أولى

الكيان المؤقّت من نزاع الحدود إلى صراع الوجود

‭}‬ شوقي عواضة

مرّة جديدة يحاول قادة الكيان الصّهيوني تقديم انتصارٍ وهميٍّ لقطعان مستوطنيه بعد تتالي هزائمه وإخفاقاته في غزّة منذ بداية العدوان. فوفقاً لما تناقلته وسائل الإعلام العبريّة وإذاعة جيش العدوّ فإنّ وزير الحرب في الكيان الصّهيوني المؤقّت يوآف غالانت قد توعّد بإبعاد حزب الله إلى ما وراء نهر اللّيطاني في جنوب لبنان من خلال عمليّة تسوية دوليّة استناداً إلى القرار الأممي رقم 1701 مهدّداً أنّه في حال فشل عمليّة الإبعاد من خلال التسوية السّياسيّة الدّوليّة فإنّ (إسرائيل) ستتحرّك عسكريّاً لإبعاد حزب الله عن الحدود على حدّ تعبيره.
تهديدات غالانت جاءت خلال لقائه برؤساء البلديات ورؤساء مجالس المستعمرات الشّماليّة التي تعرّضت لعمليات حزب الله منذ اليوم الثّاني لعمليّة طوفان الأقصى، وأدّت إلى إجلاء أكثر من 80 ألف مستوطن لا زالوا يرفضون العودة الى المستعمرات إلّا بعد دفع حزب الله إلى شمال نهر اللّيطاني. في حين نقلت صحيفة يدعوت أحرونوت عن مسؤولين صهاينة أنّ واشنطن تدرس إمكانية التوصّل إلى تسوية بين إسرائيل ولبنان بشأن الحدود، مشيرة إلى أنّ الهدف من الاتفاق المحتمل هو إبعاد حزب الله بشكلٍ دائمٍ عن الحدود.
هجمات حزب الله التي زادت من مخاوف الإدارة الأميركيّة من التّصعيد وفتح جبهةٍ ثانية من خلال توسيع رقعة التّصعيد ضدّ الكيان الصّهيوني استدعت مسارعة بعض المسؤولين الأميركيين القيام بمحاولة لاحتواء أيّ توسّع في الصّراع، وفي هذا الإطار قالت وزارة الخارجيّة الأميركيّة إنّها لا تريد رؤية نزاع بين حزب الله وإسرائيل. لذا سارعت إلى إرسال (المبعوث الأميركي إلى لبنان عاموس هوكشتاين) ومحاولته إبرام اتفاق لتقليص احتمالات التّصعيد على الجبهة الشّمالية للكيان الصّهيوني، خاصّة في ظلّ التخبّط الصّهيوني في (عملية السّيوف الحديديّة) التي أطلقها ردّاً على عمليّة طوفان الأقصى دون أن يحقّق أيّ هدف من أهدافها رغم دخولها الشّهر الثالث من المواجهات بين فصائل المقاومة الفلسطينيّة وجيش الاحتلال الاسرائيلي الذي يخوض عدوانه بدعمٍ غربيٍّ مطلقٍ وأميركيٍّ مفتوح، ورغم ذلك لا زال يراكم فشله في تحقيق أهداف عمليّته ويزداد غرقاً في مستنقع غزّة التي لا زالت مقاومتها تقول الأمر لي بصمودها وتوقيت إطلاقها للصواريخ واستهدافها للمستوطنات الصّهيونيّة وللعمق وصولاً إلى تل أبيب.
هذا يعني أنّ الكيان الصّهيوني وخلفه الولايات المتحدة الأميركيّة والغرب لا يريدون فتح جبهة الشّمال مع لبنان ليس حرصاً على لبنان وشعبه ولا من أجل تطبيق القوانين الدوليّة باستعادة لبنان لما تبقّى من أراضيه المحتلّة، بل إنّ التسارع الأميركيّ والغربيّ لمنع الحرب جاء وفقاً لما يلي:
1 ـ تجنيب الكيان الصّهيوني العاجز عن حسم المعركة في غزة فتح جبهة حربٍ جديدة لأنّه أعجز من أن يخوض حرباً على جبهةٍ واحدةٍ فما حاله أمام خوضه حرباً على جبهتين.
2 ـ إنّ فتح جبهة الحرب الشّماليّة ستكون عالية الكلفة بالنّسبة إلى الكيان وجيشه وللإدارة الأميركيّة على كافّة المستويات السياسيّة والأمنيّة والعسكريّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي بدأت تظهر نتائجها بعد إجلاء كلّ المستوطنين من الشّمال.
3 ـ اعتماد الإدارة الأميركيّة فتح الجبهة الشّمالية مع فلسطين ديبلوماسيّاً وتشكيل جبهة مواجهةٍ أميركيّةٍ مدعومةٍ غربيّاً تحت عنوان تطبيق القرار 1701 وإبعاد أو إزالة أحد أهمّ عناصر التهديد الوجوديّ للكيان الصّهيوني المتمثّل بحزب الله والمقاومة على الحدود الجنوبيّة للبنان.
4 ـ تحقيق إنجاز للكيان الصّهيوني يعيد قطعان المستوطنين إلى الشّمال وبالتالي تقديم هذا الإنجاز كانتصار لحكومة نتنياهو وبالتالي تحقيق ما لم يحقّقه العدوّ الاسرائيليّ في الحرب.
أمام ذلك لا يمكن للولايات المتحدة الأميركيّة الشّريكة في العدوان على غزة أن تكون وسيطاً لحلّ النّزاعات وهي التي لا زالت تفرض عقوباتها على لبنان من أجل الضّغط على مقاومته ونزع سلاحها وأميركا الداعمة الأولى للإرهاب بل مؤسّسة الإرهاب وأمه من الكيان الصّهيوني إلى كلّ التّنظيمات الإرهابيّة التي عاثت فساداً وتخريباً في منطقتنا هي غير مؤهّلة لأن تلعب دور الوسيط في أيّ نزاع في المنطقة، وبالتالي فإنّ ما عجزت عن تحقيقه بالعقوبات المفروضة على لبنان لن تنجزه من خلال ديبلوماسيّتها التي يمثّلها الصّهيوني عاموس هوكشتاين. فلبنان الذي حرّرت المقاومة أرضه وأسراه وقدّمت الشّهداء سيبقى القوي بمقاومته ولن يتراجع للخلف مهما غلت التّضحيات. والسّؤال الذي يطرح أين كانت الأمم المتحدة بقراراتها وقوانينها و(عدالتها) منذ عام 1948 واحتلال فلسطين وارتكاب المجازر في حولا واحتلاله للأراضي لغاية اليوم؟ أين إنسانيّة (الساميين) وبعض الأبواق التي تطالب بنزع سلاح المقاومة في ظلّ ما يرتكبه العدوّ الصّهيوني من مجازر بحقّ الفلسطينيين؟
وعليه فإنّ قرارات أممكم العوراء التي لم تحمِ أطفال غزّة ونساءها ليست سوى دشماً ومتاريس حربيّة تشنون من خلالها حروبكم لتحقيق أمن الكيان المؤقت والزائل حتماً. وعليكم أن تقرأوا في دساتير الشّعوب والأمم الحرّة أنّه لم يحدث في تاريخ النّزاعات على مدى العصور أن تتساهل دولة بسيادتها أمام محتلّ اغتصب أرضها وفتك بشعبها قتلاً وتهجيراً واعتقالاً وتدميراً لمؤسّساتها. لم يحدث في تاريخ الأمم والشّعوب أن يرضخ شعب وأمّة ودولة لاحتلال لا يمتلك شرعيّة لاحتلاله ولا لوجوده أصلاً. لم يحدث في تاريخ الأمم أن ينسحب صاحب الأرض للمحتلّ ويبعد المواطن ليحلّ مكانه مستوطن، بل توجد مقاومة راسخة ومتجذّرة في الأرض تحمي الوطن وتذود عن أبنائها وتصون حدوده من كلّ عدوّ معتد…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى