويتوسّع إلى حرب أوسع في ظل الحديث عن رسائل بالجملة وصلت الى بيروت عبر موفدين ودبلوماسيين أميركيين وأوروبيين وعرب تحمل تحذيرات من اتساع رقعة الحرب وتهديدات من نيّة حكومة الاحتلال من شنّ عدوان عسكري واسع على لبنان لتطبيق القرار 1701 وإبعاد حزب الله من منطقة جنوب الليطاني.
وواصلت المقاومة الإسلامية عملياتها العسكرية ضد مواقع الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، وأعلنت في سلسلة بيانات متلاحقة عن استهداف مجموعة من مواقع وثكنات وتجمّعات الاحتلال، فقد استهدفت تجمّعاً لجنود الاحتلال الإسرائيلي في حرج شتولا وموقع الراهب بالأسلحة المناسبة وتم تحقيق إصابات مباشرة، كما استهدفت موقع البغدادي بالأسلحة المناسبة وتمّت إصابته إصابة مباشرة، وموقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا ومزارع ‏شبعا اللبنانية المحتلة. وأعلن الحزب أنه استهدف “تجمعاً لجنود الاحتلال الإسرائيلي شرق مسكاف عام ‏بالصواريخ الموجّهة وتمّت إصابته إصابة مباشرة، وقوة مشاة إسرائيلية في كرم التفاح شرق ثكنة برانيت ‏وموقع ‏الراهب بالأسلحة المناسبة وتمّ تحقيق إصابات مباشرة، كما استهدف قوة مشاة إسرائيلية في حرج شتولا بالأسلحة المناسبة وتم تحقيق إصابات مباشرة.
وأشار خبراء عسكريون لـ”البناء” الى أن “عمليات حزب الله تطوّرت كماً ونوعاً نتيجة قرار من محور المقاومة برفع وتيرة العمليات بعد بدء الجولة الثانية من الحرب الإسرائيلية على غزة، ولذلك يكثف الحزب العمليات ضد مواقع الاحتلال لتخفيف الضغط عن جبهة غزة ولإبقاء الحكومة العسكرية تحت النار والضغط والتهديد بتطور الجبهة الجنوبية الى حرب أوسع بحال استمرّت الحرب على غزة”. ولا يستبعد الخبراء توسّع الحرب على الجبهة الجنوبيّة وتطوّرها إلى حرب أشدّ عنفاً وتوسّع قواعد الإشتباك الى أهداف مدنية ومرافق حيوية بحال طالت الحرب على غزة. وهذا قد يأخذ المنطقة برمّتها الى حرب إقليمية قد تدخل فيها إيران وقوى أخرى، وفق ما يتوقع الخبراء، ولذلك لا يمكن ضبط الوضع في المنطقة إذا لم تقم الولايات المتحدة بلجم الاندفاعة الاسرائيلية في إطلاق الجولة الثانية من الحرب التي يبدو أنها بوتيرة أعنف لجهة كثافة الغارات والمجازر من الجولة الأولى. وشدّد الخبراء على أن “الجولة الثانية أخطر من الأولى لجهة أن الحكومة الإسرائيلية ستكثف عملياتها العسكرية ضد قطاع غزة في الوقت الممنوح لها أميركياً وغربياً لتحقيق إنجازات ميدانية لإنقاذ حكومة الاحتلال من السقوط والكيان من الزلزال الكبير الذي ينتظره بحال فشلت الحرب بتحقيق الأهداف السياسية والعسكرية”.
ولفتت مصادر مطلعة على الوضع الميداني لـ”البناء” الى أن “المقاومة في لبنان مستمرّة بعملياتها النوعية ضد مواقع الاحتلال بوتيرة مرتفعة تدريجياً ربطاً بمجريات الميدان في غزة”، مشيرة الى أن “لدى المقاومة خططاً لمواجهة أي عدوان إسرائيلي”، ملاحظة “اختباء قوات الاحتلال الإسرائيلي داخل المواقع والثكنات وتتخفى في سيارات مدنية، عندما تتحرك، في ظل غياب شبه تام للمستوطنين وللحركة التجارية والاقتصادية اليومية في معظم مستوطنات الشمال، ما يعكس حجم الرعب الذي يعيشه جيش الاحتلال وجبهته الداخلية”.
واعتبر رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، الى أن “الحقيقة المموّهة التي أشاعها العدو الإسرائيلي ربّما سرت في كثير من أوساط الشعوب في العالم”، لافتاً الى أن “هذا الكيان فضح نفسه وهو ساقط في نفوس الناس”، مشيراً في حديث تلفزيوني الى أنني “أعتزّ بهذه المسيرة التي ترعرعنا فيها وكبرنا عليها وكبُر أولادنا عليها أيضاً، وشهداء غزة حجّة على البشرية وعلى كل العالم السياسيّ وعلى كل السلطات والحكومات الظالمة والباغية”.
في المقابل، واصل العدو الإسرائيلي اعتداءاته على القرى والبلدات الحدودية، حيث نفذت طائرة مسيّرة إسرائيلية غارة جوية استهدفت منزلاً خالياً بصاروخين قرب مجمع موسى عباس في الطرف الشمالي لمدينة بنت جبيل، وأفيد عن إصابة مواطنة وابنها بجروح طفيفة جراء تناثر الحجارة. وتزامن ذلك مع قصف مركز بالمدفعيّة طاول منزلاً قرب حديقة مارون الراس.
وطال العدوان الإسرائيلي بلدة العديسة. كما سقطت قذيفتان على تلة حمامص في سردا، وسقطت قذيفة مدفعيّة عند أطراف اللبونة. وتعرّضت المنطقة بين كفركلا والعديسة لقصف بالقنابل الفوسفورية. وطال القصف المدفعي أيضاً منطقة حامول أطراف الناقورة، ومحيط بلدة طيرحرفا والجبين وأطراف بليدا.
وأفيد في مرجعيون عن إصابة نازح بجروح نتيجة قصف إسرائيلي لأطراف بلدة الوزاني، وتم نقله الى مستشفى مرجعيون الحكومي للمعالجة. وشن الطيران الإسرائيلي المعادي غارتين على اطراف عيتا الشعب كما شنّ غارة على مزرعة سلامية خراج كفرشوبا.
وأعلن جيش الاحتلال إطلاق صواريخ من لبنان نحو متات في الجليل الغربيّ سقطت في مناطق مفتوحة. وزعم أن “سلاح الجو هاجم بنية تحتية عسكرية لحزب الله في جنوب لبنان”. وادعى المتحدث باسم جيش الاحتلال أنّه “تمّ أيضًا رصد إطلاق قذائف هاون عدّة من لبنان نحو موقع للجيش في منطقة بلدة يفتاح، حيث ردّت قوّات الجيش باستهداف مصادر النّيران”.
في المواقف أعلن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قال ثمّة جبهة في لبنان مُساندة لحماس “لكن يجب ألا نُستدرج إلى الحرب بمواجهة “إسرائيل” وحتى هذه اللحظة ثمّة احترام لقواعد اللعبة”.
وتابع: “ثمّة وقف إطلاق النار جرى في العام 2006 وصدر حينها القرار 1701 وعلينا جميعاً احترام هذا القرار لأن الإخلال به يعني انسحاب القوات الدولية ونُصبح أمام حالة حرب كاملة؛ وهذا ليس لصالح لبنان أو القيّمين في لبنان والمنطقة”.
في غضون ذلك، بقي ملف التمديد لقائد الجيش في صدارة الاهتمام المحلي، في ظل انسداد الأبواب القانونية والدستورية للتمديد لقائد الجيش الحالي. في ظل تأرجح الخيارات بين التمديد وتعيين رئيس للأركان يتولى مهام قائد الجيش ريثما يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية وتعيين قائد جديد للجيش.
وإذ علمت “البناء” أن الضغوط الدبلوماسية الأميركية والقطرية والسعودية والأوروبية للتمديد لقائد الجيش لم تتوقف، لكن من دون أن تقدم أي من الجهات السياسية وعوداً بالتمديد لغياب التوافق السياسي ووجود مطبات قانونية ودستورية. وبرزت في هذا السياق زيارة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا الى السراي الحكومي ولقاؤها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وبحث معها التطورات الراهنة والوضع في جنوب لبنان وغزة.
وأكدت مصادر نيابية لـ”البناء” أن رئيس مجلس النواب نبيه بري سيدعو إلى جلسة تشريعية قبل منتصف الشهر الحالي بجدول أعمال متنوّع، لكن الكرة في ملعب الكتل النيابية لجهة الحضور ومناقشة جميع بنود جدول الأعمال والتصويت عليها بما فيها رفع سن التقاعد لرتب معيّنة من الضباط وفق اقتراحات القوانين المقدّمة من القوات اللبنانية وتكتل الاعتدال الوطني.
وكتب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على حسابه عبر منصة “إكس”: نحن اليوم في 4 كانون الأول. ولا زلنا في انتظار الرئيس نبيه بري ليدعوَ إلى جلسة لمجلس النواب، كما وعد بغية تجنيب المؤسسة العسكرية أي هزة أو فراغ أو فوضى لا سمح الله”.
في المقابل، أكد التيار الوطني الحر عبر حسابه على منصة “إكس” أن “‏لا داعٍ لتوتر “القوات” أو تبرير سعيها للتمديد…” يكفي أنّها انقلبت على موقفها من وجوب عدم حضور اي جلسة تشريعية الى قيامها بتقديم اقتراح قانون التمديد والاعلان عن حضورها جلسة من عشرات البنود غير الضرورية، ليتيقن الرأي العام الى أي مدى هي “غب الطلب” للقوى الخارجية وتستجيب لطلباتها، سواء كانت سفيراً اميركياً او موفداً فرنسياً، لا فرق، المهم أن احترام السيادة الوطنية واستقلالية القرار لديها مجرد شعار ووجهة نظر!”.
وإزاء الانقسام داخل الساحة المسيحية، لم يحسم حزب الله موقفه من ملف قيادة الجيش وفق معلومات “البناء” بانتظار تحديد موعد الجلسة والمشاورات السياسية المستمرّة على هذا الصعيد. وشددت المصادر على أن حزب الله لن يستفز التيار الوطني الحر بملف قيادة الجيش ما قد ينعس على العلاقة بينهما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى