ماذا يفعل أهل غزة في أوقات الهدنة والحرب؟
} حمزة البشتاوي
يفعل أهل غزة وهم على حافة الموت كما يقول محمود درويش، ما يفعله السجناء والعاطلون عن العمل، يربون الأمل، وعند كلّ صباح ومن فوهة الوقت يطلقون النداءات لمن يسمع أو يرى، من أمة كادت او فقدت مكونات الكرامة والرجولة والإباء، بأنّ (إسرائيل) الدخيلة على مكونات أرضنا وتاريخنا، تستبيح دمنا، وتهتك سكون ليلنا بوقاحة قلّ نظيرها، بينما الصمت والتواطؤ العربي والدولي الرسمي، يمارس رياضة صمت مريب، معبّراً عن خيانة القيم الإنسانية. وغزة اليوم وجنوب لبنان ببطولةٍ فائقة يشكلان متراس الدفاع الأول عن كرامة الأمة وصدّ أحلام الغزاة بالتوسع، وهذا محال، وإذا حصل سيأكل أيضاً الصامتون والشامتون، والمطبعين تباعاً، وغزة لا تطلب منهم تحريك الجيوش، بل استخدام ما لديهم من أوراق القوة لتأتي الدول الكبرى صاغرة، فهل تفعلون قبل فوات الأوان.
وهذا النداء لا يؤثر على غزة المحاطة بالنار والدمار وأصوات الوحوش المعدنية والدبابات ولكن أهلها يرسلون النداءات الى الأنظمة العربية نظراً لحاجتهم القصوى لفعل شيء ما للحفاظ على ما تبقى من إنسانيتهم وعروبتهم الممزقة بفعل دوي صرخاتنا المنتشرة في الزمان والمكان.
وأهل غزة يعلمون بأنّ الكثير من العرب أصبحوا يعتبرون الشجاعة تهوّر، والجبن حكمة، ولذلك يلجأون، من منطلق رفع العتب، على تناول القضية الفلسطينية في اجتماعاتهم وبياناتهم العادية والطارئة، من الجانب الإنساني، ويردّدون كالببغاوات قديمهم وجديدهم، بالحديث عن المبادرة العربية وحلّ الدولتين، كوهم يساعد كيان المذابح، على المزيد من الاستيطان والتهويد، وإطفاء مصابيح كنيسة القيامة والمسجد الأقصى وكلّ فوانيس الأمل على أرض فلسطين.
وأهل غزة ايضاً وبقلوب ساخنة وأنظار شاخصة، يتطلعون الى وقف لإطلاق النار، الآتي لا محالة، كي تعلن غزة انتصارها، ونهوضها مجدّداً من تحت الركام، إلى أفق جديد، من أبرز ملامحه الداخلية، الخروج من الثنائية الفصائلية إلى الوحدة الوطنية الشاملة، التي تعني تحمّل المسؤولية، تجاه الأرض والإنسان الفلسطيني المقاوم والمكافح من أجل الرغيف ومن أجل الخلاص من الاحتلال وبانتظار ذلك نراهم يبحثون عن وجعٍ خفيف على القلب والذاكرة ويبتعدون قليلاً عن صواريخ الطائرات والقذائف والرصاصات القاتلة متمسكين بحكمة البندقية المقاتلة، ويخوضون حرب البقاء بمواجهة الاحتلال الذي يريد غزة فارغة من سكانها وإنشاء منطقة منزوعة الامل والحياة.
ومع ارتفاع عدد المجازر والضحايا يومياً يملئنا البكاء في الليل وكلما ارتفع عدد الشهداء الأطفال أصحاب الضحكات الوارفة في العيون والذاكرة.
وهم الذين لا تنسى وصاياهم التي كتبت بحبر الروح، وأنين غياب الخبز والماء، وكتبت على ورق القهر والجمر بأن النصر سيأتي رغم قسوة الجغرافيا والحصار والحرب، وغزة ما زالت تقول يومياً للعالم صباح الخير، وتهنئه بالسلامة مؤكدةً بأنها لن تفقد الأمل، رغم حرب الإبادة، بالنصر والاستقلال والحرية، وأنها ستبقى تحلم كأبنائها في عكا ويافا والقدس، حتى ينقطع النفس…