تعثر المفاوضات أم تفاوض تحت النار؟
} رنا العفيف
بعدما وجه رئيس الموساد الإسرائيلي فريقه إلى قطر، أعلنت تل أبيب تعثر مفاوضات استئناف الهدنة بالتوازي مع حديث لنتنياهو عن خلافات مع الأصدقاء الأميركيين، هل وصلت الأمور إلى حائط مسدود أم هي تفاوض تحت النار؟
مع اقتراب العدوان على نهاية شهره الثاني، إلا أنّ المقاومة في غزة تواصل عملياتها بزخم أكبر ضدّ الاحتلال الإسرائيلي من الشمال إلى الجنوب، وتؤكد استعدادها لكلّ السيناريوات والخيارات وسط ما تسعى إليه واشنطن وتل أبيب حيال مشروعها الفاشي بين قوسين التهجير وإقامة منطقة عازلة، ولكن اللافت في هذا الأمر هو ما أعلنت عنه تل أبيب من تعثر المفاوضات وعدم استئناف الهدنة وعن الجهد المبذول لبنيامين نتنياهو عن الخلافات الحاصلة بينه وبين حلفائه الأميركيين،
على ما يبدو أنّ «إسرائيل» تريد الاستمرار في القتل والتدمير، لتدفع بالمقاومة إلى التنازل كنوع من أنها تملك أوراق قوة وهي استئناف القصف الوحشي علها تحقق إنجازاً يخرجها من أزماتها، ومن ناحية أخرى تواصل السعي لتطبيق وتنفيذ مشروعها في سياسة التهجير القسري عبر بوابة رفح، وهذا يوحي بأنّ خريطة المربعات الأمنية خارج حدود القطاع وواشنطن تسوّق لمشاريع ما بعد الحرب قبل انتهائها، لتأتي في سياق الأمر جبهات المساندة لتردّ على سياسة الولايات المتحدة ومن خلفها الاحتلال الإسرائيلي بشنّ المقاومة عملياتها النوعية الجديدة وطالت مواقع العدو وحققت فيها إصابات مباشرة…
انطلاقاً من هذا الواقع يمكن القول بأنّ هناك انهياراً استراتيجياً للولايات المتحدة من الصعب أن تعترف به لما فيه من إحراج أمام ربيبتها «إسرائيل» وحلفائهما، إذ كان واضحاً ما قاله نتنياهو خلال المؤتمر الصحافي الذي كان لوحده دون شركائه غالانت وغانتس، وكأنه يريد القول بأنّ كلّ المكاسب الذي يزعم تحصيلها هي له فقط، ما يشي بأنّ من أولوية نتنياهو تحرير الأسرى مع سحق حماس بالقوة العسكرية (كما يزعم)، ربما لهذا استبعد غانتس ليبرز صورته «البطولية» على حساب شركائه في الحكومة وأيضاً في القتل والإجرام…
واعترف بالخلافات بينه وبين واشنطن وقال بأنّ هناك خلافاً ولكن نحن متفقون على الأهداف، وبالتالي ربما الخلاف يكون على صعيد اللهجة فقط ولكن الأهداف هي ذاتها بالشكل والمضمون، في مقابل ذلك قد تكون هذة الأهداف هي استهداف المدنيين في غزة على اعتبار أنّ الاحتلال الإسرائيلي يعتبر استهداف المدنيين العزل في غزة هي مواقع لحماس، لذلك هو يقصف المدنيين بشكل هستيري وجنوني وتتجاهلها الولايات المتحدة وبعض الدول العربية، بمعنى أنّ هناك من يعرف ماهية الأهداف لمنه يقف ويتفرّج دون خجل! وكلّ هدف مدني يُعتبر بمثابة هدف عسكري، لأنّ الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي لا يفرّقان بين مدني وعسكري، ولا شرعية لذلك إلا بضوء أخضر دولي، وندين هذا من باب الإنسانية التي يتشدّق بها الجميع في المحافل الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن هذا إذا كان يمتلك في جعبته الحسّ الأمني على المستوى الدولي بشكل فعلي؟
وبالتالي كلّ هذه الخلافات قد تكون فارغة لطالما الأهداف واضحة، لماذا؟ لأنّ «إسرائيل» تفرض رأيها بقوة، ولكن قد يبدو بأنّ الولايات المتحدة أمام موقف محرج في ظلّ الانتخابات الرئاسية والكونغرس، وهناك أزمات داخلية قد تؤدي بإسقاط بايدن الشريك الاستراتيجي في سياسة سفك الدماء التي تدعم طفلها المدلل بالقنابل المحرمة دولياً لقتل الأبرياء في غزة، و»إسرائيل» نفسها لا تستطيع الحصول عليها دون موافقة واشنطن التي تدّعي بأنها لا تريد قتل المدنيين، لطالما هي حريصة على عدم سقوط ضحايا لماذا لا تتوقف عن إمداد «إسرائيل» بهذه الأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً؟
إذن هو تفاوض تحت النار لأسباب سياسية وأمنية وعسكرية تدركها المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة، ومنها استغلال الفرص وانتهاز ما يدور في أروقة الوساطات تحت ذريعة الهدنة لبدء المرحلة الثانية من عدوانه على جنوب القطاع، وأقرّ بذلك الإسرائيلي، بأنّ مواجهة القسام في الشمال مستمرة، وهو ما أكدته المقاومة بعملياتها المستمرة بزخم أكبر مع الاستعداد لكل الخيارات…